ينهمك الطفل محمد حواشين (11 عامًا) في التحضير لفعاليات ذكرى النكبة في جنين على الرغم من أنه لم يعايش النكبة ولم يدخل أراضي الـ48 ليرى قريته زرعين المهجرة.
ويصر حواشين حين تسأله من أين أنت على أن يقول لك أنه من "زرعين"، فهو لا يعرف حقيقة سوى أنه من زرعين التي هجرت منها عائلته عام 1948 وهو مؤمن بالعودة إليها يومًا.
ويقول حواشين إنه يعبر من خلال رسماته عن "حق العودة" الذي يعده شيئًا مقدسًا لا مجال للنقاش فيه، ويؤكد أن حق العودة سيتحقق يومًا، ويرفض أي حديث عن مساومة في هذا الحق.
وحول قوة ارتباطه بـ"زرعين" التي لم يرها ولم يعش فيها يومًا واحدًا، يقول: "حدثني جدي قبل وفاته عن زرعين وعن الأرض وعن الحياة الجميلة قبل النكبة، وكان يستطرد في سرد القصص لنا حتى تترسخ الحكاية".
لن ننسى
ويضيف: "نحن لن ننسى، وسنعمل على تحقيق الحلم الذي لم يتمكن آباؤنا من تحقيقه لأن قضيتنا عادلة ونحن تربينا عليها".
ولا تختلف نسرين الشلبي التي تنحدر من قرية "أجزم" قضاء حيفا في توجهها عن حواشين، وتقول: "ظنوا أننا سننسى، ولكننا أكثر تمسكًا بالأرض ونحن جيل العودة؛ لقد تربينا على ذلك".
ويقول المعتقل السابق محمد أبو زينة، من مخيم جنين،: "إن أكثر ما يغيظ الاحتلال هو أن تنسب نفسك إلى موطن الأصلي كلاجئ، فأنا سألني ضابط مخابرات "إسرائيلي" ذات مرة من أين أنت؛ فأجبته أنني من حيفا، فقال لي: أنت من مخيم جنين، قلت له: إنني من حيفا".
ويضيف: "يستهجنون علينا أن 64 عامًا لم تمحُ من ذاكرتنا مواطننا الأصلية، ولا يستهجنون على أنفسهم أنهم جاءوا إلى هذه الأرض بذريعة "حق تاريخي" قبل ثلاثة آلاف عام لم ينسوه!".
وأردف: "هذا الجيل من الصغار متوقد لحماية هويته، وللانتصار لحق العودة، وهذا يزرع أملاً كبيرًا في أن القضية لن تضيع ولن تمرر أية تسويات سياسية لا تضمن هذا الحق".
ويستطرد قائلاً: "المخيم ليس مجرد مكان محايد، بل هو جزء من تاريخ وحاضر الشعب الفلسطيني ورمزيته، يعبر عن استمرار القضية الفلسطينية بكل أبعادها ومعاناتها، وهو كالكائن الحي الذي يتنفس وتتنفس معه رئة اللاجئين".
حكايات تتوارثها الأجيال
ويؤكد الجيل الأول للنكبة أن رسالته تتمثل في زرع ذكرى النكبة لدى الأجيال اللاحقة حتى تبقى معلقة في أذهانهم ويبقى العمل من أجل العودة يلازمهم.
وتجلس الحاجة السبعينية آمنة صبح من مخيم الفارعة تروي تفاصيل تهجيرها من قريتها الريحانية قضاء حيفا، لأطفال المخيم.
وتصف صبح، وقد التف حولها أطفال قرية الريحانية حين هاجمتها عصابات اليهود، وتقول: "كان القمح طول الرجال، وطلعنا على أم الزينات، وهاجمونا مع الفجر، وانتقلنا إلى خيمة في أم الزينات، وسمعنا من الناس عن هجوم اليهود علينا، وكانت الدنيا خطيطة (ضباب)، وانتقلنا إلى إجزم".
وتعيد الأيام إلى الوراء: "وفي إحدى أيام رمضان، كنا نستعد لتناول الفطور، وقبل أن نضع شيئًا في أفواهنا، هاجمتنا طائرات كبيرة، كنا نسميها (بوسطة)، وضربت علينا قيزان (قنابل)، وظلينا 3 أيام في البلد، وصارت الناس تهرب بين السمسم من الطيران، وعند بير قطينة هرب الناس بين الذرة المزروعة من الموت".
وتتفاخر صغيرات المخيم اللواتي تحلقن حولها، ولم تتجاوز أعمارهن 10 سنوات، بأنهن من بلدان سرقها الاحتلال، ويصفن قراهن الأصلية ومدنهن في أراضي 48 بكلمات تعبر عن عمق انتماء للأرض، فتقول الطفلة شيماء الشافعي: "يافا جنة"، وتصف الطفلة شهد الحاج صالح الكفرين بـ"الرائعة"، وترى شهد فحماوي أم الفحم كـ"عروس".
وتؤكد الحاجة صبح عن ثقتها بأن هذا الجيل لن ينسى وسيورث الراية وسيكون جيل التحرير وهو مرتبط ببلدانه الأصلية رغم أنه لم يرها.
المصدر: المركز الفلسطيني 48