زرعين في اطارها الجغرافي
اللفظ والتسمية :
زرعين من المسميات التي يتزاوج فيها المبنى بالمعنى ، او اللفظ بالددلالة، فهي مشتقة من الفعل زرع وهكذا تعني في مجمل الفاظ اللغات السامية التي اطلقت على هذا الموقع . فأول مسمى نعرفه عن هذا الموقع هو الاسم الكنعاني يزرعيل حيث ظهرت هنا بلدة كنعانية هامة . ويعني الاسم بالكنعانية يزرع ، يبذر ، والاسم العبري للقرية يزراعيل ، ويعني اسم الله مانح الزرع . اما زرعين في السريانية فتعني مزارعون ، وفلاحون . وسميت ايام الصليبيين ( الفرنجة ) باسم le petir gerin ، تمييزا لها عن جنين le grand gerin .
اما اول ذكر للقرية باسم زرعين، فقد جاء على لسان ياقوت الحموي. وقد وردت بالدفتر العثماني في القرن السادس عشر زرعون حيث كانت قرية صغيرة . وكان التاجر اللندني جزن ساندرسن قد قام برحلة في بداية القرن السابع عشر للميلاد ، وزار قرى عديدة في فلسطين كان من بينها زرعين، وذكر ان اسمها في ذلك الحين هو زرني .
وقد حمل سهل مرج ابن عامر اسم القرية لوقت طويل ، فالكنعانيون سموه باسم سهل يزرعيل نسبة الى بلدة يزرعيل / زرعين ، وتطلق الخرائط الاسرائيلية الحديثة على السهل تسمية عيمق يزراعيل الذي اختلف الباحثون في امتداده ، فمنهم من قال ان اسم جيزريل او اسدراليون لاحقا ، يطبق على هذه المنطقة من حيفا الى بيسان شرقا ، ومنهم من قال بان زرعين يطلق على السحل حتى بيسان ، ومنهم من يقول ان اسم زرعين كان يطلق على المنطقة المحيطة بالقرية ، وهذه الاخيرة هي الاكثر قبولا ، وقد عرفت في الفترة العربية الاسلامية ، ولا مشاحة في ان يكون اسم القرية بهذا اللفظ والدلالة ، فهي قرية من قرى المرج الكبير مرج ابن عامر المعمور بالزرع والزراعة منذ عرف الانسان هذه الارض واستوطنها . وكثيرة هي المسميات التي تستمد اسماءها من طبيعة مواقعها الجغرافية او التاريخية او الثقافية. .
تحديد الموقع :
تقع زرعين على خط عرض 33 : 32 وخط طول 20 : 35، وحسب الاحداثيات للخارطة الفلسطينية فهي تقع على خط 2182 شمال خط الاستواء و1819 شرق خط غرينتش ، ويبعد موقع زرعين 11 كم شمال شرق جنين ، و 4 كم جنوب شرق العفولة ، و 18 كم تقريبا شمال غرب بيسان .
وتتوسط زرعين مجموعة من قرى ومواقع تحدها من جهاتها الاربعة: فمن الشمال الشرقي نجد الناعورة وقومية وسولم ، ومن شمالها الغربي العفولة ، اما من الغرب فسهل سيلة الحارثية واليامون ، ومن الجنوب والجنوب الشرقي المقيبلة والمزار وصندلة ونورس ، ومن الشرق مستوطنة عين حارود ، وتقع بقعة عين جالوت / جالود في منتصف الطريق بين قريتي نورس وزرعين .
ويتصل مرج بن عامر مع غور الاردن بالطريق التجارية التي تمر بسهل زرعين ، وتبلغ مساحة وادي سهل زرعين الذي يصل مرج بن عامر بغور الاردن 65 كم مربعاً
وزرعين اخر اعمال جنين من الشمال ، ويشكل موقعها عقدة مواصلات حيوية في شمال فلسطين ، فمنذ عهد الرومان كانت الطريق الداخلية الجبلية من مصر الى الشام تمر عبر موقع زرعين موصلة بذلك جنين ببيسان ومنها الى دمشق . وقد مرت بالقرب من زرعين في العهد العثماني طرق رئيسية ، تصل احداها بحيفا والاخر يمر ببيسان . وقد تم تطوير خطوط المواصلات هذه زمن الانتداب البريطاني ، فغدا الطريق القادم من جنين يمر بالعفولة ـ الناصرة ـ حيفا . والطريق الى بيسان يذهب الى شرق الاردن عبر جسر الشيخ حسين ، والى طبريا ايضا ، كما وتم مد خط سكة حديد يمر باراضي زرعين الشمالية قادم من سوريا الى حيفا . وقد اقام الانجليز مطارا غربي القرية مساحته 997 دونما وتم استئجاره من اهل القرية ، بتاريخ 18/10/1940م لاغراض التدريب ابان الحرب العالمية الثانية . اما الاسرائيليون فقد شقوا في المنطقة ، وبعد تدمير القرية ، الخط السريع : طبريا ـ مرج ابن عامر ـ وادي عارة ـ الخضيرة ـ تل ابيب .
المساحة :
كان الفدان هو وحدة المساحة المعمول بها في زرعين حتى رحل منها اهلها . وبلغت مساحة اراضي زرعين العامة 85 فدانا اي ما يعادل 23920 دونما . منها 1711 دونما تسربت لليهود و 175 دونما للطرق والوديان وما اليها . اما مساحة مسطح القرية نفسها 81 دونما . وتاتي زرعين في الترتيب الخامس في قضاء جنين من حيث كبر المساحة حسب احصائيات الدباغ للقرى العشر الاولى في القضاء . وتبلغ نسبة مساحة اراضي زرعين الى اراضي سهل مرج ابن عامر 1 : 15 ، اي ما يعادل 7% من مجمل مساحة المرج.
أسماء أراضي القرية :
أرض زرعين واسعة ، ونتيجة هذا الاتساع كان اهلها قد توارثوا الاسماء التي اطلقعا الاباء على نواحيها لتمييزها ، واهم تلك الاراضي هي
أرض الجالود من الشرق ، ثم تليها الى الشمال الغربي ارض النيلة ، ثم جزيرة الحمام ، ومن الشمال ارض كارة وهي من اوسع اراضي القرية وبعيدة عن مركزها ، ثم تاتي ارض الكتوف ثم المصرارة ثم الربايعة ثم الوزرية ثم السباتي ثم المرج الغربي ثم المرج الشرقي ثم ذيبة ثم المصايات ثم وعرة الخيل ثم المحنية .
جيولوجية القرية :
يعود العمر الجيولوجي لاراضي مرج ابن عامر التي تشكل اراضي القرية الى عصر البليوسين قبل خمسة ملايين سنة ومن الحقبة الجيولوجية الثالثة . وتتكون اراضي القرية من حبات رملية خشنة في الاسفل تصبح اكثر نعومة في الاعلى . وقد اثر نظام الانهدام الافريقي الاسيوي الممتد من اثيوبيا في الجنوب ، ومرورا في غور نهر الاردن ، وانتهاءا بحدود تركيا في الشمال ، على تركيبة الطبيعة البنيوية للمنطقة واشكالها التضاريسية حيث نتج عنه صدوع عرضية وطولية محلية ، وقد بدأ هذا الانهدام منذ 180 مليون سنة في الحقبة الجيولوجية الثانية واستمر حتى عصر البليوسين .
تضاريس القرية :
تنتسب زرعين لمسطح سهل مرج ابن عامر ، الذي يسود فيه مظهر سهلي منبسط تعلوه بعض التلال الاصغيرة التي تقبع هليها خرب قديمة تدل على إعمار قديم للسهل ، ويعتبر التل الذي عليه زرعين احد اهم تلك الخرب التي استوطنها البشر منذ القدم وينحدر سطح السهل بصورة رئيسية باتجاه الشمال الغربي ، وينحدر قسمه الشرقي الاصغر جهة الشرق ـ الجنوب الشرقي . والمنطقة الفاصلة بين الانحدارين هي منطقة العفولة التي تؤلف خط تقسيم المياه بين غور الاردن ونهره في الشرق ، والبحر المتوسط في الغرب . وتسيل مياه الامطار والسيول والينابيع من هذه المنطقة في اودية صغيرة تتجمع لتشكل نهر جالود في الشرق ، وشبكة مياه نهر المقطع في الشمال الغربي ، وهما المصرفان لمياه السهل ، ويعد سهل مرج ابن عامر المعلم التضاريسي السائد في المنطقة . ويرسم حدوده من جهة قرية زرعين جبل فقوعة ، وقد استفادت المياه الجارية من السيول والانهار من ذلك ، فسالت على امتداده ووضعت على ارضه مجروفاتها ولحقياتها ، مما ادى الى ردم منطقة سهل مرج ابن عامر باللملحقات والطمي العائد للحقبة الجيولوجية الرابعة ، وجعلها تتميز بتربتها الخصبة ، ولما كانت نسبة المواد العضوية مرتفعة في الاجزاء الوسطى من السهل حيث توجد بعض المساحات الصخرية البركانية ـ الاندفاعية الاصل ، فان التربة التي تغطيها ضعيفة الانفاذ للمياه مما يكون بعض البرك والمستنقعات بعد هطول الامطار .
وتعتلي زرعين تلاً منبسطا لا يرتفع كثيرا عن اراضي مرج ابن عامر من جهاته الغربية والجنوبية ، بينما تنحدر اطرافه الشمالية والشرقية على وادي الجالود .
وتقع زرعين في نصف المضلع الشرقي لسهل مرج ابن عامر تقريبا الذي ينسدح في جهاتها الشمالية والغربية والجنوبية ، وفي الافق يقابل زرعين في الغرب سلسلة جبال الكرمل وبوابة البحر المتوسط عند حيفا ، ومن الشمال يقابلها جبال الجليل الادنى ( الناصرة ـ جبل الدحي ـ جبل الطابور ) ، ومن الجنوب يقابلها سلسلة الهضاب الجبلية التي تشكل الجزء الشمالي من جبال فلسطين الوسطى ( جبال نابلس ـ وجنين ـ وفقوعة ) ، اما من الشرق فيقابلها غور بيسان فغور الاردن وبحيرة طبريا ، ويصفها الرحالة روبنسون : ( انها تحتل موقعا جبليا مقارنة بالمسطح الجغرافي الذي يحيطها مما اكسبها منظرا خلابا ) ، وهي بهذا ترتفع عن سطح الارض من 75 ـ 100 متر .
المناخ :
ينصبغ المناخ في زرعين بمناخ سهل مرج ابن عامر ، وهنا لا تختلف الاوضاع المناخية السائدة في سهل مرج ابن عامر عن الاوضاع المناخية للمناخ المتوسطي في شمال فلسطين ، ولكن للسهل بعض الخصائص المميزة نتيجة الموقع والاوضاع التضاريسية ، فهو قليل الارتفاع عن سطح البحر ، اذ تقع اجزاؤه دون 100م ، ويقع وسط ممر طبيعي مفتوح بين المتوسط وغور الاردن ، ولهذا صلة واضحة بوصول المؤثرات المناخية المميزة لكل من مجال البحر المتوسط وغور الاردن .
ويشاهد في الخطوط المتساوية للحرارة والامطار والتبخر وبقية العناصر المناخية ، انحناءات والسنة ترسم جيوبا تمتد على محور السهل ( الشمالي الغربي ـ الجنوبي الشرقي ) ، وتتقدم وتتراجع حسب سيطرة الاوضاع الجوية المتوسطية او الاوضاع القارية الداخلية . فبالنسبة الى خطوط الحرارة المتساوية يلاحظ بوضوح التاثير القادم من الداخل والغور في المعدلات السنوية الصيفية ، ويتراجع هذا التاثير في الشتاء . ويعود هذا الامر فيتكرر بوضوح اشد في خطوط الامطار السنوية المتساوية ، إذ يسود تاثير الاوضاع المطرية المعروفة في شرق فلسطين وسفوح جبالها المطلة على غور الاردن ، ويندس هذا التاثير بلسان متجه نحو اطراف سهل مرج ابن عامر الشمالية الغربية . ولجبل الكرمل ذي المحور ( الشمالي الغربي ـ الجنوبي الشرقي ) تاثير فعال في توجيه حركة المؤثرات المناخية ، اذ تقوم بدور الحاجز الذي يعيق وصول التيارات الهوائية ، والغيوم والرياح القادمة من الغرب والجنوب الغربي . وهكذا يصبح المجال مفتوحا لتوغل المؤثرات الداخلية القارية باتجاه السهل ، وتتراوح درجات الحرارة السنوية المتوسطة للسهل بين 19 ـ 21 درجة ، لترتفع في صيف الى 26 ـ 28 درجة ، وتنخفض في الشتاء الى 10 ـ 12 درجة . وما متوسط سقوط الامطار السنوية فهو 300 ـ 550 مم بين شرق السهل وغربه .
العيون والآبار :
تتوفر مياه الينابيع في القرية وحولها كما عليه الحال في بقية نواحي المرج ، ان لم تكن هي من اوفر المواقع في ذلك . واهم العيون والسيول في القرية او المحيطة بها :-
1. نهر الجالود : يخرج من مغارة شرقي زرعين ماراً بـ ( بيسان ) وغورها ويلتقي مع الاردن مقابل زقلاب عند خربة محمد البكر المنخفضة 244م عن سطح البحر . ماراً بالقرب من عين حارود ، تل يوسف ، شطة ، بيسان ، يبلغ طوله 15كم ، ويتراوح عرضه بين 3 ـ 4 أمتار .
2. عين الميتة : وهي من اكثر المواقع شهرة ، كعين جارية . تقع على مسافة 2 كم شمال القرية . وتعتمد زرعين في استهلاك الماء عليها سواء في الشرب او الاحتياجات البيتية حيث كان الناس ينقلون الماء الى بيوتهم بواسطة القطاريز او الحيوانات ، او لري المحاصيل الزراعية ، كما انها كانت مورد السقي الرئيسي لقطعان الماشية التي كانت تخيم في زرعين في مواسم الرعي . وقد استقطبت هذه العين الكثير من المزارعين وارعاة من قرى ومناطق قريبة وبعيدة .
ويصف الرحالة روبنسون الذي زار المنطقة في القرن التاسع عشر هذه العين وتطور استخدامها بالقول : ( غادرنا زرعين صباحا واتجهنا شرقا الى ينبوع في اسفل القرية ، ووصلنا خلال 20 دقيقة مارين بمنحدر حاد ووعر ، وكانت المياه عذبة تندفع من ينبوع كبير ، وتنساب كخيوط من عدة اماكن لتشكل مجمع مياه صغير ، لقد قبل لنا بان هذا الينبوع كان في الماضي يجف طوال فصل الصيف . وقد قام السيد حسين عبد الهادي ، بحفر الينبوع الى عمق بحيث اصبح الماء يندفع بقوة واحاطه ببناء ليجعللا المياه تنساب باستمرار ، وبناء عليه اصبح الينبوع يحمل اسم " عين الميتة " لكونه كان جافا ثم احيي من جديد ) .
3. بئر سويد : يقع في وسط القرية ، وكان نبعه قويا ، تسيل مياهه في المرج محدثة اوحالا في طرقات القرية معيقة بذلك حركة الحراثين والفلاحين في ذهابهم وايابهم ، مما دعاهم الى سد بابها بخشبة كبيرة ضغطت ضغطا محكما لتخفيف سيله وتغيير مجرى اندفاعه .
4. بئر الحاج حيدر : وهو نبع قليل الاستخدام .