ساعة في نوران- بقلم: أ. فتحي رمضان الأغا
السيد اللي من الشباك مد إيده من بلاد الكفر جاب الأسير بحديده
في أول الليل يقرا الوِرد ويعيده وفي آخر الليل يسلم ع النبي بإيده
"ن بعض ما كان يقال عند مقام الشيخ نوران"
كان جدي الحاج محمد رحمه الله مقيما في خربة نوران،ومصنفا على أنه من"نجمات أبو صهيبان" يتحدث عن تلكم المرابع نوران-بركة جروان-الشلالة-،وكان والدي رحمه الله يبتسم حين ينظر إلى البطيخة بين يديه قائلا:هذا الصنف من البطيخ كنا نطعمه للجِمال؟!نظرا لصغر البطيخة مقارنة بما عرفوه وألفوه،ويردف قائلا:لا نصيب لكم أن تروا بطيخ نوران أو تأكلوا منه،ودلالة على بركات تلكم المنازل كان اللبش يمكث في الأرض إلى بداية موسم الشتاء التالي،فتسقط عليه الأمطار لتدب فيه الحياة ويزهر ويثمر ثانية فيما يعرف بالرّجعيّ؟!
يقع مقام نوران غربي مدينة بئر السبع إلى الغرب من بلدة العمارة، قرب خربة معين بمحاذاة تل جمّة، وللشيخ نوران منزلة سامية في نفوس أهل النقب منذ القدم ،يزورون مقامه ويتباركون به، يذبحون عنده ويعلقون الرايات ويضعون البخور والدهون والزيوت والشموع، يزورون المكان بالعشرات وكل منهم بحمل "زوارته"مع أهله، على الخيل والجمال ترافقها زغاريد النساء ،وقد جدّد المقام الحالي في الثلاثينات من القرن الماضي.
يختلف في الشيخ نوران فمن قائل:هو من أولياء الله الصالحين، وأخر يعتبره من الرسل ،والمقام ضارب في التاريخ القديم،ومما قيل فيه من أشعار:
يا شيخ نوران نذرك كبش وقلاده من يوم قالوا سميح الوجه في بلاده
ويقال:الشيخ نوران نوره بان،الشيخ نوران كشف نوره بعيد"ويروى أن الأتراك أرادوا مد خط السكة الحديد إلى مصر، وقد كان مخططا للسكة أن تقطع المقام،وبينما يمد العمال الخط ويركّبون القضبان ، يصيبهم الذهول صبيحة اليوم التالي إذ يجدونها مقطعة ومتفرقة في مكان بعيد عن المقام ،وتكررت هذه الظاهرة أكثر من مرة،فاضطر العمال إلى البعد عن المقام ومد خط السكة الحديد بعيدا عنه كما توجد مقبرة عربية إسلامية قديمة جوار الشيخ نوران ،آبار مياه وعدد من البوايك القديمة وينمو الصبر حول المقام وتكثر حوله الوديان ومنها :وادى الشلالة، وادى الشريعه،وكذلك التلال ومنها تل جمة، و تل الفارعة.
كان موقع الشيخ نوران أحد المواقع التي يعمل فيها الإخوان،فقد أقاموا مخازن الذخيرة وحجرات الإعاشة ، وكانت تضاء بالبطاريات ومن الصعب أن تنال المدفعية أو الطيران من هذه المواقع، مما جعل قوات الإخوان في مأمن من أي هجمات.
وقد حرص الصهاينة على احتلال تبة الشيخ نوران لتأمين مستعمراتهم وحرمان القوات المصرية من نقط المراقبة الأمامية على التبة التي توفر لها الإنذار المبكر، وتؤمن طريق مواصلاتها الرئيسي والوحيد بين رفح وغزة، وقد تمكنت القوات الصهيونية من تحقيق هدفها وفشل الهجوم المصري المضاد في استرداد التبة.
مارس السكان مهنة الزراعة في تلكم الأرض الخصبة ، الفسيحة الرحبة، تزرع فيها كروم اللوز والتين والصبر القمح والشعير والعدس، والبطيخ والشمام، يربون المواشي من جِمال وأبقار وماعز وخراف، وخيل،وكل زراعتهم كانت على الأمطار، واستخدموا الدقران ،وهو عبارة عن عصا طويلة يتراوح طولها بين متر ونصف إلى مترين بت في طرفها قطعة من الحديد على شكل أصابع اليد ويستخدم لتقليب القش في الجرن.أما المذراة،فهي كالدقران، ولكنها من خمس اصابع خشبيةتستعمل بعد درس القمح والشعير وغيرها من الحبوب لتذريتها في الهواء بحيث يفصل الحب عن القصل وعن التبن.
أما اليطقان yataghanفهو سيف محدب لتخريط ضلوع الصبر للإبل،والمفردة تركيّة.
وكانوا يضعونها جميعا في البايكة وهي بناء منطين وحجارة لتخزين الحبوب والتبن وإيواء الحيوانات في فصل الشتاء،وللبايكة ضبة وهي لوح من خشب به مجموعة ثقوب تسقط به أعواد خشبية ،أما المفتاح فهو عبارة عن قطعة خشبية لها أسنان مساوية في العدد لعدد الثقوب لرفع الأعواد إلى أعلى ،وتكون عمليةالفتح بإدخال المفتاح في المجرى الخشبي ذي الفتحات المطابقه لعدد الأسنان فيها أسنان بعدد أسنان المفتاح وتدفع أسنان المفتاح عند دخولها في الفتحات المخصصه الأسنان النازلة من القطعة العليا في المجرى، وهي أنواع فبعضها بسيط قوامه أربعة أسنان متجاوره وبعضه أشد تعقيدا كأن يكون ذي صفين أو أكثر من الأسنان.
ووسط هذا الجو المفعم بالعمل والجدية كانت للقوم مناسباتهم وماسمهم من أفراح وسهرات وأناشيد عرفت بالرزازيع ،وهي بيت قصير من الشعر ينتهي بنفس الحرف وهي جزء من كلام أهل النقب قديما ولعبت دورا في التعبير عن المطالب والمناسبات:
ومنها:وامشي معك يا قمر ولاّ معك يا غين، ولاّ معك يا لخذيري يا كحيل العين حفرت لي ساقية يا طية مرجان، يا جمة من عسل مشروب للصبيان'، شفت الذلول الناقة طايبه والعصر ومغيره، درويش أبو صقير ديمه سيرته زينه'سلامات يا صاحبي مد ايدك عليّ سلم، في دك سليتات فضه دقة معلم'.
ويا من لقي المرجونه صقير معه مزيونه'، والمرجونة هي سلة من سعف النخيل تستخدم لحفظ الخبز.
كل الذواليل شربت غير ذلولي عايب
من يسلم على خلي يقول راس الحبيب شايب
وانتو بني عمنا بين السماء والغين
ونريدكو تسلمو ونشوفكو بالعين
أما الدّحّية فهي تمهيد للحرب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وعند نهاية المعارك لوصفالمعركة وما دار بها من بطولات وتعقد الآن في مناسبات الأعراس والأعياد وغيرها من الاحتفالات.
تؤدى الدحية بشكل جماعي، يصطف الرجال صفا واحدا أو صفين متقابلين، وينشدالشاعر المتواجد في منتصف أحد الصفين قصديته المغناة يردد الصفان بالتناوب (ويسمون الردادة)البيت المتفق عليه سلفاً بالتدرج بين كل بيت شعر يلقيه الشاعر.
وقد تؤدى بأسلوب قصصيّ سرديّ لمعركة ما أو وصف لديار أو هجاء أو مدح وتكون بدايتها على نمط:
أول ما نبدا بالقول صلوا على طه الرسول
مسيك بالخير يا لاقي خير لتقول ما مسا عليّه
مسيكو بالخير اجاويد ضيوف مع محلّيه أول ما نصلي ونسلم ع محمد خير البريّه
على تلك الحال من البساطة والرخاء وهنأة العيش كان أهالي النقب، قبل أن تباغتهم أطماع الصهيونية التي ادعت أن فلسطين أرض بلا شعب!!!
وبلاد عجعجت ما مسكنٍ فيها وبلادنا الشرق يا ما أحلى مرابيها' وبلادنا شيعت لينا مع الطراش وان شفتنا هالسنة ما شفتنا من عاش'.
معيشة جميلة في بيوت الشعر،على تلك الحال من البساطة والرخاء عاش أهالي بلدة نوران والبلدات المجاورة قبل أن تباغتهم عصابات المفسدين في الأرض ..
ارسلها: عبدالله أبو مسامح
abd622@hotmail.com