قبل أكثر من ثمانية عشر عاماً وفي نفس اليوم ونفس الفجر وقعت مذبحة في الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، راح ضحيتها أكثر من 30 شهيداً.
ويستذكر الفلسطينيون في الخليل المجزرة الصهيونية التي ارتكبها مغتصب يدعى "باروخ غولدشيتاين" في الخامس عشر من رمضان عام 1994م، وقتل عقبها بما توفر للمصلين من أدوات يدافعون فيها عن أنفسهم، وتم تقسيم المسجد من قبل ما عرفت بـ "لجنة شمغار" التي خصصت الجزء الأكبر منه للمغتصبين، وشددت من التفتيش على المسلمين.
وقبل سنوات كان الحرم الإبراهيمي عبارة عن ثكنة عسكرية لا يصلها إلا القليل من الفلسطينيين، بسبب الحواجز الكثيفة المقامة على مداخله والبلدة القديمة، بالإضافة لحالات الاعتقال والقتل والاعتداء التي مازالت متواصلة من جنود الاحتلال .
ومن خلال مبادرات محلية عادت الروح إلى حرم الخليل، حيث بات لا يخلو من المصلين بشكل دائم في أيام رمضان وغيرها، من خلال دعوات مختلفة من جهات أهلية وإعلامية، واليوم عادت للبلدة القديمة بشكل جزئي جمالية رمضانها رغم مواصلة مضايقات الاحتلال.
ويقول المواطن "شعبان النتشة" من المجاورين للحرم إنه فقط خلال العام الماضي بدأت الحياة بالعودة للحرم المهجور قسرا، مشيرا إلى أن ذلك كان بالتشجيع والمبادرات التي أعادت نسبة كبيرة من مصلي المسجد وخاصة في صلاة الفجر التي ارتكبت فيها المجزرة قبل سنوات.
ويضيف أن ما جرى من مجزرة في ذلك الوقت أثر على الناس، حيث مازالت ذاكرة الخليل منتعشة بأحداث المجزرة والشهداء الذي سقطوا أيضا على مداخل المستشفى الأهلي بالمدينة وعلى بوابات المقابر حيث كان يدفن الشهداء .
ويستذكر أن الخليل عاشت في ذلك الوقت أكثر من ثلاثة أشهر في منع التجوال المتواصل بأمر عسكري من سلطات الاحتلال، وشهدت حالة من الفقر، لكن ذلك لم يكن سوى خطوة في مخطط بات اليوم أكثر وضوحا بتهويد الجزء الأكبر الجنوبي منها.
ولكن أبو لؤي الذي دخل السبعين من عمره، يستذكر أن الحرم في ذلك اليوم كان مليئا بالمصلين وحدثت المجزرة، وكان له أحد الأقارب الذين أصيبوا فيها، وآخرين ممن يعرفهم شهداء، وحضر إلى صلاة الجمعة في هذا اليوم بالتحديد ليحي ذكراهم على طريقته بقراءة الفاتحة على قبورهم، والصلاة حيث كانوا يسجدون واستشهدوا، رغم أن منزله بعيد عن المدينة.
ويشير أن المجزرة لن ينساها أي فلسطيني أو مسلم، ويقول :" مجزرة في مسجد ووسط رمضان لها دلالات مازالت واضحة بسرقة المسجد والمكان، واليوم نعود من جديد لنؤكد أن المسجد لنا، وصلاتي هنا اليوم لها معنى أكثر من أي جمعة أحضر فيها".
ويضيف :" أعلم أن الصلاة في الحرم هي كالصلاة في أي مسجد عادي من ناحية الأجر الرباني، لكن معركتنا التي نأجر عليها هي الوصول للحرم وإقامة شعائر الله فيه حيث يغيظ هذا أعداء الله اليهود ".
وحتى اليوم مازالت حواجز الاحتلال على الحرم الإبراهيمي ومضايقاته متواصلة، ووفق أخر إحصائية لأوقاف الخليل فقد منع الأذان في الحرم خلال شهر تموز الماضي فقط أكثر من 50 وقتا، بدعوى عدم إزعاج المغتصبين.
كما أصيب واستشهد العشرات على مداخل الحرم خلال انتفاضة الأقصى، بحجج صهيونية مختلفة، كان أخرهم شاباً من بلدة حلحول أصيب بجراح خطيرة بدعوى محاولته طعن جندي قبل أقل من شهر، واعتقل المئات، كانت أخرهم فتاة تبلغ من العمر 15 عاما هي "هديل أبو تركي"، وزعمت سلطات الاحتلال أنها حاولت طعن جندي.
ومع ذلك فمن يزور حرم الخليل اليوم، ويحضر صلاة الجمعة يرى فيه عشرات الآلاف الذين تدفقوا من كل المحافظة، وتقدر أوقاف الحرم أن الجمعة الثالثة من رمضان التي تصادفت مع ذكرى المجزرة حضرها أكثر من اثني عشر ألفا، واكتظت ساحات الحرم والشوارع المحيطة بالمصلين، رغم انتشار قوات الاحتلال.