متاحف خاصة في بيوت غزة
تسود قطاع غزة ظاهرة انتشار المتاحف الخاصة التي تعود ملكيتها لأفراد احتفظوا داخلها بآثار فلسطينية ثمينة تعود لعصور تاريخية متباعدة وضاربة في القدم.
ويكدس بضعة أفراد من غير المختصين في مجال الآثار آلاف القطع الأثرية داخل منازلهم التي حولوا أجزاء منها إلى متاحف خاصة يسمح لأي فلسطيني أو زائر لغزة الاطلاع عليها.
ويثني مسؤولون فلسطينيون على دور هواة جمع الآثار في المحافظة عليها وإخفائها عن أعين الاحتلال الإسرائيلي طول عشرات السنين.
ويؤكد صاحب مركز العقاد الثقافي للتراث والآثار والفنون وليد العقاد، أنه عمد إلى تأسيس متحفه في منزله قبل 35 عاماً خفية وخشية من وصول أيادي قوات الاحتلال إليها.
وأضاف أن ما عزز توجهه صوب إنقاذ الآثار والاحتفاظ بها هو رؤيته لوزير الدفاع الإسرائيلي إبان سبعينيات القرن الماضي وهو ينقب بنفسه بمناطق أثرية مختلفة من القطاع ويسرق منها ما يشاء من آثار.
العقاد يقول إنه جمع خلال 35 عاما 2800 قطعة أثرية
جهد ومال
وذكر العقاد أنه حاول منذ ذلك التاريخ بكل ما يملك من جهد ومال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إرث حضاري وتاريخي للشعب الفلسطيني في غزة.
وخلال 35 عاما استطاع العقاد -الذي يحرص على النوم إلى جانب الآثار بمتحفه- جمع 2800 قطعة أثرية، وفي انتظار أن تتبنى أي جهة فكرة إقامة متحف وطني بمدينة خانيونس كي ينقل إليه كل ما يملكه من آثار.
أما زميله مروان شهوان (46عاما) -الذي كان يصمه بعض الناس بالجنون لشدة ولعه بجمع الآثار- فتمكن من جمع أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية.
وأكد أن حبه لجمع الآثار والمحافظة عليها نابع من إيمانه بضرورة المحافظة على هوية الشعب الفلسطيني وإنقاذ إرثه التاريخي من الاندثار.
وفي هذه الأيام يأسف شهوان -الذي أقام متحفاً خاصاً به في قبو منزله- لتراجع همته في البحث وجمع الآثار بفعل ضعف وضعه المادي وزيادة إنفاقه على أبنائه الذين بدؤوا يدرسون في الجامعات.
قطع نقدية مبين عليها تاريخها وعصرها
لوم.. ترحيب
ويلوم شهوان على المسؤولين الفلسطينيين قلة اهتمامهم بالآثار والحث على جمعها والمحافظة عليها، مرحباً بفكرة إنشاء متحف وطني ووضع ما لديه من آثار في هذا المتحف ليكون بمقدور الأجيال الاطلاع عليها وإدراك قيمتها.
ويقول مدير دائرة المتاحف بوزارة السياحة والآثار في الحكومة المقالة أسعد عاشور إن غزة لم تشهد أي هيئة فلسطينية تهتم بالآثار قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، وكانت آثارها قبل هذا التاريخ تحت طائلة الاحتلال يعبث فيها كيفما يشاء.
وأضاف أنه قبل قدوم السلطة الفلسطينية نشط مواطنون مهتمون بجمع الآثار وجمعوا آثارا وتحفا منقولة في بيوتهم، معتبراً ذلك الجهد عملاً مشكوراً جداً لعظم أثره في المحافظة على آثار غزة في الوقت الذي كانت فيه عرضة للنهب والتدمير، وتتناقلها الأيدي وتشترى وتباع بدون ضابط.
وأشار إلى أنه بفضل ما بذله هؤلاء النفر من مال وجهد نجحوا في المحافظة على آلاف القطع الأثرية التي تعرض حالياً في بيوتهم الخاصة.
جانب من متحف العقاد تظهر فيه أعمدة وتيجان
ثناء
وأثنى المسؤول الفلسطيني على جهد هواة جمع الآثار والاحتفاظ بها في بيوتهم، لأن منطقة غزة -وفق رأيه-غير مستقرة سياسيا وتتلاطمها الإشكاليات وتنتقل من ثورة إلى ثورة ومن انتفاضة إلى انتفاضة، وهو ما ينجم عنه فراغ أمني يتسبب في المس بالآثار.
وأوضح عاشور -وهو مختص بعلم الآثار- أن وزارته عمدت إلى تسجيل وتصوير وتوثيق القطع والمجموعات الأثرية بالمتاحف الخاصة التي تبلغ نحو خمسة متاحف بيتية كي تبقى محفوظة عندهم كأمانة للشعب الفلسطيني لحين إصدار قانون ينظم عملية اقتناء الآثار.
وأوضح أن أصحاب المتاحف الخاصة يملكون آثارا رخامية وقطعا نقدية برونزية ونحاسية وفضية وذهبية وتحفا فخارية وأحجارا منقوشة نادرة تعود لفترات وحقب تاريخية بدءاً من العهد اليوناني ومروراً بالروماني والبيزنطي وانتهاء بالإسلامي.
وذكر أن الكثير من التحف الأثرية لا تملك الوزارة مثلها لأنها جديدة العهد بالآثار، مقدراً حجم ما يملكه جامعو الآثار بأكثر من 50% من مجمل ما تملكه الحكومة.
المصدر: الجزيرة نت