في حياة كل منا، ثمة أحلام تواصل قضّ مضاجعنا دون ملل، كأنما للتأكيد على أنها ملحة و غير قابلة للموت طالما نحن على قيد الحياة؛ الأحلام تلك تظل تلازمنا كأوجاع يصعب الشفاء منها دون امتلاك الإرادة الكافية لأجل تحقيقها...
على نحو ذلك، ظلت أحلام الجد لـ 25 حفيدا و حفيدة و يشارف على الرابعة و الستين من عمره، المواطن حسني عبد الرزاق زيود من بلدة السيلة الحارثية غرب جنين – ظلت أحلامه تقضّ محاولاته للتطامن بأن الحياة عوضته خسارته في التعلم بحصول أولاده و بناته الـ 12 على شهادات لافتة في الطب و الهندسة و الفيزياء و الصيدلة، فكان أن أمسك بفرصته الأخيرة لإكمال تعليمه و حصوله على درجة البكالوريوس في الشريعة بامتياز، من الجامعة الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في "الرياض" بالمملكة السعودية.
الإرادة المتفائلة التي مكنت المواطن "زيود" من تحقيق حلم لم يمت بمرور الزمن، منذ أحالته ظروف الفقر الصعبة إلى العمل برفقة والده في الزراعة، ثم في التجارة بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة عام 1969، حفزت محافظ جنين طلال دويكات على تكريمه و حولته، لدى مواطنين كثر، إلى قوة مثال جديرة بالاقتداء، سيما وأن الرجل يعتزم (بحافز من "المرتبة الأولى" على دفعته بالجامعة) متابعة تحصيله العلمي بالتقدم لنيل درجة "الماجستير" في علوم الشريعة، وذلك على الطريق – كما قال – لنيل درجة الدكتوراه إذا ما كتب له أن يعيش بصحة تساعده على ذلك.
قال المواطن "زيود" لـ دوت كوم ، أنه منذ صغره كان مقتنعا بأهمية التعليم، غير أن ظروفه العائلية الصعبة أرغمته بعد نجاحه في الثانوية العامة على الانضمام لوالده في العمل بالزارعة ثم لاحقا في المجال التجاري، ثم بعد ذلك، وبالرغم من زواجه عام 1971 و متابعته الكد في تعليم أولاده و بناته، كواجب و وكتعويض عن خسارته حلمه في مواصلة التعلم، لم تستطع كل الظروف خنق طموحه لتحويل الحلم إلى حقيقة واقعة، مشيرا إلى محاوله أولى فاشلة في هذا المجال؛ عندما ألغي انتسابه "فجأة و دون مبرر" من جامعة الخليل حيث تعشم إكمال تعليمة بعد 12 عاما من حصوله على الثانوية العامة.
محافظ جنين يكرم الطالب المسن حسني زيود
"أشدّ الألم الذي استشعرته في حياتي عندما عجز والدي عن إكمال تعليمي بعد الثانوية العامة". قال حسني زيود هو يشرح قصة الحياة لـ"القدس دوت كوم"، مشيرا إلى أنه مع بلوغه العشرين، بدأ بتأسيس حياته من خلال العمل في التجارة؛ فتزوج عام 1971 وكرس حياته لتوفير حياة كريمة لأولاده الذين - كلما نجح أحدهم في الثانوية والتحق بالجامعة – أعادوا بعث حلمه في العودة للدراسة من جديد، لافتا في هذا الخصوص إلى أن النجاحات التي حققها أبناؤه و بناته في الحياة التعليمية فاضت على حياته بالفرح؛ لكنها لم تمت حلمه في إكمال تعليمه .
على جدران منزل المواطن زيود، تتوزع شهادات أبنائه ؛ فهذه شهادة الدكتوراه التي يحملها عاهد الذي يعمل محاضر في جامعة النجاح، وهذه "الدكتوراه" في الصيدلة التي حازها سائد من جامعة ماليزية، وشهادة الـ"ماجستير" في الهندسة المدنية التي حازها شاهر ، وهذه "ماجستير" سامر في الفيزياء ، هذه شهادة الهندسة الكهربائية التي حازها بلال ، وهذه شهادة طب الأسنان التي حازها صهيب، وهذه لـ"حاتم" الذي انتهى من تخصص برمجة الحاسوب، فيما بدر يدرس سنته الاخيرة في تخصص هندسة الكمبيوتر في جامعة القدس و "حذيفة" يدرس الهندسة المدنية في جامعة النجاح، فيما البنات الثلاث المتزوجات هن الأخريات تحصلن على شهاداتهن الجامعية.
في التفاصيل الشيقة و الجديرة بالانتباه التي يعيشها المواطن حسني زيود، ثمة ما يشد الانتباه؛ فالرجل الذي يعتقد بأن التعلم لا يحده سقف، قرر عام 2008 الانتساب لجامعة "لاهاي" بسويسرا، فوافقت على قبوله، وفيما هو كان يسارع في استكمال إجراءات التسجيل، وبعد الاختبارات التعليمية، قررت الجامعة تحويله إلى المملكة العربية السعودية للدراسة في "الأكاديمية الإسلامية المفتوحة" في مدينة الرياض؛ ليحصل في امتحان القبول على معدل 95 في المئة، ما مكنه من الحصول على منحة تعفيه من دفع الرسوم الجامعية، الأمر حفزه على مواصلة التفوق ومكنه من الحصول على درجة البكالوريوس خلال 3 سنوات وشهرين فقط دون الحاجة إلى 4 سنوات.
وأيضا، في سياق القصة كما تحدثها المواطن "زيود" الذي تواصل مع جامعته عبر "الانترنت" وبالسفر إليها : " في البداية واجهت نظرة سلبية وتساؤلات كثيرة حول هدفي من العودة للتعليم ، ولكني رفضت التراجع وأقنعت الجميع بأهمية الدراسة وحاجتي إليها باعتبار العلم "حق مشروع يمكنني من المشاركة في بناء المجتمع كما أرى، لا كما تفرض الظروف"، لافتا إلى أنه اختار تخصص الشريعة الإسلامية لينتفع منها "في الدنيا والآخرة"، بما في ذلك تلبية رغبتة العتيقة في الحصول على وظيفة كمرشد للحجاج والمعتمرين.
www.alquds.com/news/article/view/id/433391
http://www.raya.ps/ar/news/822990.html