معركة عرتوف الكبرى
وقعت هذه المعركة يوم الخميس14/10/1937م حيث وردت إلى عبدالقادر وهو في بتير أخبار تفيد أن الجيش البريطاني قد قدم إلى عرتوف وفي الحال جمع قواته وكانت تبلغ حوالي(300)مقاتل،ثم وزعها على سفح الجبل الموصل من بتير إلى عرتوف،على مسافة ثلاثة كيلومترات،(10أمتار بين كل مقاتل ومقاتل)،ثم نصب كميناً في مؤخرة خط القتال،وأمر المسلحين اللذين في المقدمة ألا يطلقوا النار حتى تمرالقافلة بأكملها،وحالما تبلغ مؤخرة الكمين،يتقدم المجاهدون لتفجير الألغام تحت السيارات الأولى ومن ثم يأخذ المجاهدون بإطلاق النار على جنود القافلة،وما إن بلغت الساعة الرابعة مساءً حتى وصلت القافلة في طريقها إلى القدس،وكان عددها يزيد عن80سيارة وما إن توغلت القافلة حتى تطايرت السيارة الأولى في الفضاء وتبعتها الثانية والثالثة فارتبكت باقي السيارات وحاول بعضها الرجوع بسرعة فانقلبت وسدت الطريق أما الجنود فقد حاولوا الانتشار على جانبي الطريق إلا أن المجاهدين المرابطين أصلوهم وابلاً من الرصاص،ثم انقضوا على القافلة يعملون فيها فتكاً وتدميراً،وما إن بلغت استغاثات رجال القافلة إلى مقر قيادة الجيش حتى كادت الشمس أن تغرب فحضرت أسراب الطائرات لتلقي بقذائفها ولكنها لم تجد سوى بقايا سيارات القافلة وجثث الجنود،بينما انسحب المجاهدون بعد أن نفذت الذخيرة تماماً من المجاهدين إلا قليلاً احتفظ بها حرس عبدالقادر الخاص،بعد ان فقدوا ثلاثة شهداء منهم الشهيد علي حسن من عين كارم،كما أصيب خمسة منهم بجراح.
بينما كان عبدالقادر يصوب بندقيته نحو الأعداء إذ جاءت قنبلة مدفع جبلي عليه فاطارت قسماً من سترته، وقسماً من قميصه،وانفجرت على بعد20متراً منه فأصابت مجاهداً من شرفات في رجله وكان ضغطها قوياً حتى أنه رفع عبدالقادر حوالي مترين في الفضاء ألقاه بعيداً عن مكان استحكامه ولكنه لم يصب بأذى وبقي القرآن الكريم الذي يحمله في جيب سترته الأخرى على حاله.
هكذا نجا القائد بأعجوبة من موت محقق،وقد عم البلاد خبر هذا الإنتصار فسر الأهلون أما القيادة البريطانية فقد ساءتها النتيجة وصممت على الإنتقام..وما أن أصبحت القدس حتى كانت جميع الجدران والأبواب تحمل أنباء المعركة.
أقلق بال السلطات ماآلت إليه الحالة في فلسطين،وأدهشتها نتيجة المعركة الأخيرة في عرتوف،وكانت قد استقدمت الجنرال وايفل(من أركان حرب الإمبراطورية البريطانية)إلى فلسطين لقمع الثورة،فكانت معركة عرتوف التحية التي قدمها إليه عبدالقادر،الذي اختفى هو ورجاله في عين كارم،أما الجيش فيظهر أنه علم بمكان وجود عبدالقادر،فقام بحركة تطويق كبيرة شملت جميع جبال منطقة القدس مبتدئة من بيت محسير غرباً وبمحاذاة باب الواد، حتى مدينة القدس على بعد30كيلومتر.
كما امتد الطرف الآخر من الطوق، من القدس إلى بيت لحم ماراً بالخضر وحوسان ورأس أبو عمار إلى عرتوف على طول30كم أيضاً، وهكذا كان الطوق بمثابة مثلث رأسه مدينة القدس وذراعه الأول يمتد غرباً إلى بيت محيسر والثاني إلى عرتوف جنوباً.
كما اشترك في هذه العملية جميع قوات الجيش، التي كان يشرف عليها الجنرال وايفل نفسه،بالإضافة إلى أركان حربه،كما اشترك في التطويق عدد من أسراب الطائرات قدرت بخمس عشره طائره،وقد عدد هذه القوات بعشرين ألفاً،وقد استمرت عملية التطويق أربعة أيام بلياليها،وكانت تهدف إلى الخلاص من عبدالقادر ورفاقه، والانتقام من القرى،بقتل الأبرياء بادعاء أنهم حاولوا الفرار، واعتقال جميع الشباب المشبوهين وتفتيش جميع البيوت.
أخذ الجنود يتقدمون مقتحمين الجبال والوديان والقرى، حيث تجمع كل الأشخاص الذي تقابلهم حتى يجري تشخيصهم بواسطة بعض الجواسيس، اللذين كانوا يرافقون الجيش في سيارات مغطاة،لئلا يتعرف عليهم أحد.
أما عبدالقادر فما أن شعر بدنو الجنود،حتى أشهر سلاحه، وسار خلفه حرسه حاملين السلاح على أهبة الاستعداد للقاء الموت إن كان لامفر من الاصطدام وساروا وسط أشجار الزيتون والأحراش في اتجاه الغرب، وكان الجنود يتبعونه علماً بأنهم لم يتحققوا بعد من شخصيته، حتى وصل إلى خربة تدعى(بيت سقاية) وهي خالية من السكان،فعرج عليها، وكانت الشمس قد غربت،أما تطويق الجيش فلم يصل إلى تلك الخربة.
وبعد أن استراح قليلاً في تلك الخربة،انتقل إلى(واد إسماعيل)وماكاد يغادر الخربة حتى كانت قوات الجيش قد دخلتها، أما وادي إسماعيل فلم تكن الأشجار فيه كثيفة، والرؤيا متيسرة ولاتبعد سوى300متر عن الخربة المذكورة،وقد حدثت معجزة أذهلت الجميع،فما كاد عبدالقادر يبلغ الوادي والجيش يطل عليه، حتى انتشر ضباب كثيف جداًغطى المجاهدين والجيش بحيث أصبحت الرؤيا متعذرة فانسحب المجاهدون وسط الضباب حتى وصلوا إلى منطقة تكثر فيها الأحراش فجلسوا فيها والضباب يغطيهم، أما الجيش فقد اجتاز الوادي كما اجتاز المنطقة بأكملها ولم يعثر على أحد.
راح عبدالقادر ورجاله يأكلون من شجر العناب والبلوط والأعشاب بعد أن أضربهم الجوع لأنه مضى عليهم يومان وليلتان لم يتناولوا فيها الطعام فقويت عزيمتهم لما رأوا أن القدرة الإلهية تكلؤهم وردد عبدالقادر قوله صلعم(لاتخافوا إن الله معنا).
وبعد فشل عملية التطويق هذه التي استمرت أربعة أيام بلياليها، قرر عبدالقادر الانتقال من قضاء القدس إلى قضاء رام الله، فوصل إلى قرية(بيت عنان)ومنها إلى(حيفا)، حيث اجتمع مع زميله القائد(حسن سلامة)وتبادل القائدان الهدايا، فقدم عبدالقادر لحسن سلامة بندقية صواري(عثملية مصدفة)ومنظار القائد الإنجليزي الذي قتله المجاهدون في معركة(عرتوف)، كما قدم له حسن سلامة فرساً كان غنمها من الكولونيل الإنجليزي الذي كان يقود الجيش في منطقة اللد.
نظام التحصين(في ثورة1936).
من الواضح أن المستوطنات الصهيونية لاتقام عشوائياً بل تخضع لدراسة وافية وعميقة،وقد دأب اليهود على إقامة هذه المستوطنات في مواقع استراتجية حساسة تتيح لهم التحكم في طرق المواصلات الرئيسية، وقد أقيمت مستوطنة هارطوف على هذا الأساس خدمة لأهدافهم الحربية والعدوانية حيث شكلت لاحقاً مركزاً للإمداد والتموين ومنطلقاً للاعتداء على سكان المنطقة وتحقيقاً لهذا الهدف الحربي لجأت العصابات الصهيونية إلى تحصين هذه البؤر وتحويلها إلى قلاع يصعب اختراقها وعندما نشبت ثورة عام1936م المباركة(كثر إطلاق النار على مستعمرة عرتوف فوضعت الهاجاناه نظاماً ملائماً لظروف تلك الحرب لتحصين مستعمرة عرتوف حيث وضعوا سياجاً عسكرياً من الأسلاك الشائكة حول المستعمرة وكذلك وضعوا مواقع من الإسمنت المسلح مع كوات لإطلاق النار مرتفعه عن الأرض وأبراجاً من الإسمنت المسلح في نقاط مرتفعة داخل المستعمرة وبالقرب منها وكذلك وضعوا مصابيح كاشفة وخنادق للوصول إلى المواقع.
نظام الحراسة والدفاع في ثورة 1936
وقد أوكلت مهمة الحفاظ على أمن المستعمرات الصغيرة وهي عطروت وموتسا وكريات عنافيم ومستعمرة عرتوف على الهاجاناه لذلك أرسلوا وحدات إلى نقاط الاستيطان ونشروا أنفار للحراسة الليلية ويقول يغيئيل سوكنيك قائد شرطة المستعمرات العبرية(لقد كان في تصرفنا تندران وسيارة مصفحة وذلك للسيطرة على الطريق من مستعمرة عرتوف إلى عطروت وكانت مهمتنا الدائمة مواكبة عمال مقالع القسطل ذهاباً وإياباً ومواكبة القافلة إلى مستعمرة عرتوف(مرتان في الأسبوع)وكذلك لحراسة أنبوب الماء من باب الواد إلى القدس.
ويصف يتسحاق ساديه دوره في عملية تنظيم الدفاع عن مستعمرة عرتوف بقوله"في صيف سنة1936م زرعت النواه التي نبتت منها بعد فترة سرايا الميدان والبلماخ وجيش الدفاع الإسرائيلي وكان ذلك في بداية شهر آيار من عام1936م حين خرج ساديه مع خمسة من أعضاء الهاجاناه من القدس وفتاتين مدربتين على استخدام السلاح في القطار لتنظيم الدفاع عن مستعمرة عرتوف الصغيرة والنائية،كانت الخطة التي قدمت لي والحديث له تقضي بتجميع السكان(لايتجاوز عددهم30-40شخصاً)كل ليله في منزل واحد مؤلف من طبقتين والدفاع منه وأقمت المواقع على السطح لكن قبل مضي فترة طويلة اتضح لي أن لافائدة من مثل هذا الدفاع فالطرف الذي سيهاجمنا لن يطرد ومن المشكوك أن نُلحِق به أي خسائر فلماذا لايستمر في مناوراته الهجومية كما يشاء، وعليه فقد خرج مع اثنين من الشباب الذين جاءوا معه إلى المستعمرة ونصبوا كميناً في الليل، ولم يكن أعضاء الهاجاناه في القدس معتادين التحرك حارج مناطقهم وخصوصاً خلال الليل باستثناء هذين الشابين وفي الليل قبعنا الثلاثة مسلحين بالمسدسات وقنابل يدوية ننتظر هجوم العرب على مستعمرة عرتوف كي نتمكن من مهاجمتهم من الخلف لكن مستعمرة عرتوف لم تهاجم"عرتوف في آتون الحرب 1948
مشروع الأمم المتحدة للتقسيم
29نوفمبر/تشرين الثاني1947
-حين فشلت بريطانيا في فرض حل للقضية الفلسطينية أعلنت تخليها عن الانتداب وإحالة القضية إلى الأمم المتحدة في أبريل_نيسان1947. وكان ذلك نتيجة خطة دبرتها بريطانيا لتنفيذ التقسيم الذي وضع أساسه قبل بضع سنين.وفي29/11/1947، أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرارها القائل بتقسيم فلسطين(بأغلبية33صوتاً ضد13 وامتناع10وغياب مندوب واحد).ونص قرار التقسيم على إنهاء الانتداب وإنشاء دولتين مستقلتين عربية ويهودية وإدارة دولتين في القدس.وبذل الصهيونيون والولايات المتحدة كل الوسائل لاستمالة بعض المندوبين الذين كانوا قد أبدوا معارضتهم لمشروع التقسيم.
-عارض التقسيم(عدا البلاد العربية)أفغانستان كوبا،اليونان،الهند،إيران،باكستان،تركيا.
وقعت عرتوف ضمن الدولة العربية المقترحة حسب قرار التقسيم(انظر الخارطة).
الأهمية الإستراتيجية
أهمية موقع عرتوف الحربي
تعتبر عرتوف من المواقع الإستراتيجية المهمة حيث تبعد(6)كيلومترات إلى الجنوب من باب الواد وبذلك تتحكم في طريق باب الواد-بيت جبرين كذلك لاتبعد سوى بضعة كيلومترات عن محطة باب الواد على خط سكة حديد القدس-اللد،لاشك بأن وقوع عرتوف على مقربة من باب الواد ذو الأهمية الإستراتيجية ووقوعها كذلك ضمن المنطقة الجبلية البالغة الوعورة التي تربط بين القدس ويافا قد أكسبها أهمية استراسيجية قصوى وموقعاً فريداً متميزاً ولاغرابة إذن أن تكون المنطقة برمتها وخصوصاً منطقة باب الواد مسرحاً لمعارك دامية منذ فجر التاريخ أتاحت للمنتصر رسم خريطة المنطقة وتحديد مصير المدينة المقدسة.
وقد وصفها المؤرخون العسكريون بأنها من أهم المواقع العسكرية في جبهة القتال الوسطى إذ مانت تمثل نقطة التقاء بين القوات المصرية والأردنية بالقرب من شريان الحياة المتمثل في طريق باب الواد بالنسبة ليهود القدس.ويعتبر موقع مركز بوليس عرتوف موقعاً حيوياً لكونه نقطة مراقبة متقدمة وهمزة وصل بين المواقع في باب الواد زكذلك لأنه يقع في واد منخفض تحيط به الجبال.
وقد وصفها المرحوم عبدالله التل بأنها(تؤلف حصناً منيعاً يتم به تطويق القدس)
ولذلك فقد كانت(عرتوف)ممراً ومقراً لمختلف الجيوش والقوات المتجهة صوب القدس أو المدافعة عنها.حيث شهدت المنطقة بأسرها سلسلة من المعارك الدامية منذ فجر التاريخ وستعود بإذن الله لتشهد نفس الزخم من المعارك عندما يعاد تحريرها.
باب الواد
وترتبط عرتوف أيضاً بمواقع ومعالم كثيرة تفوقها من حيث الأهمية، تترابط جغرافيا لتشكل موقعاً إستراتيجياً فريداً من نوعه ويأتي باب الواد في مقدمة هذه المواقع وكما هو معلوم فإن لباب الواد أهمية استراتيجية قصوى إذ أنه يمثل خطاً دفاعياً طبيعياً وحصيناً لحماية القدس والدفاع عنها وتكمن أهميته كذلك في كونه ممراً يربط السهل الساحلي بجبال القدس وتؤدي إليه وتتشعب منه طرق القدس والرمله وبيت جبرين وعرطوف وغزة ورام الله.
ويشتمل الموقع على وادي علي ومداخله،والهضاب المطلة عليه، والقرى القريبة منه، كعمواس واللطرون وتل الجزر وأبو شوشة وبيت نوبا ويالو.
ولباب الواد أهمية عسكرية عظيمة، فهو مفتاح مدينة القدس،دارت فوق أرضه معارك كبرى على مر القرون.عنده صد صلاح الدين الأيوبي غارات ريكاردوس قلب الأسد أواخر القرن الثاني عشر الميلادي. وفي موقعه وقف المقدسيون في وجه جيش إبراهيم باشا سنة1834م،ودارت فوق أرضه معارك دامية بين الجيش التركي والجيش الإنجليزي سنة1917م.
وقد فطن العرب والصهيونيون إلى أهمية موقع باب الواد منذ اللحظات الأولى بعد صدور قرار التقسيم عام1947م.
وتهيأ الصهيونيون لغزوه من السهل الساحلي لضمان مرور قوافلهم إلى القدس.وعمل العرب بالمقابل على قطع الطريق عليهم.
ارسلها: ايمن ياسين محمد سلطان
sultanayman@hotmail