أهالي "القرية السويدية".. معاناة مستمرة ولا حلول في الأفق
هناك .. في أقصى جنوب قطاع غزة, جنوب غرب مدينة رفح تقع "القرية السويدية" المنسية والمهمشة والتي تفتقر لأبسط مكونات الحياة الإنسانية منذ نشأتها حتى يومنا هذا, وتبلغ مساحة القرية قرابة 40 دونما يسكنها عشر عائلات فلسطينية هاجرت من فلسطين المحتلة, يتفرع منها قرابة 120 أسرة وبعض الأسر يزيد عدد أفرادها عن عشرين شخصا يسكنون في بيت واحد.
وبدأت قصة المعاناة في القرية الملاصقة للحدود المصرية منذ نشأتها كما كل القرى والمخيمات الفلسطينية التي حصلت على بعض الخدمات الإنسانية من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا, إلا أن القرية لم تلق اهتماما من الجهات المسئولة, وبقيت على حالها سنين طويلة تقاوم التآكل والتحديات.
حكاية صمود
يقول المواطن محمد خليل النجار (63عاما) أحد سكان القرية السويدية والذي ولد فيها بعد هجرة والديه من قرية الجورة: "بدأت حياتنا فيها كما في باقي المخيمات الفلسطينية, وكانت بيوتنا مبنية من الطين, بعدها بادرت جهة سويدية عام 1965 بإعادة بناء منازل القرية من القرميد, ومن حينها ظهرت تسمية جديدة للقرية".
وأوضح أن سكان القرية صمدوا أمام إجراءات الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف إلى ترحيلهم منها, بعد إصدار الحاكم الإسرائيلي آنذاك أوامر تقضي بحصار القرية ووضع أسلاك شائكة حولها, قائلا: "الحاكم عرض علي شخصيا الخروج من القرية مقابل الحصول على نمرتين, فرفضت طلبه وقلت له: لو حاصرت القرية ووضعت الأسلاك الشائكة حولها وخرج جميع من في القرية, سأبقى فيها حتى وفاتي".
المواطن محمد النجار
ورفع أهالي القرية قضية ضد الاحتلال في محاكم القدس المحتلة بالتعاون مع بعض جمعيات حقوق الإنسان وكسبوها, إلا أن ذلك لم يمنع الاحتلال من الاستمرار في حصاره للقرية وفرض شروط مجحفة على حركة سكانها بالدخول والخروج منها.
وذكر النجار قصة ابنه خليل الذي منعته قوات الاحتلال الإسرائيلي من دخول القرية لمدة تزيد عن 35 يوما, وانتظاره على بوابة التفاح غرب مدينة خان يونس, حيث غادر الحجاج إلى البلاد الحجازية وأدوا مناسك الحج وعادوا وما زال ابنه عالقا على الحاجز, وكان قد منع الاحتلال سكان البحر حينها دخول مدينة رفح.
وقال إنه:" كان يخرج قبل صلاة الفجر لحجز دوره في الدخول عبر "المحسوم العسكري" بوابة التفاح ومنه إلى مدينة خان يونس بغرض شراء حاجيات المنزل الأساسية, حتى يضمن عودته قبل غروب الشمس وإلا انتظر لليوم الثاني", مشددا على أن المحسوم نسج لهم قصص المعاناة والتعذيب والويلات.
ويعمل أهل القرية بحرفة الصيد والزراعة, واللتين دمرهما الاحتلال بجميع الوسائل الممكنة, من تدمير لقوارب الصيد مرورا بمنع الصيادين من الدخول إلى البحر, إضافة إلى تخريب الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة.
وقال النجار معلقا على مستوى دخل عائلات القرية: "كل صياد على الأقل مدان بـ 3 آلاف دولار لعجزه عن سداد مستحقات شباك الصيد ومحركات القوارب الصغيرة", موضحا أن ما يصطادونه لا يسد رمقهم اليومي.
تحتاج للإزالة!!
ووصف منازل القرية التي يزيد عمرها عن 45 عاما بكلمة واحدة "تحتاج للإزالة", مضيفا: "المنازل غير صالحة للسكن ولو دفعت بعض جدرانها بيدك فإنها ستنهار".
وتابع الحاج النجار: "وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الاونروا, استعدت لتنفيذ مخطط يقضي ببناء القرية من جديد بحيث يتم بناء منزل مستقل لكل أسرة, بعد أن أجرت إحصائيات مفصلة عن القرية, قبل احداث حزيران من العام 2007 لقطاع غزة, إلا أننا تفاجأنا بتجميد المشروع ..
وأوضح أن سكان القرية لا يعارضون مشروع الطريق الساحلي الذي يقضي بإزالة بعض بيوتهم, ولكن بعد إيجاد بديل مناسب لهم وتعويضهم في مكان آخر, مبينا أن القرية تعاني من عدم وجود بنية تحتية وشبكة صرف صحي وشبكة طرق وإنارة لشوارعها, وعدم وجود عيادة صحية أو مرافق خدميّة, أو مدارس.
وطالب النجار بلدية رفح والجهات المختصة بإيجاد حل مناسب لمشكلة الصرف الصحي في القرية والعمل على دعمها بكل الطرق, ليشعر أهل القرية بحياة إنسانية كما كل المواطنين.
وجراء عدم وجود شبكة مجاري، يضطر السكان إلى "الحفر الامتصاصية" تحت منازلهم رغم خطورة ذلك واحتمالات انهيار أرضياتها، وأنشؤوا بتبرعاتهم الذاتية تمديدات بدائية لصب المجاري في أرض مجاورة، وإلا انتشرت الأمراض والأوبئة جراء قنوات المجاري في شوارع القرية, وفق أبو عودة.
للأطفال نصيب من المعاناة!!
وعند دخول أحد للقرية لم يستطع تحمل رائحة مياه الصرف الصحي التي تحملها الرياح نحو سكان القرية وكأنها هواؤهم الذي يتنفسونه, في حين أن الأطفال يعانون من حساسية "الحكة الجلدية" الملازمة لهم بفعل بخار الماء المنبعث من مياه البحر الملوثة بمياه المجاري.
وأعرب الحاج أبو كمال أبو عودة (75عاما) عن أسفه لإحجام المؤسسات الداعمة عن تنفيذ مشروع تمديدات مياه الصرف الصحي داخل البحر لمسافة 150 مترا للتخفيف من نسبة التلوث الموجودة في مياه الشاطئ وتأثيرها على السكان, قائلا: "طالبنا بلدية رفح والجهات المختصة والمسئولة آلاف المرات بضرورة إنشاء شبكة صرف صحي في القرية, إلا أننا لم نلق أي استجابة لمطالبنا".
وأشار إلى أن القرية تعاني من ضحالة المياه الصالحة للاستخدام, خاصة أن المياه تصل إلى القرية من بئر مياه تقع في منطقة تل السلطان التي تبعد قرابة ستة كيلومترات عن القرية, قائلا: "المياه لا تصل إلينا إلا ساعة واحدة كل ثلاثة أيام".
ويرى أبو عودة الذي ولد في قرية حمامة عام 1937, وهاجر مع أهله منها عام 1948, أنه رغم موقع القرية الساحلي وتمتعها بشاطئ جميل, إلا أنها محرومة من استغلاله، بفعل التلوث الحاصل جراء صب المجاري في المنطقة البحرية المقابلة، مما دفع الجهات المختصة إلى حظر السباحة والتأجير بسبب المخاطر الصحية.
وتابع: "لا يستطيع أحد حل مشاكل القرية إلا الأونروا, ويجب أن تقف عند مسئولياتها بتقديم الدعم اللازم للسكان وتهيئة حياة أفضل لهم, وأقل شيء من الممكن أن تقدمه الأونروا هو ترميم البيوت".
مشروع لم يبدأ
وكانت الحكومة قد خصصت 5 دونمات لإنشاء مدرسة قريبة إلا أن المشروع لم يبدأ، فيما يتواصل العمل في بناء مسجد جديد بجهود ذاتية وبدعم فاعلي الخير, بعد تآكل المسجد القديم والحصول على قطعة أرض حكومية ملاصقة للقرية لبناء المسجد عليها.
ويقول إمام مسجد القرية نعيم حسونة والمقيم فيها: "الفقر مستشرٍ في قريتنا، والمباني مهددة بالانهيار والسقوط، لسنوات طويلة كانت المنازل وما تزال عرضة للغرق من مياه الأمطار، ناهيك عن المكرهة الصحية الناتجة على صب المياه العادمة القادمة من مناطق في رفح إلى البحر المقابل للقرية، التي تفتقر أساساً لشبكة صرف صحي".
وتابع: "كان السكان يتوسمون خيراً بتحسن أحوالهم نظراً لمسئولية السلطة ووكالة الغوث عن تطوير القرية بعد سنوات من الحرمان والإهمال والتهميش بسبب الاحتلال، لكن ثماني سنوات مرت منذ ذلك الحين، وما تزال القرية تنعدم فيها الخدمات".
وطالب حسونة الجهات المختصة بتحمل مسئولياتها، قائلاً: "الوكالة أحصت المباني والسكان لكننا لم نر أي نتيجة، الحكومة لم تستطع توفير خدمات ملائمة، وإن حصل البعض على خدمات إغاثية واجتماعية، إلا أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي نحتاجه، نحن نطالب بحياة إنسانية".
توفر الدعم أساس
بدوره ,ربط مدير المشاريع في مصلحة مياه بلديات الساحل المهندس فريد شعبان, تطور القرية وحل مشاكلها بتوفير الدعم المناسب من الجهات المانحة لتنفيذ مجموعة مشاريع تطويرية في القرية ومنطقة المواصي بالكامل.
وقال: "نحن جاهزون لتنفيذ مشاريع شبكات الصرف الصحي والبنى التحتية في حال وجود تمويل كاف من الجهات الداعمة", مؤكدا أنهم تقدموا بمقترحات مشاريع تطويرية في القرية للجهات المانحة وينتظرون الرد.
التدخل مطلوب
من جانبه, أوضح رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان أن بعض سكان القرية السويدية سلموا بيوتهم القديمة لوزارة الأشغال التي بدورها سلمتهم بيوتا جديدة في منطقة تل السلطان, وأن ما تبقى من السكان هم عدد بسيط, وفق تعبيره.
وذكر أن مشكلة القرية السويدية تحتاج إلى تدخل من وزارة الأشغال العامة والإسكان ومن سلطة الأراضي إلى جانب بلدية رفح للعمل على إيجاد حل مناسب لسكان القرية, موضحا أن بلديته طرحت مشكلة القرية مع وزارة الأشغال وسلطة الأراضي للنظر فيها وتقديم الخدمات المناسبة للقرية.
وأكد أن بلدية رفح ساعدت في وصول المياه العذبة للسكان, قائلا: "القرية كلها بحاجة إلى حل وإعادة ترتيب وإسكان بما يتلاءم مع متطلبات الحياة الإنسانية, وهي منطقة حدودية ومن الصعب إنشاء منازل جديدة فيها".
وتابع: "القرية مكانها غير مناسب, لأن مياه الصرف الصحي التي تصب في البحر تؤثر سلبا على القرية, والحلول الآنية لا تفيد سكان القرية بشيء".
غياب المخطط التفصيلي
وبالعودة إلى رئيس لجنة حي المواصي برفح خالد الندى, فإنه أوضح أن مشكلة حي المواصي بشكل عام ومن ضمنها القرية السويدية تكمن في عدم وجود مخطط تفصيلي واضح يعتمد عليه السكان في البناء, قائلا: "البنايات عشوائية في المواصي, وأي مخطط جزئي لشوارع القرية أو أي مشروع داعم لتطوير القرية لا يصلح للتنفيذ لأنها تفتقر لبنية تحتية مناسبة, وتحتاج إلى مخطط واضح المعالم".
وأكد أن مشكلة مياه الصرف الصحي لا تخص القرية وحدها وإنما هي مشكلة عامة في مواصي رفح, ولكنها مضاعفة في القرية لأن البيوت فيها ملاصقة لبعضها البعض, لافتا إلى أن عمل الأونروا ينحصر في نظافة القرية حيث يقوم عامل نظافة واحد بمتابعة نظافة القرية ويتم ترحيل ما يتم جمعه من نفايات كل أسبوع مرة واحدة.
وطالب الندى الأونروا بإنشاء مدرسة قريبة من القرية وإنشاء عيادة تقدم خدمات صحية للسكان, كون القرية تقع ضمن مسئوليتها في تقديم الخدمات ورعاية اللاجئين في المخيمات الفلسطينية.
واستغرب تناقض رئيس بلدية رفح بقوله إن مكان القرية غير مناسب وفي نفس الوقت يعطي التصاريح لترميم بعض بيوت الصيادين وبناء بيوت جديدة في القرية ضمن المشروع القطري الداعم للصيادين.
ويرى رئيس لجنة حي المواصي برفح أن بداية حل مشكلة القرية هو عقد ورشات عمل مطولة بمشاركة الحكومة الفلسطينية في غزة وبلدية رفح والأونروا, لمناقشة كل مشاكلها والخروج بخطة استراتيجية واضحة المعالم, ومعرفة إذا ما سوف يتم إزالة القرية أو إعادة بنائها وتطويرها.
المصدر: فلسطين أون لاين