الحياة الاجتماعية:
كان الناس في الأمسيات يسهرون أما في بيوتهم مع أهاليهم أو في دواوين أقامها المقتدرون يعدون لها بدق القهوة في المهباش فيتدارسون ويتبادلون الأحاديث ويشربون الشاي والقهوة السمراء. وكان للموقد في ليالي الشتاء شأن وأي شأن، يتحلق حوله الأهلون يؤزون ناره بالحطب الجزل ويتبادلون الحكايات والطرائف ويقصون الأساطير بينما الأطفال ملقون آذانهم إليهم مصيخين. حتى إذا ما طلع النهار إنبث الناس من كل صوب تجاه المزارع والحقول : هذا يحرث وهذا يبذر وذلك يزرع وذلك يحصد وهلم جرا... وبادر الطلاب بخطاهم السريعة صوب المدرسة لحني العلم وقطف المعلومات. وكانوا جميعهم يصلون الصلوت الخمس لا يتوانون عن أدائها ولا تفوتهم الصلاة الوسطى ولا صلاة الفجر، ولذلك كان الله يبارك لهم في سعيهم ويكافئهم على نشاطهم بإسباغ النعمة عليهم وبمنحهم راحة البال.
كان البيت بسيطا رحبا يقام على دونم من الأرض أو دونمين، ساحته الخارجية من تراب لا يوجد فيها زرع ولا نبات إذ كان للفلاحين إكتفاء من ذلك في مزارعهم وبساتينهم ثم لأن ذلك لا يتسق مع وجود الحيوانات. وكان البيت محاطاً بسور عال بحيث يتمكن أهل الدار من الحركة بحرية داخل البيت. وكان يتصدر الدار بيت واسع مبني من الحجارة والطين لا تقل مقاييسه عن عشرة في ثمانية في ستة أمتار. بابه من خشب وله مصطبة مرتفعة ينام عليها الأب والأم وسائلا الأبناء. وكان ما بين الباب والمصطبة فسحة متدنية ذات مذاود ترقد فيها الأبقار الشغَالة مستأئرة بالإهتمام والشرب والطعام. وغالبا ما كان في البيت نافذة بقربها مصطبة أخرى صغيرة تطل على أجواء الدنيا يروق للمرء أن يضطجع عليها أو أن يجلس أو يسترخي سواء في الليل أو في النهار. أم سقف البيت الواسع فكان مبنياً من الخشب وسيقان الشجر ومطيناً في أعلاه بالطين والتبن بحيث يستطيع لأن يقاوم تقلبات الطقس وهطول الأمطار. وفي جانب البيت من أسفل كانت كوة صغيرة مختصة بالقنديل الذي يضاء بالزيت حتى لم يكن أيامها كهرباء. وفي ركن منه كانت تكأة خصيصة بإحتواء جرار مملوءة دائماً بالماء العذب الفرات. وفي جانب آخر متعالٍ من البيت كان غالباً ما توجد خزنة صغيرة مكشوفة تخزن فيها فيها جرار الزيت التي يكفي ويتها الطازج مؤونة الصيف والشتاء. وعند أسفل هذه الخزنة كان يوجد باب صغير يؤدي إلى مخزن واسع ملحق بالبيت يستوعب كل منتوج الفلاح من القمح الذي يحتاجه للخبز طيلة أيام العام. وفي جانب آخر من البيت وعلى مقربة من الباب كانت مقامة خابية تتسع لكيسين أو ثلاثة من الطحين لها فتحة واسعة من أعلاها لكي يصب فيها الطحين ذات غطاء محكم من الخشب، كما أن لها في أسفلها فتحة صغيرة مرتجة لا تفتح إلا عندما يراد إستخراج الطحين.
الحرف والأدوات:
كان صانعو الأحذية كثيرين في القرية نذكر منهم شحادة موسى الخضر وأولاده وعبد الله الحماد وأولاده وقاسم العيد ويوسف القاسم وخالد القاسم ولآخرين غيرهم.
وكان في القرية حلاقون بسيطون يحلقون للرجال والصبيان. ولم تكن محلاتهم مؤثثة ومزخرفة كما هي الحال اليوم بل كانت تقتصر على كرسي وطاولة ومرآة وشيء من الأدوات. منهم عيسى العصفور وحسن أبو حمد ومصطفى أبو زبن وأحمد الرضوان وسعيد خالد عبد القادر ومرشد مصطفى الأحمد. وكانت مهنة البناء مربحة إذ كانت القرية بحاجة للبنائين بعد تكاثر الأبناء المتزوجين الذين لم يكن لهم يد من بناء البيوت نذكر منهم أحمد المرعي وأحمد البلعاوي ومحمد أبو عطا وأحمد الطنيب وعقاب البلعاوي ومحمد الريشان وعبد الرحمن أبو الرقطي وشحادة المرعي ومحمود المقبل الذي يشهد له بناؤه مسجد القرية ومدرسة الطنطورة بالمهارة والإتقان.
هذا وكانت هناك مهنة التجارة سواء في الدكاكين الثابتة أو لدى الباعة المتجولين. فمن النوع الأول كان علي أبو عباس وسعيد محمد الإبراهيم وأحمد الرضوان وسعيد خالد عبد القادر وسعيد العوسج وأحمد الترهة وأحمد أبو خالد ومصطفى أبو زبن وحسن الصالح وحسن أبو حمد وأحمد الشعبان وإبراهيم الطاهر. ومن النوع الثاني كان إبراهيم يحي العميص الذي مع كونه صاحب دكان إلا أنه كان يقوم بالتجوال في بعض الأحيان.
الكلية، كما أن البعض الآخر كانت له خبرة في إستخراج الفحم في المشاحر مما أدى لإجتثاث كثير من الأشجار الحرجية المحيطة بالقرية، وإن كان مصنع المكلس قد أنشئ في السنوات الأخيرة التي سبقت الهجرة في عرق جبل أم الطوس على مسافة من القرية. من بين هؤلاء المهرة كان محمد أبو الجعض وإبراهيم الشيخ علي وعلي الجدعان غيرهم كثيرون.
وحرفة أخرى مهمة كانت في عين غزال لا بد من الإتيان على ذكرها هي حرفة عصر الزيتون، فقد كانت هنالك معصرتان إحداهما قديمة تخص عثمان عبد السلام والثانية حديثة تخص محمود المقبل وهاتان المعصرتان كانتا كافيتين للقيام بمهمة عصر جميع الزيتون في القرية.
كان هناك حداؤن ماهرون أجلاء، يحترمهم الناس ويعجبون بهم، فهم عنهم ورثة الشعراء والأدباء. كان يلتيقي في زفة العرس منهم إثنان يبدأ هذا فيجيب ذاك متحدياً إياه في المعنى والقافية والأوزان. وكنا نعجب بهم جداً لما أوتوه من قوة عارضة وبديهة تذكر أننا بعصورة إرتجال الشعر أيام الجاهليين. لذلك كانوا محترمين غاية الإحترام. نذكر منهم من أهل القرية يوسف عبد القادر الملقب بالزعلي ومن خارجها الريناوي والعراني وغيرهما.
كان أهل بلدنا سنين مغرقين في السنية. وكان الشيخ نمر الخطيب إمام جامع الإستقلال في حيفا يأتي إلى القرية على فترات، فيتألب عليه شيوخها وشبابها يستمعون لوعظه وإرشاده.
كذلك فقد شكل أهل القرية في تلك الأثناء لجنة كان لهدف منها الحفاظ على تعاليم الدين وعدم الهروج عن جادة القيم والأخلاق. أذكر من بين أعضائها: محمد إبراهيم الصالح والشيخ مفلح السعد ومسعد الصعبي وشحادة الخضر وعلي أبو عباس وعثمان عبد السلام والحاج أحمد العصفور ومحمد العصفور وراجح الجدعان وعبد القادر أبو زليخة ويوسف أبو محمود. هذه اللجنة كان من بين ما نفذته إقامة الحد على المثاونين يالشعائر والخارجين عليها كالذن لا يصلون أولا يصومون أو يشتمون الدين.
وكان من أحسن القارئين للقرآن في القرية الحاج محمد إبراهيم الصالح الذي كان عندها يرتل الأيات في المسجد ترى الناس كلهم خاشعين مستعبرين كأن على رؤوسهم الطير، إذ له صوت إذا سمعته حسبته أوتي مزماراً من مزامير داود أو ترنيماً من ترانيم أبي موسى الأشعري أو محمد رفعت0
من بين المتفقهين في الدين كان هماك من المسنين الشيخ مفلح السعد ومحمد الإبراهيم وعلي أبو عباس والحاج أحمد العصفور وعثمان عبد السلام والحاج شحادة الخضر هذا بالإضافة إلى نخبة من الشباب اليافعين الذين تعلموا في الأزهر والجزار وكانوا ينادون بإنتشار العلم وزيادة المتعلمين.
الألعاب:
كان للصبيان في عين غزال ألعاب كثيرة يتسلون بها ويقضون بها أوقاتهم. فكان منها في المدرسة أنواع مختلفة كالركض والقفز العالي والعريض وشد الحبل وسباق الثلاث أرجل وسباق الأكياس والبطاطا. ففي لعبة الثلاث أرجل يشارك في كل فريق ولدان بحيث تربط رجل أحدهما اليمنى إلى رجل الآخر اليسرى. وكذلك يفعل الفريق الآخر. فإذا صفرت الصافرة إنطلق الفريقان وكأن كلاً منهما يمشي على ثلاث أرجل فقط. وكان ذلك يستدعي التعثر والوقوع والصعوبة في التحرك فمن وصل الهدف ألا فاز بقصب السبق. أما التسابق بالأكياس فكان يتم بأن يدخل المتسابق نصفه الأسفل داخل كيس ويربط الكيس من أعلاه برباط وثيق. فعندما تعطى الإشارة ينطلق المتسابقان نحو الهدف بسرعة تجلب عليهنا المتاعب والأخطاء من تعثر ووقوع يسببان الضحك والسرور فمن إجتاز المسافة المقررة أولاً عد فائزاً. وكانت لعبة البطاطا تتم بوضع حبة بطاطا في جوف ملعقة. فإذا شرع اللاعبان في المشي صوب الهدف أدت السرعة بهما إلى أن تقع حبة البطاطا من داخل الملعقة إلى الأرض. فالذي تكون أخطاؤه أقل يكون جديراً ، يصل الهدف أولا ويعد عندها منتصرا. أما شد الحبل فكان يشكل فيه فريقان متساويا في العدد ويؤتى بحبل يمسك كل فريق منه بطرف بحيث يكون منتصفه عند نقطة البداية.
وعندما تصفر الصافرة يشد كل فريق بالحبل ما أمكنه محاولاً جذب الفريق الثاني إلى جهته، فأي الفريقين إستطاع زحزحة الآخر كتب له الفوز.
في غضون ذلك كله كانت عين غزال قرية بسيطة متواضعة تأتي ببضائعها من حيفا، وتستورد ما تحتاجه من مؤن وملابس ومعدات فتبيع ذلك في دكاكين صغيرة وقد يقوم بذلك الباعة المتجولون. لم يكن هنالك متاجر ضخمة ولم يكن هنالك مكاتب للإستيراد كانوا يأتون ببضائعهم بالسيارات، وكان بعض الباعة من اللبنانيين الذين يغلب عليهم لقب ( البراجوة ) يجوبون الحارات بدوابهم المحملة بالأقمشة والملبوسات فتتجمهر عليهم النساء يساومن ويشترين ويقايضن، وكان من أشهر هؤلاء الباعة إبراهيم يحي العميص الذي كانت له من ذلاقة لسانه وفرط أمانته شعبية واسعة بين النساء. وكان من أشهر تجار الدكاكين مختار القرية عبد القادر أبو زليخة وشريكه علي أبو عباس وكذلك سعيد محمد الإبراهيم وأحمد الرضوان وسعيد خالد عبد القادر وسعيد العوسج وأحمد الترهة وأحمد أبو خالد وحسن الصالح وحسن أبو حمد وأحمد الشعبان وإبراهيم الطاهر..
ومنهم من كان يتاجر بالأجبان والألبان والحليب إلى حيفا مثل حسين، السعد وحسين أبو خالد اللذين كانا يتعاملات مع تاجر من حيفا يدعى يونس باعيير، ومنهم من كان يتعامل بتجارة الجلود المملحة كيوسف أوب محمود الذي كان يصدرها إلى حيفا.
هذا وكانت عين غزال في تلك الأثناء تقوم بصناعات تقليدية بسيطة تشمل ما يلزم أهلها في حياتهم وأعمالهم. فكان الناس يقومون بإنتاج زيت الطعام وكافة منتجات الألبان من حليب ولبن ولبنة وقشطة وزبدة وسمن وأجبان بلدية طرية. وكانو ينتجون الأشتال والأغراس، ويقومون بتربية النحل والدواجن وإنتاج لوازمها البدائية. وكانوا ينتجون كذلك الأدوات المنزلية الحديدية من محاريث ومذارٍ وشواعيب وسكاكين وفؤوس وما إلى ذلك. وكانت النسوة يقمن بعمل الأطباق من القش وكذلك المشاكيل ولبقبع والسلال، كما كن يعملن من الحلفاء الحصر. وكان بعضهَن يقوم بالتطريز والخياطة والغزل ونسج بعض الأبسة الصوفية. أما صناعة الأحذية فقد بز حذَاؤو عين غزال أقرانهم من أهالي القرى المجاورة فيها حتى أن أهالي إجزم وجبع وكفرلام والصرفند وغيرها كانوا يجيئون إليهم من قراهم كي يستفيدوا من مهارتهم ويشتروا ما يلزمهم من الأحذية ومن بين الحذائين المهرة كان عبج الله الحماد وأبناؤه وقاسم علي السعيد وموسى خضر الشحادة، وغيرهم كثيرون ممن مرَ ذكرهم في باب المهن من الفصل الثالث.
كل من سعيد عبد الحق والحاج حسن العصفور وصالح العميص وأحمد الترهة ويوسف شحادة وخالد الحسن يمتلك سيارة خاصة به.
المصدر: كتاب "عين غزال-كفاح قرية فلسطينية
محمد راجع جدعان