مدينة صفد
موقع صفد في فلسطين التاريخية
صفد هي من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، تقع في الجليل، شمال فلسطين تطل المدينة على بحيرة طبريا ومرج بيسان الواقعين إلى الجنوب الشرقي منها وعلى جبل الجرمق إلى الغرب. تبلغ مساحة المدينة 29.248 كم2، ويقطنها اليوم حوالي 28,000 نسمة - معظمهم من اليهود، بعد تهجير أهلها العرب في حرب 1948.
الموقع
تقع في الجليل الأعلى، عند التقاء دائرة العرض 32,58 شمالاً وخط طول 35.29 شرقا، تبعد 29 كم عن الحدود اللبنانية، وهي ذات موقع استراتيجي. حرصت جميع الغزوات الأجنبية على السيطرة عليها، نظراً لوقوعها على الطريق الواصلة شمالاً إلى دمشق، ولكونها، في بعض الأحيان، عاصمة للجليل، بالإضافة إلى أهميتها التجارية، فقد كانت في الماضي محطة من محطات البريد بين الشام ومصر.
تاريخها
تم العثور خلال الحفريات الأثرية حول قلعة صفد (برج اليتيم) على بقايا عمرانية من العصر الحديدي وعلى مدافن من العصر البرونزي. لا تذكر المدينة في المصادر القديمة، فلذلك يبدو أنها كانت بلدة صغيرة في عهود ما قبل الميلاد سنة 1140م احتلها الصليبيون وأقاموا فيها قلعة صفد الشهيرة، التي كانت تسيطر على شمال الجليل، وطريق عكا، وطريق دمشق. سنة 1188م استولى عليها صلاح الدين الأيوبي. سنة 1240م تنازل عنها الصالح إسماعيل صاحب دمشق، إلى الصليبيين ك"عربون صداقة"، وتحالف ضد الصالح أيوب في مصر، والناصر داوود في الأردن. سنة 1266م استردها الظاهر بيبرس المملوكي. أعاد الصليبيون تحصين المدينة في القرن ال12 للميلاد وسقطت بيد بيبرس في 1266.
في مطلع أيار عام 1948 كان اليهود قد سيطروا على قريتي عين الزيتون وبيريا وقد نجحوا بذلك بكسر الحصار العربي على الحي اليهودي في صفد، وتحويل الوضع إلى وضع معاكس، بحيث أصبحت الأحياء العربية هناك تحت الحصار. وفي ظل هذه الظروف كان أمر سقوط صفد هو مسألة وقت ليس إلا خاصة إزاء الإصرار اليهودي على ذلك وذلك تمهيداً لبسط السيطرة اليهودية على الجليل الأعلى بكامله.
ودخلت القوات اليهودية صفد بسبب العوامل التالية: أولا:
1- نقص السلاح والافتقار للخبرة على استعمال السلاح وعلى القتال (نتيجة الحظر والعقوبات الرادعة التي كانت مفروضة من قبل قوات الانتداب) أدى لسماح أهالي صفد بأن يأتي آخرين من خارج المدينة ليقودوها لهزيمة عسكرية بلا قتال، وهزيمة معنوية أدت للنزوح عنها وتقديمها هدية مجانية لليهود.
2- كانت الصهيونية العالمية (مؤيدة بالقوى الغربية ومنها دولة الانتداب) تعد العدة، منذ مطلع القرن العشرين، لطرد أهالي فلسطين وإنشاء وطن قومي لليهود. لذلك تم تحصين المدن والمستعمرات اليهودية، واستقدم المقاتلين اليهود من مختلف أنحاء المعمورة، وتم تشكيل وتدريب وتسليح جيش الهاغاناه وعصابات الأرغون وشتيرن، وأشرك في الحرب العالمية الثانية لواء يهودي تدرب على القتال وعاد إلى فلسطين بكافة أسلحته.
3- لم يجر من الجانب العربي، لا داخل فلسطين ولا خارجها أي استعداد للمعركة. يؤكد هذا ما جاء في الموسوعة الفلسطينية " ثانيا:
دور قيادة جيش الإنقاذ في سقوط صفد: 1- بعثرت تلك القيادة قواتها بعيدا عن صفد والقوات اليهودية بدلا تعزيز دفاعات قرى بيريا وعين الزيتون والعمل الجاد لاحتلال عين زيتيم لفك الحصار عن صفد ولإحكام الطوق على الحي اليهودي والسعي لاحتلاله. نتيجة هذا التقاعس قامت القوات اليهودية باحتلال عين الزيتون وبيريا وبذلك فكت الحصار عن الحي اليهودي وأحكمت الحصار على صفد وبادرت بالهجوم تلو الهجوم بهدف احتلالها. 2-إدّعت تلك القيادة بأنها قد أعدت خطة للهجوم بتاريخ 9 أيار ليقال أن القيادة كانت جادة في سعيها لمنع سقوط صفد وفيما يلي الشواهد على أنّ واضعيها لم يكونوا جادين في تنفيذها:
2- أ -إنّ الخطر كان قادما من الشمال الشرقي للمدينة وكان من المفروض السعي لفك الحصار المفروض عليها أو مشاغلة العدو وتخفيف هجماته على صفد وليس حشد قوات جيش الإنقاذ غربا في الصفصاف وميرون بعيدا عن القوات اليهودية. ب- تم تعزيز القوات المرابطة بصفد بسرية يقودها عز الدين التل والذي أفاد بأنه ليس لدى أفرادها أي خبرة على القتال أو استعمال السلاح. فهل ينبئ هذا بصدق النية على الدفاع أو الهجوم؟ 3- تمتعت صفد بمناعة لم تتوفر لأي منطقة فلسطينية أخرى بدليل نجاح أبناء صفد ومتطوعين سوريين بقيادة الملازم إحسان كم الماذ باحتلال كافة مراكز البوليس البريطاني فور رحيلهم عنها وصدوا كافة الهجمات اليهودية مما ينفي إدعاء تلك القيادة بأنها سقطت نتيجة هجوم يهودي. وفيما يلي الدلائل على زيف هذا الإدعاء: 3-أ-ادّعى ضباط جيش الإنقاذ أنه قد أوكلت مسؤولية حراسة المواقع الأمامية ليلة 11 أيار لأفراد سرية يؤكد ضباطها أنهم لا يجيدون استعمال السلاح وليس لديهم خبرة على القتال ويقاسون من حمى التطعيم ضد التفوئيد، وأنهم سلموا تلك المواقع فور وصولهم وأنّهم فروا من المواقع الدفاعية نتيجة هجوم يهودي خفيف. إذا كان ذاك الإدعاء صحيحا فهو يشير إلى تواطؤ أولئك الضباط مع العدو لتسهيل مهمته في احتلال المدينة. لكن الشواهد التالية تدل على إن أولئك الضباط نشروا ذاك الإدعاء لتبرير انسحابهم من المدينة مما أدى لسقوطها كما أدى لتسهيل احتلال ما تبقى من شمال فلسطين. 3- ب-أفاد حجو مصطفى خرما (الذي كان ورفاق له من صفد معززين بمتطوعين سوريين موكل لهم الدفاع من مركز الدفاع الهام المقام في دار المرعشلي وهو نقطة أمامية هامة شرق القلعة باتجاه حارة اليهود) أنّ القوات اليهودية لم تقم بأية هجمات بعد فشل هجماتها ليلة 8 أيار وكانت ليلة 11 أيار من أهدأ الليالي وأنهم فوجئوا بمن جاء صباح 11 أيار ليعلمهم بانسحاب قوات جيش الإنقاذ ونزوح كافة الأهالي. علما بأنّ احتلال اليهود لهذا الموقع كان سيمكنهم من تهديد ما يزيد على 50% من المدينة شاملا حارة الأكراد والأسدي والصواوين والجورة. فأين كان الهجوم المزعوم الذي أدى لإسقاط المدينة إن لم يكن على هذا المركز قبل سواه. علما بأن هذا المركز صمد ضد الهجمات الشرسة المتواصلة وكبد المهاجمين خسائر فادحة ولم يواجه المدافعون فيه أي نقص بالذخيرة أو القنابل اليدوية. كما أفاد حجو المذكور بأن المتطوعين السوريين المرافقين لهم كانوا يتميزون بالشجاعة والأقدام، كما كان يرافقهم متطوع أردني اشتهر بأنه صياد ماهر يتنقل نهارا بين المواقع العربية لإسكات نار المراكز اليهودية المقابلة. إنّ هذا يدل على الفارق الكبير بين جيش الإنقاذ المتخاذل أو المطواطئ والمتطوعين للجهاد في سبيل الله والوطن. 3-ج-مما يؤكد أيضا سلامة المراكز الدفاعية الأمامية افادة مصطفى ومحمد زكريا منصور انهم كانوا ما زالوا في مراكز المراقبة والحراسة الأمامية حين جاء من يخبرهم بانسحاب قوات جيش الإنقاذ ونزوح كافة الأهالي. 3-د-غادر المرابطون مراكزهم الدفاعية صباح 11 أيار بعد أن علموا بالانسحاب والنزوح دون أن يتعرضوا لمواجهة أو إطلاق نار لأنه لم يكن للقوات اليهودية وجود في الأحياء العربية ولم تكن تعلم بانسحاب جيش الإنقاذ ونزوح كافة الأهالي. أما المرابطين في مركز البوليس فلم يغادروه لأنهم لم يعلموا بالانسحاب والنزوح وقام اليهود باحتلاله بعد معركة طاحنة. 3-ه-أفاد العديد من أهالي صفد الذين آثروا عدم النزوح أنّ القوات اليهودية لم تدخل الأحياء العربية إلا بعد ثلاثة أيام من الانسحاب والنزوح وأكد ذلك من عاد إليها من أبنائها خلال تلك الفترة فلم يجد أي يهود في الأحياء العربية. 3-جاء في مقالات الصحفي اليهودي ماير مشير بأن اليهود ظنوا أنّ الهدوء الذي غمر صفد خطة حربية أو كمين عربي. كما أشار أرشيف الهاغاناه أن قائد البالماخ دهش حين اكتشف أن المدينة خالية تماما. وكل ذلك يؤكد زيف الادعاءات بأن الانسحاب أو السقوط تم نتيجة هجوم يهودي ناجح على المراكز الأمامية. 4-عينت قيادة جيش الإنقاذ النقيب ساري فنيش والملازم إميل جميعان لإدارة القتال في صفد (وهي أهم موقع استراتيجي فلسطيني) دون الضباط السوريين ذوي الكفاءة والإخلاص ومنهم الملازم إحسان كم الماذ. وقد ورد عن العديد من أبناء صفد وبعض الضباط ممن عاصروا مأساة سقوط صفد أنّ ساري وأميل قاما بما يلي: 4-أ-منعا الهجمات على مراكز الدفاع اليهودية واجهضا فكرة احتلال الحي اليهودي مما دعا الملازم الأول إحسان كم الماذ، رائد تلك الهجمات بهدف الاحتلال، لمغادرة المدينة، علما بأنّ الحي اليهودي كان محاصرا وعلى وشك الانهيار بشهادة المراجع اليهودية. 4-ب-أبعدا سريتهما عن أي نشاط أو احتكاك مع العدو وحصرا نشاطها في حراسة مراكز قيادتهما داخل المدينة. 4-ج-عملا ومنذ قدومهما على بث الرعب وتحطيم الروح المعنوية مما أدى لتعاظم النزوح من المدينة. 4-د-حيث لم يستطيعا ثني المرابطين في المراكز الأمامية عن الدفاع وصد الهجمات اليهودية لأن المرابطين فيها كانوا من أبناء صفد والمتطوعين السوريين، فقد غادر ساري المدينة وأصدر إميل الأمر بانسحاب قوات جيش الإنقاذ بدون أن يكون هناك أي مبرر قتالي ودون إبلاغ المرابطين في المراكز الدفاعية. 5-من المعلوم أن ساري وإميل كانا تابعين لقيادة الجيش الأردني البريطانية والتي قد تكون أوعزت لقيادة جيش الإنقاذ لتسليمهما قيادة معركة صفد وأصدرت لهما الأمر بالانسحاب. كذلك فإنَّ الجيش الأردني نفسه لم يسلم من شر تخطيط العديد من قادته البريطانيين في حرب 1948كما ورد في كتاب "أيام لا تنسى" للمؤرخ سليمان موسى. ثالثا:العوامل التي أدت لنزوح كافة أهالي صفد: 1-قيام قيادة جيش الإنقاذ ممثلة بساري فنيش وإميل جميعان ببث الرعب وتحطيم الروح المعنوية والدعوة لنزوح أهل المدينة والتبشير المضلل بالجيوش العربية القادمة التي ستحرر فلسطين. 2-الأخبار المبالغ فيها حول المجازر اليهودية في المناطق التي تحتلها القوات اليهودية. 3-فشل اللجنة القومية ووجهاء صفد وأثريائها بالتخطيط للمعركة التي كان من المعلوم أنها قادمة وكان عليهم إرسال العديد من شباب صفد للتدريب على السلاح والقتال على الأراضي السورية وأن يشتروا السلاح والذخائر وإعدادها على الحدود السورية لإدخالها مع أولئك المدربين فور انسحاب القوات البريطانية. 4-فشل وجهاء صفد بالتخطيط لما بعد الهزيمة العسكرية. كان عليهم أن يكونوا قدوة لسواهم بالبقاء هم وذويهم والسعي لإقناع الأهالي ببقاء كل منهم في بيته، وأن يوضحوا أن القوات المهاجمة تنشغل بالقوات المقاتلة ونادرا ما تتعرض للمدنيين المسالمين. وكان من الأجدى حفاظا على عروبة المدينة البقاء والتفاوض مع زعماء اليهود، عند انسحاب جيش الإنقاذ، بهدف التسليم بدون قتال وهو ما تكرر حدوثه عبر التاريخ عندما يتبين أنه لا جدوى القتال.
أرسلها: سامي المصري
hmdlebanon@hotmail.com