الجاعونة
نقطة تحديدها على الخريطة 2643/2002 تقع إلى الشرق من صفد وتبعد عنها مسافة (10) كيلومترات، يقع إلى الشرق منها جسر بنات يعقوب ويبعد عنها (11) كيلومتراً.
تقع على مفترق الطريق الذي يربط طبريا ـ صفد، وطبريا الخالصة (كريات شمونة) والمطلة، تبعد عنها (المطلة) (38) كيلومتراً إلى جهة الشمال منها، أما مدينة طبريا فتبعد عنها 25 كيلومتراً إلى الجهة الجنوبية منها.
ترتفع (50) متراً عن سطح البحر في أسفل جبل كنعان الشرقي، تحيط بها من الشمال أراضي قرى مغار الخيط، وقباعة وفرعم، وعموقة، ومن الجهة الغربية أراضي بيريا وصفد، ومن الجنوب أراضي الظاهرية وجب يوسف.
إلى الشمال منها يمر وادي المشرفة الذي يخترق أراضي فرعم ومغار الخيط وكراد الغنامة الواقعة إلى الشمال من "مشمار هيردن" ويمر من أراضيها وادي (شهيان) الذي يمر بخربة المنظار واربد والسيارة ويصب في نهر الأردن جنوب جسر بنات يعقوب.
حسب قوائم شوماخر سنة 1886 بلغ عدد الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين (16 – 60) سنة (111) نسمة ومعنى ذلك أن عدد السكان الإجمالي حوالي 900 نسمة، وحسب إحصاء سنة 1922 فقد بلغ عدد سكان الجاعونة 626 نسمة وحسب إحصاء سنة 1931 بلغ عدد السكان 799 نسمة وقد وصل سنة 1945 إلى (1150) نسمة وكانت تعتبر رابعة قرى قضاء صفد من حيث عدد السكان. وضمت عدة عائلات منها:
1 ـ آل التميمي: كان شيخهم حسين سليمان التميمي ـ قتل والده سنة 1937 وأصبح مختاراً مكانه.
2 ـ العمايرة أو (التعمري): يقال أن أصلهم من لوبية وكان زعيمهم شحادة السعيد.
3 ـ آل جلبوط: منه علي محمود الجلبوط.
وعائلات أخرى صغيرة مثل: دخل الله، كوسا، سلامة وغيرهم.
لقد بدأ اهتمام اليهود بالمناطق الشمالية من البلاد بعد وصول بعثة تشارلز ورن (Charles Warren) سنة 1873 إلى البلاد موفدة من قبل ـ الجمعية العلمية البريطانية لدراسة الثروة المائية في البلاد، وقد نشر تقرير هذه اللجنة سنة 1875 وقال بإمكانية استيعاب عدة ملايين من السكان في الجليل والسهل الساحلي وحتى النقب الصحراوي إذا أمكن إيصال المياه إليه من البقاع الشمالية (منابع الأردن).
لقد شجع هذا التقرير هجرة اليهود إلى فلسطين خاصة إلى السهل الساحلي وشمال البلاد حيث تتوفر كميات هائلة من المياه.
بعد ظهور هذا التقرير أصدر السلطان عبد الحميد قانوناً يمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقد لخص ذلك بقوله:
"إن دولاً أوروبية كثيرة أرادت التخلص من اليهود فإذا كنا نريد أن يستمر العنصر العربي الإسلامي متفوقاً في فلسطين فعلينا أن لا نسمح بهجرة اليهود إليها، وإذا كان الأمر خلافاً لذلك وسمحنا بالهجرة فإنهم في مدة قصيرة يسيطرون على الحكم وتصبح فلسطين تحت سيطرتهم وتكون بذلك قد قضينا بأيدينا على عنصر ديننا بالموت الأكيد".
لكن السلطان تراجع عن الشروع في تنفيذ هذا القرار بفعل الضغوط البريطانية والفرنسية، وتمكن اليهود من الهجرة وإنشاء المستوطنات، وساهمت كل من جمعية (أحباء صهيون) وجمعية (بني موشي) ووكلاء البارون روتشلد، وجمعية الاستيطان اليهودي في فلسطين (بيكا) بتمويل عمليات الهجرة والاستيطان. سنة 1877 قام يهوديان هما (فريدمان) و(فانشتاين) وهما من يهود صفد وعضوان في (جمعية عمال الأرض) بشراء جزء من أراضي الجاعونة من رجال الإقطاع.
سكن المستوطنون في نفس قرية الجاعونة، حتى سمحت لهم السلطات العثمانية إقامة حي خاص بهم أطلقوا عليه اسم (جي ـ أوني) وذلك سنة 1878 قبل ثلاثة أشهر من تأسيس بتفاح تكفا لذلك سميت (أم المستوطنات) وأصبحت مركز الشيعة التي عهد إليها بإدارة منطقة الاستطيان اليهودي في الجليل الأعلى.
كان سكانها الأوائل من مهاجري رومانيا وأشهرهم (اليعزر روكح) وكان هدفهم الاعتماد على معيشتهم على ما تنتجه الأرض دون الاعتماد على المساعدات الخارجية، سكن القرية آنذاك حوالي (150) نسمة من اليهود من بيوت بسيطة ولم تكن لهم معرفة بالظروف الطبيعية، والمشاكل الزراعية ولم يكن من السهل عليهم التأقلم في مثل هذه الظروف وقد زاد الطين بلة أنه أصاب المحل تلك المنطقة (3) سنوات متتالية، كما أصيبت الحيوانات بالملاريا والطاعون ونفق أكثرها وعندما اشتد بهم اليأس طلبوا المساعدة من يهود أوربا بواسطة (اليعزر روكاح) و(أهرون كلر)، ولم تكف التبرعات التي جمعت إضافة إلى التبرعات التي قدمها السيد لورنس أوليفنت لسد حاجة السكان وتفككت المستوطنة ولم يبق منها سوى اثنين كانا يعملان في الالتقاط من الحقول.
مع وصول (اليعزر روكاح) إلى رومانيا انتظمت هناك منظمة يهودية برئاسة (موشي دافيد) من مدينة (مونيستي) في رومانيا وسميت باسم (من أجل صهيون) وأرسلوا (3) ممثلين عنهم هم: موشي دافيد، ودافيد بوكشتر وشاؤول سفريس إلى القسطنيطينة ومنها إلى بيروت سنة 1882، ثم إلى صفد وانتقلوا بعدها إلى الجاعونة، وباشروا ببناء مستوطنة مستقلة لهم سموها (روش بينا) اعتماداً على ما جاء في المزامير 118/22 "الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية".
لقد دار نزاع مرير بي المستوطنين من اليهود والسكان الأصليين من بدو (الزنغرية) وكان مصدر الخلاف على مياه العين، وفي سنة 1882 قام المستوطنون بطرد الرعاة عن العين ومنعوهم من استعمالها، ورداً على ذلك قام أفراد عشيرة الزنغرية بمهاجمة المستوطنة ولم ينسحبوا منها إلاَّ بعد أن أصيب شيخهم بجراح.
وفي 12/12/1882 وأثناء قيام المستوطنين بحفلة زواج خاصة بهم أطلقت النار على أحد الشبان العب من صفد وسقط قتيلاً وهوجمت المستوطنة عدة مرات ولم تتوقف ردود الفعل إلا بعد أن تدخل زعماء المنطقة ودفع اليهود مبالغ طائلة كدية للمقتول.
سنة 1884 قام البارون روتشلد بدعم المستوطنة وأقام فيها مصنعاً لنسج الخيوط الحريرية، وقد أحضر بذور شجرة التوت البري من جبال هملايا، وأدير المصنع بقوة البخار وكان يعمل فيه أكثر من (100) عامل بعضهم من يهود حاصبيا.
لكن المصنع لم يستمر في الإنتاج وأغلق بسبب النزعات المستمرة بين موظفي البارون والعمال من جهة، وكساد سوق الحرير من جهة أخرى. وفي سنة 1900 توقف دعم البارون للمستوطنة. وانتقلوا تحت إشراف جمعية يكا وكان يسكن روشبينا آنذاك 512 نسمة. وقد أقام اليهود فيها أول مدرسة تستعمل اللغة العبرية كما أقاموا كنيساً وحماماً وطاحونة ومعصرة للزيتون، وقد أصبحت جمعية فيكا سنة 1923 مشرفة على المستوطنة وهجرها أكثر سكانها.
في سنة 1927 أقام بها البروفيسور "مار" معهداً ومختبراً لبحث الملاريا وأصبحت له شهرة علمية، ومع ذلك لم تتطور المستوطنة.
لقد تأسس في الجاعونة مدرسة عربية منذ العهد العثماني وحسب إحصاء المكاتب الابتدائية في اصنجقي وعكا والبلقاء سنة 1893 ـ سنة 1894 كان في الجاعونة مدرسة يوازي عدد طلابها طلاب بيت جن والبقيعة آنذاك تقريباً.
واستمرت هذه المدرسة في الجاعونة حتى نهاية عهد الانتاب البريطاني سنة 1948 وكانت تضم ستة صفوف
كان من أساتذتها: عبد الله محمود الحموي (سوري) ـ حسن السباعي (مصري) ـ محمود شحادة السعيد (من القرية) أما إمام القرية فكان الشيخ رجا عبد الحليم الكوسا.
لقد كان لسكان الجاعونة دور هام في ثورة 1936 ففي 9 أيلول سنة 1936 هاجموا قافلة للدورية البريطانية واشتبكوا معهم عدة ساعات وقتلوا من كان في القافلة وغنموا جميع الأسلحة ووقعت بعض الإصابات بين الثوار وكان يقودهم أحد القادة البارزين في الجليل المجاهد (عبد الله الأصبح) الذي استشهد يوم 27 نيسان سنة 1938 أثناء اشتباكه مع الإنجليز في خربة (رخصون) بين سحماتا وسبلان وسقط شهيداً ودفن في قرية سعسع.
كان فصيل الجاعونة يتكون من عدة مجاهدين منهم:
يوسف الحاج حسن، محمود الخليل، عبد الله حوراني، صلاح الحسين، محمود زيتوني، محمود الموسى، محمود أبو سنينه ومحمد الحسين واستشهد أربعة من أبناء القرية في معاركهم ضد الإنجليز.
في سنة 1948 طرد غالبية سكان الجاعونة إلى سوريا وهدمت القرية العربية عن آخرها.
يمكننا أن نشاهد في روشبينا نصبين تذكاريين أحدهما للذين سقطوا في حرب سنة 1948 والنصب الآخر لـ شلمه بن يوسف أحد افراد منظمة "بيتار" الذي حكم عليه بالإعدام بسبب إطلاقه النار على حافلة ركاب عربية وقتل (14) من أفرادها وذلك زمن الانتداب البريطاني.
تقع خربة رخصون إلى الجهة الجنوبية الشرقية من حرفيش على مسافة 5كيلو مترات قائمة على جبل يسمى باسمها، تدل آثارها على أنها بلدة قديمة تحوي مباني واسعة وجدران وصهاريج ومدافن ومعاصر، من المعتقد أنها كانت بلدة إسلامية قضت عليها الحروب الصليبية، يقال أن الضاهر بيبرس قد خيم فيها عند استرجاع البلاد من الصليبيين. كما تحتوي على أنقاض بناية واسعة ذات حجارة كبيرة يبلغ طول بعضها أكثر من متر وتدل الآثار على أنها كانت معبداً.
المصدر: من كتاب قرانا المهجرة في فلسطين