"حكايات بين الأزقة".. معرض تراثي يحمل عبق الماضي
على وقع الأهازيج التراثية، والمواويل الشعبية تعانقت أيدي شبان يلبسون زياً تراثياً فلسطينياً ببعضها البعض، ورقصوا الدبكة الشعبية تحت خيمة مصنوعة من "الخيش" مفروشة بـ "البسط" مصنوعة بآلة النول اليدوية.
هكذا تبدو الصورة في معرض التراث الفلسطيني "حكايات بين الأزقة"، ضمن الأسبوع التراثي الفلسطيني الثاني قرانا الفلسطينية حضارة وعمارة، الذي أقامته الجامعة الإسلامية بغزة.
وفي الأروقة الأخرى للمعرض، تشكل الألوان والمجسمات والمقتنيات النحاسية والخشبية، والمطرزات الشعبية زوايا أخرى تروي قصص وتفاصيل الماضي.
الحاجة السبعينية أم محمد الغماري، إحدى المشاركات في المعرض، رسمت بيدها المرتجفة على قماش التطريز خارطة فلسطين من بحرها إلى نهرها، لتعرض منتوجاتها المطرزة ضمن زاوية "ثوبك يا ستي"، في مشهد يعكس مدى تشبث اللاجئين بحق العودة.
وقالت: "مع كل غرزة أتذكر أيام طفولتي عندما تعلمت التطريز اليدوي منذ صغري، عندما كنت أجلس مع جارتنا لتعلمني التطريز تحت شجرة الجميزة، حتى أصبحت أتقنه وأتفنن في تطريز العديد من المُنتجات كالثوب الفلاحي وعلب "المحارم" والشّنط وغيرها.
وتجسد الحاجة الغماري في كل عمل لها بلدة فلسطينية، وفي كل لون يحمل لبلدته مكانه، فاللون الأسود يجسد أهل غزة في عملهم وفلاحتهم، أما اللون الأبيض فيحمل معنى لأهل يافا والقدس وحيفا ونابلس باعتبارهم معززين ولا علاقة لهم بالعمل"، على حد قولها.
وأوضحت أنه بالرغم من عملها في التطريز كمصدر دخل إلا أنه يذكرها بالأيام الماضية، فهو يحكي تاريخ وعادات الشعب الفلسطيني ومدى تجذره بأرضه التي هجر منها عام 48، مؤكدة تمسكها بتاريخها وحفاظها على تراثها العريق، وترسيخ الحرف الفلسطينية القديمة.
ووجهت رسالة للجيل الجديد بأن يتمسك بتراثه وهويته، "من ليس له ماض ليس له حاضر، ومن ليس له تراث ليس له هوية ولا بلد"، مشيرةً إلى أهمية المعارض في تعريف الأجيال الجديدة بتراثهم لربطهم به.
أثريات قديمة
وفي زاوية أخرى، كانت الشابة الزائرة إسراء الصوفي تقف بجوار المقتنيات التراثية التي يطلق عليها مسمى "كردان"، التي عُرضت أمام الزوار لتحدثهم عن تاريخها.
وقالت: "يبدو من خلال العرض أن صاحب هذه الزاوية مولع باقتناء الأثريات القديمة ليعرف الجيل الشبابي عليها، لكنه يرفض بيعها، لأنها أكبر من أن تباع وتشترى بالمال".
وأشارت بيدها إلى زي المرأة الفلسطينية في التراث الفلسطيني واصفةً أنه ذو أصالة، وجمال، ويزيده ذلك عند تزينها (المرأة) بالحلي الفضية والكردان والخلخال والمكحلة، والذي يعود بعضها للملكة "ماريا تريزه" التي حكمت النمسا في القرن التاسع عشر، والبعض الآخر يعود للدولة العثمانية".
وأشارت الصوفي إلى أن هذه المقتنيات مرت عليها حضارات متتالية، فاقتناؤها بحد ذاته يرجعك للأيام الماضية، كما أنه يشعر الإنسان براحة نفسية.
وفي زاوية تراثية، يقتني المواطن الستيني منير الكباريتي قطعًا تراثية فلسطينية ثمينة ونادرة الوجود، من خشبيات وفخاريات وأحجار كريمة وأسلحة بيضاء، التي تعكس تاريخ الإنسان الفلسطيني ليس فقط أيام ما قبل النكبة، وإنما لحياة ما قبل آلاف السنين، وبعضها يعود للعصر العثماني.
وأوضح أن البحث عن أدوات الحرف القديمة والتي تجسد حياة الفلاح والإنسان الفلسطيني، كانت تشكل شغله الشاغل في ذهابه إلى أسواق القدس ليشتريها ويضعها في زاوية من منزله، فمن ضمن التراث الذي يقتنيه لوح الدراس الضخم الذي يعد من أهم الأدوات الحرفية التراثية.
ولفت الكباريتي النظر إلى أن البعض ينظر لهذه المقتنيات نظرة اللامبالاة، ويشعرونهم باستخفاف العقل بشرائهم، مضيفاً: "هذه جزء من حياتنا التي تعبر عن مكونات الماضي الذي هو امتداد للحاضر والمستقبل".
وأضاف: "التاريخ الفلسطيني من أهم الدراسات التي يجب أن يتثقف بها أفراد الشعب"، مبيناً أنه يجب على فلسطين بشكل خاص الاحتفاظ بالتراث وترجمته، الذي هو بحد ذاته رسالة للاحتلال الإسرائيلي المزور للآثار الفلسطينية.
أهداف المعرض
وفي السياق ذاته، استعرضت مشرفة ومنسقة المعرض، هيفاء الشرفا أهم أهداف المعرض ومنها توعية المجتمع بأهمية التراث الفلسطيني وبمفاهيمه المختلفة ، والتعريف بالتراث الثقافي عن طريق التعرف على الأنشطة والحرف وفنون الحياة وكسب الرزق، بالإضافة إلى التأكيد على الحفاظ على الموروث المعماري والتراثي عن طريق تجسيدها بالصور.
وأوضحت أن أهم نشاطات المعرض مسابقة "احكيلي عن بلدي" لطلبة المدارس، وضع بصمتك على العلم الفلسطيني، ونسج البساط التقليدي بالنول، والحفر على الصخر والجبس، وضع توقيعك على بلدتك الأصلية، وفقرات الدبكة بالخيمة التراثية.
المصدر: فلسطين أون لاين