السادة الحريرية ببيت المقدس (ال ازحيمان وعبد اللطيف)
بعد أن حرر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس من أيدي الصليبيين في شهر رجب عام 583هـ/1187م، قام بترتيب أوضاع الحرم الشريف بها، ومن ذلك وقفه الشهير الذي دوّن بحضور قاضي القضاة صدر الدين في 17 رمضان سنة 590هـ/1194م.
وتعتبر هذه الوقفية أساساً لجميع الأوقاف الإسلامية التي تلت في القدس وسائر بلاد فلسطين، وفيها إقطاعيات منحها السلطان لقادة حملته آنذاك.
وتؤكد سجلات المحاكم الشرعية تثبيت وقفية صلاح الدين الأيوبي في مطلع العهد العثماني، وذلك في 18 ربيع الثاني سنة 981هـ/1573م، بحضور وجهاء بيت المقدس وشهادة قاضيها الشيخ عبد القادر الشامي الخير الحريري.
وتتحدث المصادر عن تولي السادة الحريرية مكانة كبيرة في مدينة القدس، ومنها منحهم العديد من المزايا التي احتفظوا بها حتى مطلع القرن العشرين، ومن أبرزها: مهمة تعطير الحرم الشريف وتعطير المصلين به بالبخور وماء الورد، وكذلك غسيل الأرض ما بين المسجد والكأس كل أسبوع في ليلة الجمعة، وما زال آل عبد اللطيف وازحيمان يقومون بهذه الخدمة حتى يومنا هذا.(1)
وكان من رفعة شأن السادة الحريرية ببيت المقدس أنه إذا توفي أحدهم كان يعلن من مآذن الحرم الشريف بأن أحد أشراف بيت المقدس قد انتقل إلى رحمة الله، وكانت تسير أمام الجنازة رايات خاصة بهم على شاكلة الأعلام التي كانت تميز السادة الأشراف في سائر المدن الإسلامية، وكانت لهم مدافن خاصة في مقبرة الشهداء التي تقع بين باب العمود وباب الساهرة.
ومن آثار الحريرية التي لا تزال قائمة في بيت المقدس إلى يومنا هذا: المسجد الحريري الذي يقع داخل السور إلى الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى المبارك جنوب باب الخليل إلى الشرق من مسجد القشلة بجانب دير الأرمن بطريريكية الأرمن الأرثوذكس والمتحف الأرمني، ويقع المسجد اليوم في وسط حي محاط بالسكان النصارى والمستوطنين من اليهود، ومدخله الرئيس في شارع القديس يعقوب، وينسب هذا المسجد إلى السيد شمس الدين محمد بن إبراهيم الحريري الذي كان رجلاً خيراً احترف الشهادة دهراً طويلاً، وكان يكتب خطاً حسناً، توفي بالقدس سنة 886هـ/1482م، ويرجح قسم الآثار في القدس بأن شمس الدين هذا قام بإصلاح وترميم المسجد في الفترة المملوكية وأصبح ينسب له.(2)
وتنتشر فروع آل الحريري في كل من القدس وعمّان ويقدرون بنحو 150 أسرة، ومن أبرزهم آل زحيمان، الذين يسمون كذلك آل عبد اللطيف.