زرعين في اطارها التاريخي
العهد الكنعاني :
يعتبر شمال فلسطين من اقدم البقاع التي استوطنها الانسان منذ حقب بالغة القدم . والذي تواصل لدينا ان زرعين قائمة على بقعة يزراعيل الكنعانية التي استوطنها العبرانيون لاحقا ، واحتفظوا باسمها الكنعاني يزراعيل .
الكنعانيون :
الكنعانيون عرب ساميون نزحوا إلى فلسطين من شبه الجزيرة العربية ، وذلك في حوالي 3500 ق.م. وهم أقدم الشعوب السامية التي سكنت فلسطين. ومنهم أخذت فلسطين اسمها فصارت تعرف باسم أرض كنعان. وقد اختيرت مدينة نابلس عاصمة بلاد كنعان لموقعها المتوسط من فلسطين.
لقد سكن الكنعانيون فلسطين قبل ميلاد المسيح بحوالي 3500 عام ، وقبل دخول العبرانيين إليها حوالي عام 1189 ق.م.. وقد بنى اليبوسيون، وهم بطن من الكنعانيين أسلاف العرب الساميين مدينة القدس وسموها أور ـ سالم ؛ أي مدينة السلام.
وبقيت سيادة الكنعانيين في فلسطين بين حوالي 3500- 1000ق.م. وفي أثناء هذه السيادة، هاجر إبراهيم الخليل عليه السلام من العراق إلى الشام واستقر في ( نابلس) ثم انتقل إلى بئر السبع في أقصى جنوب فلسطين حيث ولد له إسماعيل عليه السلام ، ثم نزح إلى مكة وعاد منها إلى فلسطين حيث رزق بولده الثاني إسحاق عليه السلام. وهو والد يعقوب عليه السلام الملقب بإسرائيل، والذي هاجر هو وبنوه إلى مصر بدعوة من ابنه يوسف عليه السلام ، الذي أصبح أمينًا على خزائنها . وكان ذلك في عام 1656ق.م.
العهد الاسرائيلي :
كما ذكرنا سابقا ان يزراعيل كنعانية ثم استوطنها العبرانيون فيما بعد ، واكتسبت زرعين صفة مدينة في القرن التاسع قبل الميلاد حيث اصبحت العاصمة الشتوية لمملكة العبرانيين الشمالية ، كما دار في نطاقها مناوشات ومعارك .وتذكر بعض المصادر ان اول ملوك العبرانيين شاؤول خيم في يزراعيل تجهيزا للقائه الفلسطينيين في معركة جلبوع ، وحدثت فيها قصة كيرم نبوت الازراعيلي التي لها علاقة بكل من اخاب ، نبوت ، ايزبل ، النبي الياهو . وخربت هذه المدينة على يد تجلات فلايسر ملك اشور عام 722 ق . م .
في العصور القديمة المتتالية :
يبدو وان زرعين ، وبعد تدمير الاشوريين لها عادت وعمرت من جديد في العصر الهيليني والروماني حيث اصبحت تدعى اسدراليون esdraeleaوهي الترجمة اليونانية لجزريل . وقد اكتشف في المكان مقاطع صخرية قديمة ، وكهوف وقبور من العصر الروماني ، واثار لكنيسة من العصر البيزنطي .
في سنة 333م مر على ذكرها سائح مجهول من مدينة بوردو الفرنسية ، وحدد ستراديلا Stradela المسافة بعشرة اميال من ماكسيميانوبولس ( ليغو / لجون ، قرب مجدو ) وباثني عشر ميلا من سكايثوبولس ( بيت شان / بيسان ) . اما اسيبيوسEusebius فكتب في القرن الرابع قبل الميلاد : جزريل تشبه القرية الكبيرة المسماة اسدراليون ، وحددت بين ليغو ( لجون ) وبيسان .
عهد صدر الاسلام :
كان موقع زرعين ملاصقا لعاصمة جند الاردن بيسان التي كانت مهدا ومقاما للفاتحين ، فهناك تقليد اسلامي معروف ، يتعلق بالهجرة والاقامة في بلاد الشام بالتخصيص ، حسب وصية الرسول صلى الله عليه وسلم . ولذا كانت نواحي زرعين كغيرها من البقاع الشامية مليئة باصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم . فهذا جبل الدحي الواقع شمال شرق زرعين ، دعي بذلك نسبة الى الصحابي الجليل دحية الكلبي المدفون فيه وقد توفي عام 45هـ - 665م ، وهو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة الى قيصر الروم يدعوه للاسلام ، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة ، شهد كثيرا من الوقائع ، كما شهد معركة اليرموك . اما سهل مرج ابن عامر الذي تعتبر زرعين جزءا منه ، دعي بهذا الاسم نسبة الى بني عامر ، من بني كلب الذين نزلوه في اوائل الفتح الاسلامي .
العهد الصليبي :
تعتبر منطقة حوض نهر الاردن الشمالي ، وبحيرة طبريا احدى مسارح الاحتكاك ونقاط التماس الساخنة بين المعسكر الصليبي والمعسكر الاسلامي ، فوقعت زرعين في ايدي الافرنج وغيرها من ضواحي جنين وذكرتها مصادرهم باسم Le petit gerin أو Parvum Gerinum تمييزا لها عن جنين Le grand gerin . وفي عام 1172م يذكر ثيودريك : ان عددا من الخرائب في هذه المدينة لا زالت قائمة ، وكذلك ركاما هرميا يدعى جزبل . وفي عام 1137م اشار بيتر الديكون الى جزريل واعلمنا انه : لم يبق في جزريل اي اثر من كرم نابوث الا البئر وامامات البرج .
في عام 580هـ - 1184م اغار جند صلاح الدين الايوبي على جنين فنقبوا قلعتها حتى وقعت ، وقتل تحتها عدد من الناقبين ورحلوا عن جنين في ليلتهم الى زرعين وعين جالوت واحرقوهما ، وكانت زرعين مع غيرها من المواقع الحدودية كطبريا وبيسان هدفا لمناوشات صلاح الدين التسخينية ضد الوجود الصليبي في بلاد الشام ، وفي احدى تلك المناورات نزل صلاح الدين الايوبي بالقرب من زرعين على عين جالوت عام 579هـ - 1183م وهو في احدى سفراته لتفقد جنوده في بلاد الشام ، وفي احدى جولاته التسخينية التي سجلت للمعسكر الاسلامي كانت في سهل زرعين الذي شهد حشدا صليبيا بادر اليه وقاده غي دي لوزيان ، حيث جمع قوات المملكة كلها من امراء صيدا وقيسارية وابلين وتبنين وطرابلس والكرك ، وتقدم الاستبارية فاحتشدوا جميعا في صفورية ، ثم توجهوا الى سهل زرعين . وقد غادر صلاح الدين دمشق في ايلول 1183م ووصلت جيوشه الى اليرموك حيث انقسمت الى فيلقين احدهما الى بيسان والاخر الى بحيرة طبريا ، ومد صلاح الدين اجنحة جيشه حتى كادت تطوق الافرنج .
ولم تمض ايام حتى بدأ الجوع يفتك بهم لقلة الاقوات . وحاول صلاح الدين مرة بعد مرة دفعهم للقتال فاتخذوا خطة الدفاع حتى مل الانتظار ، فانسحب الى ما وراء الاردن في 7 / تشرين الاول / 1183م . لكن هذه المعركة الصامتة برهنت على ان صلاح الدين قد بلغ في تلك الفترة الذروة فلم يعد في المنطقة من هو اقوى منه . في حطين تم تحرير زرعين مع غيرها من الحصون المغتصبة كدبورية زالطور ( جبل طابور ) واللجون وبيسان ... بعد الحرب مباشرة في عام 583هـ - 1187م على يد حسام الدين عمر بن محمد بن لاجين ابن اخي صلاح الدين .
العهد المملوكي :
سجلت جنين وزرعين في العهد المملوكي في عام 652هـ - 1254م من اقطاعات الظاهر بيبرس ، قبل ان يصبح سلطانا مملوكيا ، اقطعه اياها الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام بناء على طلبه . وشهدت زرعين الواقعة العظيمة على مرمى الحجر منها ، ففي سنة 658هـ - 1260م هزم المسلمون تحت القيادة المملوكية ، قطز والظاهر بيبرس ، الزحف المغولي الذي كان قد وصل بلاد الشام ، في معركة حاسمة هي عين جالوت التي وقعت بالقرب من نبع عين جالوت او جالود التي تقع في منتصف الطريق بين زرعين وقرية نورس ، وانقذت هذه المعركة المشرق الاسلامي كله ، كما سجلت اول هزيمة للمغول .
وفي عام 1263م لم تنجح مفاوضات الفرنجة مع السلطان بيبرس بالرجوع الى زرعين ، وفي عام 1283م عادت زرعين كقرية فيها 20 ـ 30 بيتا .
واصلح الظاهر بيبرس جامع زرعين ضمن الاصلاحات العمرانية التي شملت اماكن واسعة من فلسطين ، واستخدمت زرعين زمن المماليك كمحطة من محطات البريد الواصلة بين مصر والشام ، فكان خطها يمر ابتداء من فحمة فجنين فزرعين فعين جالوت ، فبيسان والمجامع فشرق الاردن ثم الكسوة ومنها الى دمشق .
العهد العثماني :
وقعت زرعين منذ 1517م مثلها مثل محيطها في المشرق العربي ، تحت نفوذ الاتراك العثمانيين وحكمهم . واعتبرت زرعين في سنة 945هـ - 1538م قرية من قرى ناحية مرج بني عامر ، وبلغ عدد سكانها آنذاك 45 نفراً . وفي عام 1005هـ - 1596م ، يبدو ان الموقع كان قد تعرض لظروف متغيرة ، فقد بلغ عدد الاسر الساكنة زرعين آنذاك اربعاً فقط ، بما تقدره بعض المصادر 22 نسمة .
وقد بين " دفتر مفصل لواء اللجون " ، ان مرج بني كان مسكوناً يومها بالعربان الذين بلغت طوائفهم 27 جماعة ، سميت كل جماعة باسم شيخها ، ولعلنا نجد في هذا تفسيرا لزيادة او نقصان قاطني موقع زرعين .
يبتديء القرن السابع عشر للميلاد برحلة التاجر اللندني جون ساندرسن الى فلسطين في صيف 1601م ، وذلك ابان زيارته الثالثة لبلاد المشرق التي بدأت اولاها عام 1584م الى استانبول . وقد مر في 24 / حزيران / 1601م على مجموعة قرى واماكن شمال فلسطين . فبعد ان مر الى يمين احد فرعي نهر قيسون ـ أقيشون ( المقطع ) ، سار الى قرية ذكر اسمها زرني وهي زرعين حاليا ، ووصل بعد ذلك الى جنين .
أثناء الحملة الفرنسية على فلسطين :
مر في افق زرعين غزاة وفاتحون ، وكان من بين هؤلاء نابليون بونابرت ، الذي قام بسلب ونهب جنين اثناء حملته على عكا ، كما ان الجيش النابليوني مر عام 1799م بمرج ابن عامر وقاتل جيشا عثمانيا على مقربة من جبل طابور ، ثم اطبق على عكا محاصرا لها ، وفي اثناء حصار عكا اوكلت للجنرال كليبر حماية جبهة مرج ابن عامر من هجوم محتمل من الشرق ، وقد جاء هذا الهجوم بالفعل باجتماع زهاء 30 ألف مقاتل انتهوا من دمشق الى السهل ، وقد استدرجوا كليبر بقواته التي لا تزيد على 1500 جندي ، حتى وصل الى جبل الطور ( طابور ) ثم عادوا يطبقون عليه . ولكن الخبر وصل بسرعة الى نابليون الذي انجده على الفور وانقذه بهجومه المفاجيء ، وفر العثمانيون يوم 16 / 4 / 1799م . وكسب نابليون المزيد من عداء المنطقة حيث بعث جنده بعد المعركة فنهبوا جنين واحرقوها .
ويؤكد المعلومات اعلاه جاكوتان رسام خرائط الحملة الفرنسية ، وتعتبر خريطته اول خريطة علمية لفلسطين ، رغم بعض الاخطاء التي شابتها وقد ابرزت خط سير الحملة وسجلت عليها المواقع التي حدثت فيها معارك واشتباكات . واثبت جاكوتان في خريطته ذكر اربع معارك حدثت في محور قرية زرعين هي :
1. معركة جنين التي وقعت يوم 16 / نيسان / 1799م وكانت بقيادة الجنرال فال .
2. وفي اليوم ذاته وقع اشتباك في نفس موقع قرية زرعين وجوارها ، بقيادة قائد الحملة نفسه نابليون بونابرت .
3. وفي نفس اليوم ايضاً ( كانت خطط الجيش الفرنسي تعتمد على التوزع والانتشار والمناورة في عدة محاور ) ، وقعت موقعة الى الشرق من زرعين في غور بيسان بقيادة الجنرال كليبر .
4. يوم 17 / نيسان / 1799م كانت موقعة خان عيون التجار ( قرب السفح الشرقي لجبل طابور ) . وهذا هو الموقع الذي خيم فيه كليبر مدة تزيد على الشهر .
غير ان خريطة جاكوتان الاولية تظهر عدم دقة في تحديد موقع زرعين مقارنة بما هي عليه اليوم في الخرائط العلمية . ومما يلفت النظر انه نقل اسم زرعين الى الفرنسية بلفظ ( ززين ـ Zizin ) .
يعتبر باكنغهام عام 1822م اول رحالة جدير بالذكر زار زرعين في القرن التاسع عشر ، وقد اشار الى بناية عالية حديثة في المركز وحوالي 50 منزلا ، ولاحظ وجود توابيت حجرية منحوتة ، وزار روبنسون الموقع عام 1838م ويكون بهذا اول مبعوث في الاوقات الحديثة لتعيين تطابق زرعين بجزريل القديمة . وقد وصل شوارز في عام 1850م ، للاستنتاج نفسه .
ما بعد فترة الحكم المصري ، وزرعين الحديثة :
يبدو ان زرعين المزدهرة نسبيا , كما تحدث باكنغهام في عام 1822م , كانت قد تغيرت احوالها مع دخول فلسطين الحقبة المصرية ( 1831م _ 1840م ) , ويبدو انه اعيد استيطان موقع زرعين من قبل المصريين ، وبعض السكان المحليين في اعقاب انتهاء الحكم المصري . فلما هاجم جيش ابراهيم باشا بلاد الشام عام 1831م ، سلكت بعض فرق الجيش البري طريق مرج ابن عامر ومرت على قرى المرج كزرعين وغيرها ، وتابعت طريقها الى عكا .
كان اقليم جنوب بلاد الشام ( فلسطين ) ، على علاقة عضوية بمصر كمجال حيوي سياسيا واقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا وبشريا ، منذ عصور وحقب بالغة بالقدم ، واصبحت جزءا محوريا في التكوين الجغرافي / التاريخي لمصر وبلاد الشام ، وخاصة في العهود الاسلامية المتعاقبة . وكما ان لكل حقبة خصوصيتها ، فان حقبة دخول بلاد الشام تحت الحكم المصري ( 1831م _ 1840م ) مع غيرها من الاسباب المحلية والدولية قد احدثت خلخلة واعادة للتوازنات في بنى المجتمع المحلي من جهة ، واعادة لصياغة علاقة المجتمع بالدولة . من جهة اخرى اذ وجدنا نظام الملل يتحول الى طائفية سياسية بعد هذه الحقبة في سوريا ولبنان ، وفي فلسطين اخذت شكل بروز الدور العائلي وتنفذه السياسي والاقتصادي . وقد ظهرت شخصية هامة في منطقة جنين ، كان لها تاثير فعال في محور القدس ـ صفد حتى لقد غدت الشخصية السياسية الاولى في فلسطين آنذاك ، وهذه الشخصية هي الشيخ حسين عبد الهادي وهو ابن عبد الهادي ابو بكر شيخ قرية عرابة الذي نسبت هذه العائلة الى اسمه.
وكان من بين نتائج تلك الحقبة احداث بعض التغيرات في البناء السكاني ، فمما تتفق روايات اهل زرعين عليه ، ان اساس تشكل القرية الحديث يعود لفترة الحكم المصري هذه ، وان نواة سكانه هم من المصريين الذين استوطنوها في القرن التاسع عشر ، الا ان هناك اختلافا في الروايات حول الكيفية التي تم فيها القدوم ، واستيطان القرية . فمنهم من يقول ان نفرا من 4_5 اشخاص من الذين كانوا مع حملة ابراهيم باشا جاؤا سهل زرعين وسكنوا في التلة الاثرية التي اعيد بناء القرية عليها حيث بنوا بيوتا من طين وحجر وتناسلوا وتكاثروا , وهناك من يقول ان احد عساكر ابراهيم باشا رفض العودة الى مصر عام 1840م عندما انسحب المصريون , وفضل الاقامة في القرية حيث تزوج وانجب اطفالا . وهكذا نشات القرية وتوسعت وكثر عدد سكانها , ويقول البعض انه حين غادر ابراهيم باشا فلسطين كان هناك نفر من الجنود من 4_5 اشخاص قد اختبؤا في ميناء عكا , وبعد ذلك ساروا حتى وصلوا موقع زرعين الذي كان مهجوراً وغير مسكون انذاك .
في عام 1856م وصف الرحالة روبنسون قرية زرعين بالقول : في وقتنا الحاضر تضم قرية زرعين اكثر من عشرين منزلا ، ولكن في معظمها في وضع منهار وخرب ، ويشمل المكان على عدد محدود من السكان . ان العلامة المميزة لاثار القرية هو فسيفساء تتخللها رسومات واعمال مزخرفة ، تلك التي تقع على الشمال من مدخل القرية ، وهناك رحالة اخرون تحدثوا عن وجود زخارف واعمال فنية في مواقع اخرى من القرية .
وفي عام 1870م زار زرعين كوندر وكتشنر ومسحا الموقع . وهما يحدثاننا عن زرعين الحديثة التي كانت اخذة بالتشكل آنذاك : في ذلك الوقت ظهرت زرعين قرية فقيرة تحتوي على 20 ـ 30 بيتا مع البرج ( العلية ) الذي كان بيت شيخ القرية الظاهر في مركزها .
وفي اواخر القرن التاسع عشر ضمت زرعين 32 منزلا ، ويصادفنا هنا ايضا وصف الكاتب الانجليزي لورنس اوليفنت الذي عاش في قرى مرج ابن عامر وعرف دساكره ، في اواخر القرن التاسع عشر ، اذ يقول : قد يدهش القراء ان يعلموا ان كل فدان من مرج ابن عامر يزرع خير زراعة ، وان الامن يسود نواحيه كلها ، حيثما توجه المتوجه وقصد ، وانا بذلك كله اشاهد وها هو اليوم امامي ، بحيرة خضراء يتماوج قمحها ، حول قرى ودساكر ناهضة كالجزائر ، فوق هضبة مستقرة امنة ، صورة للخصب والبحبوحة باهرة ، ومعظمه ملك اثنين السلطان والسراسقة ( الصيارفة المقيمين في بيروت ) . وان نفقات نقل الحبوب الحاصلة من مواسم السنة الماضية ، الى حيفا وعكا ، بلغت 50000 ريال كما قال سرسق نفسه ، وهذا عن اراضي السراسقة وحدهم : وملك سرسق ( صاحب بنك في بيروت) ، نحو 70 ميلا مربعا من افضل اراضي فلسطين ، قيل انه دفع ثمنها 18000 ليرة عثمانية . فسرسق يملك 20 قرية عدد سكانها 4000 نسمة ، وقيل ان دخله السنوي منها 20000 ليرة انجليزية ، وقيل ايضا انه يبلغ 40000 ليرة انجليزية ، وسنة 1910م باع سرسق العفولة لليهود بمبلغ 20 الف ليرة فرنساوية . ولما باع آل سرسق اراضيهم في مرج ابن عامر لليهود ابان الحكم البريطاني تشرد نتيجة لذلك 2742 عائلة .
وازدادت قيمة اراضي مرج ابن عامر فيما بعد نتيجة لوجود خط السكة الحديدية التي تخترق السهل ، وقد ادى ذلك الى تحفيض تكاليف نقل المحاصيل . ونتيجة لذلك ارتفعت اسعار الاراضي في المنتطق المجاورة ثلاثة اضعاف . وحتى يزيد السراسقة قيمة اراضيهم كلفوا المهندس الالماني شوماخر عام 1871م ، بدراسة تضاريس وطبيعة المنطقة ، حيث كان في نيتهم انشاء طريق معبد الى حيفا ، الا ان ذلك لم يتم ، فتابعوا جهودهم لدى الحكومة العثمانية ، فحصلوا عام 1882م على امتياز لمد خط حديدي من عكا الى حيفا الى دمشق يخترق اراضيهم ، وبدأ المهندسون الالمان بعمليات اجراء المسح لهذا الخط الذي كان من المقرر ان يخترق وسط السهل ، ودر المشروع على عائلة سرسق خلال تلك الفترة الربح الوفير وغير وجه مرج ابن عامر ، وفي سنة 1882م اصبح الجزء الشرقي من مرج ابن عامر والغور الشمالي ملكا خاصا له . واهتم السلطان شخصيا اهتماما واضحا ببناء الخط الحديدي المشار اليه لخفض نفقات الحبوب .
قدمت زرعين كغيرها من القرى الفلسطينية والشامية ، الكثير من شبابها للانخراط في الجيش العثماني الذي خاض حروبا كثيرة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ولما اشتعلت الحرب العالمية الاولى ، طلبت الدولة العثمانية من شتى اقاليمها التجنيد والالتحاق بالجيش ، وقد تجند الكثيرون من ابناء زرعين ، ومما يؤكد تلك الكثرة استشهاد عشرة رجال منها في تلك الحرب .
عهد الانتداب :
قام الجنرال اللنبي بهجومه الكبير على الجبهة العثمانية في 19 / 9 / 1918م ، واستمر في تقدمه فتمكنت قواته يوم 20 / 9 / 1918م من عبور مضايق مجدو ودخول مرج ابن عامر ، والتقدم نحو سهل زرعين وغور بيسان ، ففي صباح اليوم المذكور استولت الخيالة البريطانية على العفولة ، وفي مسائه دخلت بيسان .
وزار مفتشا دائرة الاثار ج.اوري و س.ا.س حسيني ، زرعين زيارتين : الاولى كانت في كانون الثاني 1923م ، والاخيرة كانت في اب 1941م . وكتبا تقارير وصفية عن الكنيسة ( اي اثار الكنيسة القروسطية الموجودة في القرية ) ، ومنذ عام 1941م نفذ زوري خطته في اكمال المسوحات والدراسات عن المنطقة التي تتضمن عين جزريل وتل جزريل ، ووصف المواقع ونشر عدة مكتشفات .