شعارات العودة والمواقف السياسية جدران المخيم.. نشرة حياة اللاجئين
قبيل أيام من ذكرى نكبة فلسطين كل عام ينشط الشاب سعيد أصلان ورفاقه في مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين شمال القدس المحتلة، بنشر الشعارات الوطنية ورسم تطلعاتهم للعودة إلى قراهم المهجرة عام 1948 في لوحات على جدران المخيم.
وعلى بوابة المخيم تستقبل الداخل منذ أيام لوحة فنية جديدة هي عبارة عن رسم لبيوت متلاصقة باللون الأسود تمثل واقع اللجوء الصعب، ويعلوها حلم ملون بالعودة إلى قرية خضراء ببيوت ملونة.
وتتحول جدران المخيمات في ذكرى النكبة، التي تعد أبرز تواريخ المعاناة الفلسطينية، إلى لوحات تعبيرية وحيز مفتوح يقول فيه المخيم الذي بات رمز الشتات الفلسطيني أحلام أبنائه وغضبهم أيضا.
ويقول أصلان إن شبان المخيم وبشكل عفوي ينشطون في كافة المناسبات الوطنية مثل انطلاقة الثورة ويوم الأرض ويوم الأسير لتبييض الجدران وخط عبارات وأشعار ورسومات تعبر عن حق اللاجئين في العودة إلى يافا وحيفا والقدس وكل القرى المهجرة عام 1948 "وأننا لا ننسى هذا الحق".
وهجّرت عائلة أصلان من مدينة يافا شمال فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديدا من حي المنشية كما قال أصلان.
وأضاف الشاب الفلسطيني أن جده أخبره أن بيتهم كان بجانب الجامع الكبير بالمدينة وهم سيعودون إليه يوما ما، مشيرا إلى أن يافا تشتهر بصيد الأسماك وزراعة الحمضيات، وهي مكونة من أربعة أحياء كبيرة: العجمي وارشيد والمنشية والغربال.
جدارية تعبر عن أحلام المخيم بالعودة على مدخل مخيم قلنديا
ويقول أصلان إن الشباب في مخيمات اللجوء يعيشون واقعاً صعباً، ويلجؤون للتعبير عن هذه الواقع على جدران بيوتهم وحيطان الشوارع.
وتعود أصول نحو 12 ألف لاجئ هم سكان مخيم قلنديا إلى مدن يافا وحيفا واللد والرملة وقرى مهجرة: برفيليا وبير اماعين وصرعا وساريس، وسكنوا هنا بعد إنشاء المخيم عام 1949.
مقاتلون لأجل الحرية
وفي أحياء أخرى بالمخيم، كتب الشبان على جدرانه "كنا لاجئين فأصبحنا مقاتلين لأجل الحرية" ورسموا جرافيتي لمقاتل يحمل سلاحه وسموه "ابن المخيم" وشعارات للفصائل الفلسطينية وأخرى عبارة عن تحذيرات من المتعاونين مع الاحتلال ودعاة الفتنة بين أبناء المخيم.
كما يرسم أبناء المخيم أيضا عبارات تحمل مواقفهم حيال تطورات سياسية معينة، إلى جانب تهان بمناسبات وطنية كالإفراج عن أسير من سجون الاحتلال أو مناسبات خاصة كحفلات تخرج من الجامعات أو عودة حجاج وحتى لتهنئة العرسان بالزواج.
وتحمل جدران المخيمات أسماء القرى التي هجر منها اللاجئين، وهي ذاتها أسماء الأحياء، إلى جانب إعلانات البيع والشراء، وملصقات صور الشهداء والأسرى أيضا.
ويعكس هذا الفضاء المفتوح من التعبيرات تضاؤل الفارق بين الحيز الشخصي والعام في مخيمات اللجوء الفلسطينية، فبين هذا وذاك تختلط حياة الناس.
وتتحول الجدران إلى مساحات عامة، ونوافذ البيوت وعتباتها إلى إطلالات لتنفس الجميع وقت المساء وإلقاء التحية على المارين من الحي، ينادون بعضهم بصفات القربى "عمي وعمتي.." وهكذا.
وكانت الكتابة على الجدران بالقرى والمخيمات والمدن الفلسطينية من أهم أساليب القيادة الوطنية الموحدة للفصائل الفلسطينية خلال الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987، وعليها كانت تنشر بيانات الإضراب والدعوات للاحتجاجات.
واشتهر رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي برسمه على جدران مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بلبنان قبل أن يكتشفه الكاتب غسان كنفاني، وتنتقل رسومه للصحف العربية.
وأصبحت شخصية "حنظلة" الدائمة في رسومه رمزا حاضرا على جدران مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان.
وهو صاحب مقولة "إن الكاريكاتير ينشر الحياة دائما على الحبال وفي الهواء الطلق، وفي الشوارع العامة.. إنه يقبض على الحياة أينما وجدت لينقلها إلى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا لتستير عورتها".
شعارات على جدران المخيم مفاتيح وأسوار
وانتقلت ظاهرة التعبير بالرسم والكتابة عن تطلعات اللاجئين بالعودة إلى فعاليات فنية أقيمت ليس بعيدا عن مخيمي قلنديا الأمعري جنوب مدينة البيرة بمناسبة الذكرى الـ65 للنكبة.
وفي مهرجان للرسم، انكبت الفتيات غصون مشرف اللاجئة من مدينة اللد وطيف سعيد اللاجئة من قرية لفتا وميرا معلا من المالحة قضاء القدس، على رسم مفاتيح ترمز لحق عودة اللاجئين إلى بيوتهم.
كما رسمت غصون على جدارية ضخمة فلسطين محاطة بسور كبير ويحاول اللاجئون تحريرها بهدم السور، واختارت صديقتها طيف رسم شخصية "حنظلة" الشهيرة لتعبر عن رفض الظلم كما قالت.
وذكرت ميرا معلا التي رسمت المفتاح الذي ما زالت جدتها اللاجئة شيخة معلا تحتفظ به إلى حين العودة إلى المالحة. وقالت إن أجمل ما تعرفه عن قريتها أنها "جميلة ونريد جميعا أن نعود إليها".
تعبير عفوي
ويرى الفنان التشكيلي رائد قرعان الذي يشرف على رسم جداريات "العودة" كما سميت، إن هذه الرسوم تمثل رسائل فنية عن أمل الفلسطينيين بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي هُجروا منها قسرا بنكبة 1948، وهي في النهاية نشرة عن واقع حياتهم.
وقال قرعان إن معظم تجارب الرسم هذه تخرج بصورة تجميعية تبرز حقوق اللاجئين وسواد المخيم وواقعه المؤلم المحاط بأشجار الصبر عادة، دون أن يهمل المشاركون بالرسم أسوار القدس والصعود إليها لتحريرها.
ووفق قرعان، فإن هذه الرسوم ترجمة لحياة اللاجئين العامة والخاصة أيضا، وهي نمط تعبيري عفوي وصادق عن الأماني والأحلام. كما أنها انعكاسات بسيطة غير معقدة لمعاناتهم لا تحتاج لشرح باللغة ويمكن للجميع أن يفهمها.
المصدر:الجزيرة نت