أم خالد.. رحلة عذاب يومية وصولاً للركن في باب العمود
بالكاد اقتنعت بالحديث معنا.. وبالكاد وافقت على أن نلتقط لها ثلاث صور وهي تحتضن ما حملت في صبيحة يومها من خضار لتبيعها في باب العمود.
لم تشأ أيضًا أن تُعرف باسمها، لكنها وافقت أن تحدثنا عن رحلة معاناتها اليومية من بلدتها في محافظة بيت لحم، مرورًا بالحواجز والمعابر والطرق الفرعية والوعرة قبل أن تصل إلى القدس سعيًا وراء لقمة عيش أسرتها.
اخترنا لها اسم "أم خالد".. عجوز فلسطينية في العقد السادس من عمرها.. قررت أن تتواصل مع مدينة القدس المحتلة منذ خمسة عشر عامًا.. تبيع وتتسوق وتلتقي بأهل هذه المدينة التي حولها الصهاينة إلى سجن، ومنعوا من هم في أكنافها من حملة البطاقة الخضراء من دخولها إلا بتصاريح.
تعيل "أم خالد" أسرة مكونة من ثمانية أفراد وزوجها تاسعهم، كهل في الثانية والسبعين من العمر، أقعده الكبر بعد أن كان يرافقها في رحلة عملها ومعاناتها اليومية.. وبالتالي باتت هي مضطرة للعمل دون "أبو خالد" كي تعيل أو تساهم في إعالة أفراد أسرتها بما في ذلك تلبية احتياجات أحفادها الصغار بعد أن تقطعت السبل بأبنائها وانقطعت عنهم الأعمال، فما عاد باستطاعتهم الدخول إلى أماكن عملهم في القدس أو إلى ورش البناء في الداخل الفلسطيني.. بينما يذهب الجزء الأكبر مما تجمعه من مدخرات عملها لتغطية الرسوم الجامعية لنجلها (وليد)، ولنجل آخر هو (محمد) قد يلحق بشقيقه الأول على مقاعد الدراسة الجامعية بعد أن ينتهي بنجاح من امتحان الثانوية العامة.
رحلة شاقة
"أم خالد" التي بدت منشغلة وهي تحدثنا، كانت وصلت للتو إلى ركنها المفضل في "باب العمود".. ولم يفتها الحديث عن رحلة العذاب اليومية بدءًا من خروجها من المنزل بعد صلاة الفجر، وأحيانًا قبل ذلك وفق جدول مواعيد يحددها السائق الذي سينقلها ومجموعة من نساء القرية والقرى المجاورة في ذلك اليوم متجاوزًا بهن عوائق الاحتلال وحواجزه، وفي أحيانًا كثيرة يلقي بهن عند أحد الحواجز لينقلن في سيارة أخرى، وتتكرر العملية عند أكثر من حاجز إلى أن ينتهي بهن المقام في القدس.
لكن الوصول إلى "باب العمود " ليس مضمونًا في كل الأيام.. ففي مرات كثيرة تُضبط "أم خالد"، وقبل أن يتمكن منها جنود الاحتلال تترك حمولتها وتفر ليستولي عليها الجنود.. وقد تنجح في إخفائها مرات لتعود وتستعيدها بعد أن تخلو المنحدرات الوعرة ممن يطارد سيل البشر المتدفق إلى القدس سعيًا لبلوغها إما وراء لقمة العيش، أوللعلاج في مشافيها؛ ومن يعانده الحظ، قد يسقط في قبضة الجنود فيلقى نصيبًا من الضرب ركلاً أو بأعقاب البنادق، أو أن يصده الجدار فيهوي لتتكسر عظامه على صخور الأرض في "حي الزعيم"، أو أن يعاجله رصاص الجنود من بعيد أو من مسافة صفر، فيرتقي شهيدًا ويصطبغ تراب القدس بالقاني من دمه.. يدق جدار الموت عند بوابات القدس العتيقة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام