قبيلة بني عامر (الملالحة) وحكايتها مع السلطان أيبك وإقطاعهم سكرير (صقرير)
وإقطاعهم سكرير (صقرير)
قبيلة بني عامر الدوسية قبيلة عربية عريقة تمتد جذورها بعيداً في التاريخ، تنتسب للصحابي الجليل أبو هريرة عمير بن عامر الدوسي (1). وعامر جد القبيلة هو من سلالة أبو هريرة رضي الله عنه، موطنهم الأول الحجاز وتحديداً في العقيق جنوب المدينة المنورة.
وقبيلة بني عامر الدوسية (الملالحة) - أحفاد الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي- متواجدة في ديار غزة منذ أمد بعيد، يعود لعصر الفتوحات الإسلامية، حيث ينقل المستشرق الألماني "أوبنهايم" من مصادر مختلفة: " أن وجود بني عامر (الملالحة) في منطقة سكرير غير واضح زمنياً. وهم ينتسبون إلى جدهم الصحابي أبي هريرة، وقبره يقع في يبنى ". (2) (3)
قلت: أبوهريرة توفي بقصره سنة (57هـ - 677م) في العقيق فحمل إلى المدينة المنورة (4). ويذكر الحنبلي (ت 927هـ - 1521م) : " وليس هو المدفون بقرية يبنى التي هي من أعمال مدينة غزة، (ويعني به أبو هريرة) وإنما بعض ولده " (5)، وهذا يدل على وجود سلالة الصحابي أبو هريرة في هذه الديار - أي: ديار يبنى وسكرير وروبين – قديماً.
وينقل مؤرخنا فايز أبو فردة العامري (6) عن الرحالة لويس موزيل في معرض حديثه عن قبيلة بني عامر (الملالحة) :
"لقد سبقوا السكان في الاستقرار بين النهر وطويل الأمير، وهم من أسلاف أبي هريرة، وقبره يزار سنوياً من قبلهم، وقد شكلوا وجوداً واحداً متجانساً. أعداد خيامهم قليلة..." (7)
ولقبيلة بني عامر (الملالحة) والسلطان المملوكي عز الدين أيبك حكاية، وهذه الحكاية من موروثات القبيلة المتواترة التي يرويها المعمّرون منهم وتناقلتها الأجيال, وهي قولهم :
"اقطعنا هذه البلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر المعز بن صالح". (8)
قلت: قولهم "اقطعنا" لا ينفي أنهم سكنوا هذه الديار من قبل، ولكن هذا تاريخ استقرارهم بها.
والواضح البين أن قوم أبو هريرة قد سكنوا بفلسطين منذ الفتح الإسلامي، وقد وردت نصوص كثيرة تؤكد وتثبت ذلك، جمعها الأخ الباحث الأستاذ سلمان المزروعي العامري (9)، نورد منها :
فقد ذكر ابن أبي الدنيا (ت 281هـ - 894م) في كتابه "الجوع" أذ يقول : " حدثنا عبد الرحمن بن واقد، قال : حدثنا ضمرة، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه رأى قومه بفلسطين، فأتوه بالرُّقَاق (10) الأول، فلما رآه بكى، فقيل له : يا أبا هريرة ما يبكيك ؟ فقال : ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه حتى فارق الدنيا ".( ((((11).
وورد كذلك أن قوم أبو هريرة بالرملة من أرض فلسطين، فقد ذكر الواقدي (ت 207هـ -822م) ناقلاً عن ابن اسحق : أن أبو هريرة رضي الله عنه، جاء إلى الشام ليزور قومه، فوجدهم وقد هجم عليهم القبط فوجد آثارهم ثم سار ومعه حليف له من بجيلة وصلوا إلى شاطئ البحر، وعندما عولوا بالرجوع وإذا بلوح في البحر تعلب به الأمواج وعليه شخص وإذا به ابن عم أبو هريرة، فهنأه على السلامة وأخبرهم بما حدث، وذهبوا عائدين، ونقل أبن عم أبو هريرة قومه وجاء بهم إلى الرملة. (12)
ونعود لحكايتهم مع السلطان المملوكي عز الدين أيبك، وقد نقل الحكاية عنهم المستشرق الألماني أوبنهايم في كتابه "البدو"، يذكر أوبنهايم : "تقول حكايات القبيلة إن الملالحة حصلوا في زمن الحروب الصليبية على خربة سكرير من معز بن صالح حاكم يبنى ". (13)
قلت : معز بن صالح : هو السلطان المملوكي الأول عز الدين أيبك، والمعز لقبه، وابن صالح، لأنه كان مملوكاً للملك الصالح نجم الدين أيوب، نُسب إليه وليس ابنه (14)، عمل جاشنكيراً (15) ووصل لرتبة أمير، وبالرغم أن المؤرخين يعتبروا أيبك مملوك لكنه في الحقيقة كان أميراً في بلاط الصالح أيوب وليس مملوك (16). وتلقب أيبك بن عبد الله الصالحي النجمي عز الدين التركماني "بالملك المعز"، وقد حكم من سنة (648-656هـ) (1250-1258م). (17)
وخربة سكرير أو (صقرير) تحريف بلدة شكرون الكنعانية، وذكرت في كتب الأقدمين باسم السكرية، كانت منزلاً ينزله المماليك في طريقهم من مصر إلى سورية وبالعكس. (18)
وقد أقطع السلطان عز الدين أيبك قبيلة بني عامر (الملالحة) البلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر. عندما كان والياً على يبنى حوالي العام 642هـ (1244م). في نهاية الحكم الأيوبي. زمن الحروب الصليبية .
ففي زمن الأيوبيين كانت تستقر قبيلة بني عامر في سيناء وهذا ما يثبته المؤرخ فايز أبو فردة العامري (19)، ففي العصر الأيوبي كان للصليبيين حصون على طول الساحل الفلسطيني. وفي عام 642هـ (1244م) وقعت بالقرب من غزة معركة حاسمة بين الصليبيين والقوات المتحالفة معهم وبين جيش الملك الايوبي الصالح نجم الدين انتهت بهزيمة الصليبيين شر هزيمة. حتى أطلق المؤرخون عليها " حطين الثانية". (20)
وبعد هذه الحادثة يذكر المقريزي في كتابه السلوك ضمن حوادث سنة 642هـ (1244م) : " واستولت نواب الملك الصالح نجم الدين على غزة والسواحل..." (21). ومن تولى ولاية يبنى عز الدين أيبك.
فعز الدين أيبك عندما كان والياً على يبنى، جاء بقبيلة بني عامر من سيناء، إذ كانت القبيلة متواجدة في سيناء خلال تلك الفترة كما ذكرنا.وأقطعهم سكرير والبلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر.
وهناك من يورد قصة طريفة لسبب إقطاعهم لتلك البلاد، وتبدأ عندما كان المعز بن صالح والياً على يبنى، جاء القراصنة إلى شاطئ البحر وأخذوا زوجته سبيّة إلى قبرص، عندما علم الوالي بالخبر تبعهم متخفياً لإعادتها، وعند وصوله إلى قبرص أَلِف قصّاباً وامتدت بينهم المودة والمعرفة، فشكا الوالي إليه ما ألمّ به، وكشف له أمره فوعده القصّاب بالمساعدة والبحث عن زوجته. وكان لهذا القصاب ابن في حرس قصر أحد الأمراء، فأخبرهم بعد بحث أنّ المرأة التي يبحثون عنها أصبحت من جواري الأمير، فطلب المعز من الحارس أنْ يوصله إليها، وقد كان له ذلك، إلّا أنها رفضت الهرب والعودة معه، وهددته بإخبار الأمير (الحاكم) بأمره إنْ عاود ذلك.
وبعد عودة المعز إلى القصّاب تشاورا فيما بينهما، وقرّ قرارهم على قتل المرأة والحاكم. وقد نفذوا ذلك ليلاً وركبوا قارباً كان معداً تحت جنح الظلام واتجهوا إلى شاطئ يبنى في فلسطين.
ومن هناك أرسل المعز صديقه القصاب إلى عرب الملالحة في سيناء وأسكنه بينهم حتى تهدأ الأمور وتستقر.
يقول مؤرخنا فايز أبو فردة العامري معلقاً على الحادثة : كان ذلك في فترة الحروب الصليبية وما تبعها من قرصنة، وقد كانت قبرص مركزاً لبقايا الصليبيين، وقد حاولوا أنْ يقضّوا مضاجع المسلمين وكانوا يرسلون سفنهم تجوب البحر، ويظهر بأنّهم في إحدى الجولات قد قابلوا زوجة والي يبنى وأخذوها أسيرة أو سبيّة. وخوفا على القصاب بعد اكتشاف المذبحة في قبرص وافتضاح أمره أبعده المعز إلى الملالحة في سيناء لئلا يقع في أيدي القراصنة وينتقموا منه. (22)
وتذكر القصة أنه بعد ذلك بمدة وتكريماً لقبيلة بني عامر (الملالحة) استقدمهم المعز إلى منطقته وأقطعهم سكرير والبلاد بين يافا واسدود والرملة والبحر. فهم مستقرون في هذه البلاد منذ القرن السابع الهجري.
وخلال العهد العثماني يرد ذكر (سكرير) مركز بني عامر في الدفاتر العثمانية، وكانت قرية عام 1596 – 1597م, تسكنها 10 أسر فقط، وتقدم ضريبة قدرها (14,3%) من نتاجها، وهذه نسبة قليلة إذا ما قيست بما تدفعه القرى الأخرى (33,3%) من انتجاها (23). وهذا يدل على رعاية العثمانيين واحترامهم وتقديرهم لهم كونهم ذرية الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه. ويدعم هذا قول اوبنهايم في معرض حديثه عن قبيلة بني عامر : "وفي ظل الحكم العثماني تمتعوا بامتيازات مختلفة ". (24)
وفي العهد العثماني كذلك، ونظراً لوقوع مناطق قبيلة بني عامر (الملالحة) ضمن نطاق القرى فقد اعتبروا فلاحين، ولذا الزمتهم الدولة العثمانية بالجندية، أو دفع الضرائب بدلاً من ذلك، ففرت عائلات منهم واتجهت إلى سيناء وجنوب بلاد بئر السبع، وبعض الأشخاص خدموا في الجندية واستشهد منهم وفقد آخرون. (25)
واستمر القسم الأكبر منهم في بلادهم وأرض أجدادهم سكرير وروبين وما حولها، حتى العهد البريطاني المشؤوم، ومن ثم قامت العصابات الصهيونية قبل انسحاب البريطانيين من فلسطين بتدمير بيوت قبيلة بني عامر (الملالحة) وهدمها على من فيها (26)، وهكذا تم تهجيرهم من أرض أجدادهم وتشتيت شملهم،فمنهم من بقي في فلسطين لاجئاً ومهجراً في قطاع غزة والضفة الغربية، ومنهم من شرد إلى شرق الأردن ومصر وبقاع الدنيا.
كتبه الباحث: حسام أبو العوايد العامري
.......................................................
الـمراجـع:
(1) (الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة, بيروت، ط3، ج2، ص 578). (ابن الكلبي، نسب معد واليمن الكبير، ج2، ص 493).
(2) (اوبنهايم، البدو، تحقيق ماجد شبر، دار الوراق، لندن، ط 2، 2007م، ج2 ص 147). (الحموي، ياقوت، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977م، ج5، ص428).
(3) أبو فردة، فايز بن أحمد، من تاريخ القبائل في الأردن وفلسطين، دار ابن الجوزي، عمّان، 2005، ق1، ص 119.
(4) العسقلاني، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز هجر للبحوث، القاهرة، ط1, 2008م، ج13، ص 58.
(5) الحنبلي، مجير الدين، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، عمّان، 1973م، ج1، ص 263.
(6) أبو فردة، مصدر سابق، ق1، ص 124 – 125.
(7) Amusil، Arabia petraea، band 3، 30، p 1989
(8) أبو فردة، مصدر سابق، ق1،ص 119.
(9) من أبحاث الباحث الأستاذ سلمان المزروعي العامري على الشبكة، بحث بعنوان " نسب قبيلة بني عامر ".
(10) الرُّقَاق : الخبز المنبسط الرقيق.
(11) ابن أبي الدنيا, أبي يكر عبد الله بن محمد، الجوع، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت، ط2, 2000م، ص 157- 158.
(12) الواقدي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد، فتوح الشام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، ج2 ص68.
(13) اوبنهايم، مصدر سابق، ج2، ص 147.
(14) أبو فردة، مصدر سابق، ق1،ص 119.
(15) الجاشنكير :هو المسئول عن أكل وشرب السلطان، فهو ذواق أكل وشرب السلطان للتأكد من خلوه من السم.
(16) (المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب، القاهرة 1996م، ج1، ص 463). (بيبرس الدوادار، زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، جمعية المستشرقين الألمانية، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت 1998م. ص 6)
(17) (أبو فردة، مصدر سابق، ص 119). (الزركلي، خير الدين، الأعلام، ج1، ص 32)
(18) الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، دار الهدى، ط 1991م، ق2، ج1، ص189.
(19) أبو فردة، مصدر سابق، ق1، ص 120.
(20) أ.د فاروق فوزي وأ.د محسن حسين، الوسيط في تاريخ فلسطين في العصر الإسلامي الوسيط، دار الشروق، عمّان، ط1، 1999م، ص 217.
(21) المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عطا، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1997م، ج1، ص 420.
(22) أبو فردة، مصدر سابق، ق2، ص 228 وما بعدها.
(23) أبو فردة، مصدر سابق، ق1، ص 121.
(24) اوبنهايم، مصدر سابق، ج2، ص 147.
(25) أبو فردة، مصدر سابق، ق1، ص121. وأبو فردة ينقل عن رواية الحاج إبراهيم أبو ربيع العامري.
(26) الدباغ، مصدر سابق، ق2، ج1، ص191.