لاجئون يتهمون "الأونروا" بالتقصير والسعي لتوطينهم
منذ قطعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) عن اللاجئ بسام الدهيني الكوبونة الصفراء وهو يعتصم أمام مقرهم الرئيس في مدينة رفح، يحشد معه عشرات المواطنين المتضررين من انقطاع خدمة الوكالة التي يعتاشون عليها، خاصة وأنهم عائلات تعاني الفقر المدقع.
قال الدهيني والد الأطفال السبعة: "وكالة الغوث تغامر بجوعنا، فبعد أن قطعت عنا الكوبونة التي نحصل فيها شهريا على مبلغ مالي ومواد غذائية، اكتفت بإعطاء بعضنا مواد غذائية وتشغيل البعض في البطالة المؤقتة".
وتابع: "من المفروض أن تخدم الوكالة الفقراء من اللاجئين ولا تتسبب في زيادة الضائقة المالية لهم، وما تفعله وكالة الغوث هو زيادة الأعباء علينا لدفعنا إلى الحكومة الفلسطينية المحاصرة".
واقع مر
وأشار الدهيني إلى أنه وعشرات اللاجئين المتضررين من تقليص خدمات الوكالة احتجوا أمام مكتبها الرئيس في مدينة دير البلح وأغلقوا أبوابه بالسلاسل، فما كان من الوكالة إلا أن اجتمعَت معهم عبرَ مندوب لم يقدم لهم أو يؤخر شيئا.
وناشد "أهل الخير للاحتجاج من اجل مصلحتهم ومصلحة أولادهم"، وفق قوله، مضيفا: "إن لم تجد الوكالة معترضين على تقليصها المستمر لخدماتها ستواصل التقليص حتى تلقي عن كاهلها خدمة الكثير من العائلات الفقيرة".
وقارن الدهيني بين الفقراء اللاجئين وبينَ موظفي الوكالة الذين يحصلون على رواتب ضخمة، قائلا: "الموظف الكبير في الوكالة الذي يحصل على راتب يقدر بخمسة آلاف دولار كيفَ له أن يشعر بما يعانيه اللاجئون من تقليص الخدمات، إن كانوا لا يحتكمون على عشرة شواكل في اليوم الواحد".
اللاجئ خالد عليان واحد من الرجال الذين عملوا على نظام التشغيل المؤقت لدى الوكالة في وظيفة عامل نظافة، وهو ما يعرف بالبطالة، وحصلَ عليه بعدَ تقديمه لطلب بطالة ورغم شهادته الجامعية إلا أن الاختيار وقع عليه ليكون عامل نظافة.
وقال لـ"فلسطين": "هناك مشكلات في فرز البطالات لدى الوكالة، فهي تُشغل عددا محدودا من البطالات في غزة وعادة ما يكون اختيارها للوظائف خاطئا، فمثلا أنا خريج جامعي وعملت ثلاثة أشهر كعامل نظافة، وعندي أصدقاء عملوا في مجال الحراسة وهم من حملة الشهادات الجامعية كذلك".
ولفت أبو خالد (30) عاما أنه منذ تخرج من الجامعة لم يحصل إلا على فرصة بطالة واحدة من وكالة الغوث وان عائلته التي تصنف بأنها فقيرة لا تحصل على مساعدات عينية أو مالية من الوكالة.
مدرس المرحلة الابتدائية في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في وسط القطاع أبو عبد الله أكدَ أن عدد الطلاب في كل فصل سيزيد من طالب إلى خمسة طلاب في كافة مراحل التعليم التابعة لوكالة الغوث, الأمر الذي يوفر ما يقارب العشرين مدرسا.
قال أبو عبد الله الذي فضلَ أن نناديه بهذا الاسم المستعار خوفا على نفسه من التعرض لمساءلة من قبل إدارة الوكالة: "هذا القرار يعني أن الوكالة ستستغني عن ما يقارب العشرين فرصة تشغيلية من بطالات التعليم، وهي تدعي أنها تدعم تشغيل البطالات".
وأشار إلى أن كافة موظفي الوكالة ممنوعون من التصريح للإعلام في أي قضية كانت بعدَ التقرير الصحفي الذي أُعد عن دورات المياه في المراكز الصحية التابعة للوكالة، مشيرا إلى أن هذا المنع بحد ذاته مصادرة لحرية الموظفين في تصحيح أخطاء الوكالة أو إلقاء الضوء عليها.
حصار ضمني
رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" د.عصام عدوان أكدَ أن الأزمة المالية جزء من أسباب تراجع وكالة الغوث عن خدماتها إلا انه يمكن معالجتها لو لم تكن هناك أسباب أخرى، وفق قوله.
وأضاف د.عدوان: "(إسرائيل) تضغط على الولايات المتحدة لتقليص مساعداتها للأونروا، والولايات المتحدة أوقفت مساعداتها جزئيا، وكذلك كندا التي كانت تدفع 65% من ميزانية الاونروا، إضافة إلى إيقاف الاتحاد الأوروبي لمساعداته كذلك".
عدوان: "الأونروا" لديها توجه دولي بدمج اللاجئين في الدول المضيفة
واتهم الاونروا بأنها جزء من عملية التضييق على اللاجئين لأنها "لم تبحث عن حل بقدر ما استجابت للضغوطات وعالجت المشكلة بالتقليص من خدماتها فقط"، متابعا: "كان من الواجب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أن تبحث عن مصادر مالية أخرى أو أن تخفض نفقاتها الثانوية لا أن تخفض من المتطلبات الأساسية كمساعدات الفقراء".
وأشار إلى أن المال الذي تصرفه الوكالة على الألعاب الترفيهية والرحلات و"اللابتوبات" لطلبة المدارس مصاريف يمكن تحويلها للفقراء، لافتا إلى أن اللاجئين باتوا يظنون بأن إدارة الوكالة غير رشيدة ولديها النية لتهيئة الفلسطينيين لتقبل التراجع في خدماتها إيذانا بإيقاف الخدمات نهائيا.
واتهمَ د.عدوان الوكالة كذلك بأنها تحاصر حكومة غزة حصارا ضمنيا بقطعها لمساعدات 21 ألف عائلة لاجئة من المصنفة تحت مسمى "الفقر المدقع" الأمر الذي يضطر العائلات للجوء إلى الشئون الاجتماعية الخاصة بالحكومة مما يزيد أعباءها.
وأضاف: "ميزانية الوكالة سنويا تبلغ 650 مليون دولار في السنة، وما تصرفه على العائلات الفقيرة في غزة تبلغ ميزانيته 40 دولارا لكل لاجئ فقير جدا سنويا أي بقيمة 4 ملايين فقط، وهذا لا يشكل عبئا على ميزانيتها أبدا.
"فلسطين" في استطلاع رأي عام أجرته على عدد من المواطنين الذين سكنوا حديثا في منازل بنتها وكالة الغوث بعدَ هدمها لمنازلهم منذ عام 2005، تبينَ فيه أن المواطنين غير راضين عن تنصل الوكالة من الخدمات الصحية والبيئية في الحي السكني، خاصة وأنها ألقت مسئولية تنظيف الحي السكني على بلدية المنطقة.
أهداف بعيدة
د.عصام عدوان أكدَ أن وكالة الغوث وقعت عقودا مع سكان الأحياء التي تبنيها بأن النظافة مسئولية البلدية، لافتا إلى أن هذا التعاقد يعني أن الوكالة تتخلى عن مسئولياتها وتلقيها على عاتق الحكومة.
وتابع: "الوكالة تلقي بأعباء إضافية على المحاصرين فهي تشدد الحصار عليهم"، مستشهدا بأنها رفضت التعامل مع الاسمنت الذي يدخل عبرَ الأنفاق بينَ غزة ومصر وانتظرت سنوات طويلة حتى تسمح لها (إسرائيل) بإدخال مواد بناء عن طريق شركات إسرائيلية، بداعي أن ما يدخل عن طريق مصر غير شرعي".
وشدد على أن ظنون الناس اتجهت نحو مسئولين كبار في الوكالة تتهمهم بأن لهم مصالح شخصية مع أصحاب شركات الاسمنت الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بإضافة عدد الطلاب في كل فصل دراسي في مدارس الوكالة، قال د.عدوان: "أعلنت الوكالة في مطلع العام الحالي عن زيادة عدد الطلاب في كل صف من طالب إلى خمسة وهذه الزيادة وفرت 22 معلما في قطاع غزة وحده، وبالتالي كيف تقول الوكالة إنها إغاثة وتشغيل، فأين التشغيل إن هي تصرفت بهذه الطريقة؟".
وأعلنت الوكالة في وقت سابق بأن عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة بلغوا 32% من عدد سكانها، وهي تزيد العبء على القطاع، وفق قوله، مستشهدا بأنها منذ سنوات تهدف إلى عدم زيادة عدد العاملين لديها والذين بلغوا 12 ألف عامل، الزيادة التي تتناسب مع زيادة نسبة السكان، وهذا شكل من أشكال تقليص الخدمات بشكل غير مباشر، وفق قوله.
توطين
وإجابة عن سؤالنا: "هل تتوقع أن وكالة الغوث ستعلن خلال السنوات القريبة القادمة أنها ستنهي خدماتها في القطاع؟"، قائلا: "الوكالة لديها توجه دولي يقضي بدمج اللاجئين في الدول المضيفة، فهي منذ تأسيسها عملت على التوطين، ففي عام 1951 بعد تأسيسها بسنة، تقدم مفوضها بطلب مساعدة مالية كبيرة 250 مليون دولار للأمم المتحدة للعمل على توطين اللاجئين".
وتابع: "صرفت الأمم المتحدة المبلغ للوكالة ذلك الوقت لتوطين لاجئي قطاع غزة في منطقة قريبة من بور سعيد فاحتج اللاجئون ذلك الوقت وخرجوا في مظاهرات حتى أسقطوا المشروع".
وأشار إلى أن الوكالة ماضية في مشروع التوطين، فهي تبني لمن يهدم منزله في المخيم، منزلا آخر في مكان آخر وتلقي به للبلديات حتى تخدمه، وبذلك تزيح عن نفسها عددا من اللاجئين.
وقال: "فشل مشاريع التوطين لا يعني أن الوكالة غير متورطة في نوايا بهذا الشكل"، داعيا إياها إلى أن تدرك نفسها مبكرا قبل أن يصل الأمر باللاجئين إلى المطالبة بإقالة بعض مسئوليها الكبار.
ولفتَ إلى أن الوكالة تتبع أسلوب "المكر والخبث"، إذ قال رغم احتجاجات اللاجئين الدائمة إلا أن الاتجاه العام لخدمات الوكالة في تراجع، وهذا يعني أن الوكالة أعلنت اليوم عن وقف نهائي للمساعدات النقدية التكميلية للأسر الفقيرة وبدأت تحصل على تبرعات غير مستمرة، وتجتمع مع اللاجئين المحتجين حتى تشغلهم في البطالة، وبذلك توقف غضبهم مؤقتا حتى يفاجؤوا بعد توقف الفرص المؤقتة بأن المشكلة كما هي ولم تُحل".
أموال مشروطة..
الناطق باسم الأونروا عدنان أبو حسنة ردَ على الاتهامات التي نقلتها له "فلسطين" عبر الهاتف، بعدَ محاولات عديدة للتواصل معه، رد على تقليص الخدمات قائلا :" الأونروا قدمت مساعدات غذائية في هذه الفترة أكثر مما قدمته منذ بداياتها، إذ وصلت مساعداتها إلى 820 ألف لاجئ من مجموع مليون ومائتي ألف لاجئ".
وفيما يخص زيادة عدد الطلاب في المدارس قال أبو حسنة :" الوكالة تبني حاليا مائة مدرسة ستنتهي عام 2014، ما يعني زيادة في عدد الطلاب فكيفَ لها أن تقلص عدد الموظفين وتزيد عدد الطلاب في المدارس؟".
أبو حسنة: يشترط المانح في برامج الأونروا وجهة صرف الأموال
وأضاف: "قدمت الوكالة في برنامج القروض 15000 ألف قرض مالي في قطاع غزة فقط، وهي قروض لمشاريع صغيرة للعائلات المحتاجة، وكذلك أنجزت عددا من المشاريع داخل المخيمات وأعادت تأهيل وبناء البيوت الآيلة للسقوط".
وعن سبب تأخرها في إعادة بناء البيوت الآيلة للسقوط والتي هدمتها منذ عام 2005، قال أبو حسنة: "(إسرائيل) كانت تمنع إدخال مواد البناء، ووكالة الغوث باعتبارها مؤسسة دولية لا تتعامل إلا مع الطرق الشرعية في إدخال مواد البناء لذا هي لا تتعامل مع المواد المهربة من الأنفاق".
ولفتَ إلى أن الحروب المتكررة تضعف من خدمات الوكالة، قائلا :" الأونروا تواجه مشكلة مع الحروب لأنها تستنفد منها الكثير من الموارد، فمثلا عمليات الأونروا في سوريا استنزفت منها الكثير".
وتابع: "دفعت الأونروا لمساعدة 7000 أسرة فلسطينية تضررت منازلها جراء الحرب الإسرائيلية، وهي لم تكن قد شفيت تماما من آثار الحرب الأولى الأمر الذي كلفها مئات ملايين الدولارات".
وفيما يخص الاتهامات التي وجهت لوكالة الغوث بأنها تنفق الكثير على ألعاب الصيف والرحلات الترفيهية بدلا من تحويل الأموال للفقراء، قال أبو حسنة: "في برامج الأونروا يشترط المانح الجهة التي تذهب إليها الأموال، وألعاب الصيف تكلف 2 مليون دولار فقط وهي منحة من الحكومة الفنلندية لمشروع ألعاب الصيف وبرامج الترفيه، وإذا لم ننفذ البرنامج تسترجع الدولة المبالغ المالية التي دفعتها".
وأضاف: "لا نستطيع تحويل المال المشروط لشراء أدوية ودقيق، فنحن ملزمون بتنفيذ ألعاب الصيف وفق ما تصلنا من أموال".
إجراءات إدارية
أما عن ضم أقسام بعض الوكالة إلى الجزء الآخر، أكدَ أبو حسنة أن سبب ذلك إنشاء نظام أكثر فاعلية في الوكالة، وهو يندرج تحت بند "الترتيب الإداري الداخلي فقط" وفق قوله، لافتا إلى أن وكالته غير راضية عن إيقاف الحالات التي تتلقى مساعدات مالية مكملة، وتسعى بجهد لاستئناف البرنامج.
وأكدَ أن وكالته تستوعب الاحتجاجات التي نظمها المواطنون ضدها، قائلا: "أوضاع أهل القطاع صعبة، ونسبة الإحباط في غزة كبيرة فالبطالة تجاوزت الـ30%، والقطاع الخاص مشلول، فغزة مكان معقد وخطير، والناس تحول غضبها إلى الوكالة".
وشدد أبو حسنة على أن الأونروا ستواصل عملها في الصحة والقروض والتعليم وتقديم الإغاثات، وهي تتواصل مع اللجان الشعبية والشخصيات الاجتماعية لتصل وجهة نظرها إلى المستفيدين من خدماتها، وفق قولها.
المصدر: فلسطين أون لاين