سلمى صبحي الخضراء الجيوسي (1926 - 20 نيسانأبريل 2023)، هي أديبة وشاعرة وناقدة ومترجمة أكاديمية (2)
سلمى الخضراء الجيوسي.. كاتبة وأكاديمية ومترجمة فلسطينية
آخر تحديث: 1/5/202302:12 م (بتوقيت مكة المكرمة)
الشاعرة والناقدة الفلسطينية الراحلة سلمى الخضراء الجيوسي (الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية)
أديبة وشاعرة وناقدة وأكاديمية فلسطينية ولدت في الأردن عام 1928. حررت أعمالا موسوعية وقدمت الأدب والحضارة العربية الإسلامية بصورتهما المشرقة إلى الناطقين باللغة الإنجليزية. حازت العديد من الجوائز والأوسمة، وتوفيت عام 2023.
كانت سلمى الخضراء الجيوسي من النقاد الأوائل الذين رحبوا بالشعر الحر، ودعت للمحافظة على التراث والأصالة، وقامت بحركة ترجمة واسعة لكتب الأدب والتراث والفكر العربي الإسلامي عبر مشروعيها "بروتا" و"رابطة الشرق والغرب".
المولد والنشأة
ولدت سلمى الخضراء الجيوسي في 16 أبريل/نيسان 1928، في مدينة السلط بالأردن، وكانت الطفلة الأولى لأب فلسطيني وأم درزية لبنانية.
وكان والدها صبحي سعيد الخضراء أحد أعيان فلسطين، ينحدر من مدينة صفد الفلسطينية، وكان عسكريا وسياسيا ومحاميا لامعا، كما كان واسع الثقافة محبا للعلم ومناضلا وطنيا صلبا.
وهو أحد مؤسسي حزب الاستقلال، وحارب الاحتلال البريطاني، وناضل للدفاع عن الأراضي العربية ومنع تسربها إلى أيدي المؤسسات الصهيونية.
إعلان
ووالدتها أنيسة سليم كانت من أرفع بنات جيلها علما ومعرفة، كانت مجيدة للغة الإنجليزية وشغوفة بقراءة الأدب الإنجليزي، وكانت تروي لابنتها أحداث الماضي، وتحدثها عن جدها يوسف سليم وبراعته في الطب وعطائه الإنساني.
ونشأت سلمى الجيوسي في حي البقعة في القدس الغربية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مدينة عكا، وقد تربت على الحرية التي أتاحها لها والداها، والثقة التي منحاها إياها، ما جعلها قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها من دون قيود.
وقد مرت طفولتها في ظل ظروف سياسية قاسية، وكان نشاط والدها النضالي وتعرضه للاعتقال من قبل الاحتلال الإنجليزي، يجعلها دائمة التوتر والقلق من فقدانه، وكانت الأكبر بين 4 أخوة: 3 فتيات وأخ هو الأصغر، ما حمّل كاهلها مسؤوليات إضافية منذ صباها.
وهذا المناخ الذي عاشته والإصرار والتصميم الذي ورثته عن والدها، خلق عندها عزيمة على الإنجاز والمثابرة، وبث فيها روحا نضالية واهتماما بتراث وحاضر الأمة ومصيرها، فكانت منذ صباها قادرة على القيادة والتوجيه وتحمل المسؤولية، حتى إنها كانت تقود المظاهرات وهي في الثامنة من عمرها.
الزواج
تزوجت سلمى الخضراء عام 1946 من برهان الجيوسي، زميلها في الجامعة بقسم العلوم السياسية، وهو أردني من أصل فلسطيني، وكان ثمرة زواجهما 3 أولاد: أسامة ولينا ومي.
إعلان
وكان زوجها دبلوماسيا بدأ عمله في القنصلية الأردنية بالقدس حتى سنة 1947، ثم انتقل مع أسرته إلى الأردن، ولكنه لم يستقر فيها، إذ شملت تنقلاته العديد من المدن العربية والغربية؛ كروما ومدريد وبغداد وبيروت ولندن وبون.
هذا الانتقال في أرجاء متباينة من العالم، أتاح لسلمى التعرف على حضارات وثقافات ولغات مختلفة، مما وسّع أفقها المعرفي وزاد وعيها بالإرث الثقافي الإنساني.
الدراسة والتكوين العلمي
درست الابتدائية في مدرسة "المأمونية" بالقدس، ثم في المدرسة الحكومية بعكا، وعرفت منذ صغرها بحدة الذكاء.
وكان محيطها مشجعا لها في تحصيلها الثقافي خارج إطار المدرسة، فكبرت وهي تعشق الأدب وتقرأ الروايات، وصرحت أن مكتبة والدها الكبيرة كانت طريقها إلى العلم والمعرفة.
ولما لم تكن في عكا مدرسة ثانوية للبنات؛ اضطر والدها إلى إرسالها إلى كلية "شميدت" الألمانية الداخلية للبنات بالقدس، فكان هذا دافعا لها للإقبال على دروسها بمثابرة.
وكان والدها إذ ذاك مسجونا، ويستدين ليتمكن من الإنفاق على تعليمها وإخوتها.
إعلان
وانتقلت الخضراء بعد انتهائها من المرحلة الثانوية إلى بيروت، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في اللغات والأدب العربي والإنجليزي.
ورغم زواجها قبل إتمام دراساتها العليا، وكونها أما لـ3 أطفال كانوا على أعتاب الجامعة حين قررت العودة إلى مقاعد الدراسة؛ لم تنس وصية والدها الأخيرة لها بإكمال مسيرتها التعليمية، فالتحقت بجامعة لندن.
وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي، من "مدرسة العلوم الشرقية والأفريقية" (SOAS) عام 1970، وكانت أطروحتها "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث"، بداية مسارها نحو الاهتمام بمنهجية دراسة الأدب.
ثم حصلت على عدة زمالات دراسية لإنجاز مشاريع محددة مثل: زمالة من جامعة مشيغان، وزمالة الفولبرايت في سوريا والأردن وفلسطين.
وبدأت سلمى حياتها العملية في مجال التعليم، فبعد حصولها على شهادة البكالوريوس عادت إلى القدس وبدأت بالتدريس في "كلية دار المعلمات"، لكنها اضطرت إلى ترك مهنتها عند انتقال الأسرة للإقامة في الأردن عام 1948.
إعلان
التجربة الشعرية
برزت موهبة سلمى الخضراء الشعرية في سن مبكرة، فكتبت أول قصيدة وهي في العاشرة من عمرها، إلا أن والدها نصحها بألا تكتب الشعر إلا بعد أن تتعلم العربية وتتقن دراسة مناهج الشعر وضوابطه.
وعند انتقالها إلى بغداد في الخمسينيات من القرن الـ20 كانت حركة الشعر في ازدهار، وكانت بغداد عاصمة الشعر العربي آنذاك، فاندمجت الجيوسي في المشهد الأدبي، والتقت نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وكانا مصدر إلهام عميق لأعمالها.
سلمى الخضراء الجيوسي في مؤتمر الترجمة الأول بالدوحة (الجزيرة)
ولكن العائلة عادت إلى عمان بعد ثورة 1958 في العراق، ثم استقرت مطلع الستينيات في بيروت، حيث التقت سلمى عددا من الشعراء والكتّاب أمثال أدونيس وفؤاد رفقة ويوسف الخال ومحمد الماغوط وشوقي أبو شقرة وغيرهم، وانغمست في جو يسوده الأدب والثقافة.
وكانت تحضر أمسيات الخميس الأسبوعية التي تعقدها مجلة "شعر"، والتي كانت جلساتها مكرسة للشعر، بالإضافة إلى قضايا الحرية والحداثة، بعيدا كل البعد عن السياسة وموضوعاتها.
وكان الجدل في تلك الفترة محتدما، بين أنصار المحافظة على التراث الأدبي العربي مع تشجيع التجديد في الشعر، وأنصار أدب وشعر الحداثة والفكر، الذي يرمي إلى ترك القيم الأدبية الموروثة.
وقد شاركت سلمى في الحوارات الدائرة، ونشرت آراءها في كل من مجلة "الآداب" التي حملت لواء الأصالة والتراث، ومجلة "شعر" التي حملت لواء الحداثة.
وكانت تحب التراث الأدبي العربي وتبجّله وتقدر ثراءه رغم انضمامها إلى حركة الحداثة، فلم ترفض الشعر الحر بل كتبت بإيجابية حوله. وكانت من النقاد الأوائل الذين رحبوا به ودافعوا عنه، وعدّته نوعا يثري بحور الشعر العربي.
إعلان
ورأت الجيوسي أن الانتقال إلى الحداثة لا يعني نسخ التراث ونسيانه، ولكنها رفضت أن يكون شعر التفعيلة آخر التطورات الممكنة، وقالت "إن هذا الشكل سيصبح يوما شكلا قديما لأن كل شيء يتغير".
أصدرت عام 1960 مجموعتها الشعرية الأولى "العودة من النبع الحالم"، كما ترجمت في هذه الفترة أعمالا مختلفة من الإنجليزية إلى العربية، منها كتاب لويز بوغان "إنجازات الشعر الأميركي في نصف قرن"، وكتاب رالف بيري "إنسانية الإنسان"، وشعر وتجربة أرشيبالد ماكليش، وروايتا لورنس داريل "جوستين" و"بالتازار".
العمل الأكاديمي والنقدي
عملت الجيوسي في الإذاعة والصحافة لفترة وجيزة، قبل أن تبدأ مسيرتها الأكاديمية، فبعد حصولها على شهادة الدكتوراه؛ درّست الأدب العربي في أنحاء مختلفة من العالم، فعملت في جامعة الخرطوم بين عامي 1970 و1973، ثم انتقلت إلى الجزائر حيث درّست في جامعة الجزائر بين عامي 1973 و1975.
وفي عام 1973 دُعيت من قبل "رابطة دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية" (MESA)، لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة وكندا شملت 22 جامعة، وبقدر تقدير الأوساط الأكاديمية الغربية لمكانة سلمى العلمية، بقدر إدراكها لمدى جهل الغرب بالتراث الفكري العربي.
ثم أتيحت لها فرصة العودة إلى الولايات المتحدة عام 1975، وكان لها دور في الأوساط الأكاديمية بمنصب أستاذ زائر للأدب العربي، فدرّست لأول مرة في جامعة "يوتا"، ثم في جامعات أخرى في ميتشيغان وواشنطن وتكساس.