تقع قرية لفتا المهجرة على الجبال الشمالية الغربية لمدينة القدس، حيث تصل أراضيها الى حدودِ البلدة القديمة وتشمل الأحياء العربية المعروفة في الشرق مثل الشيخ جراح، واد الجوز، الطور، الجامعة العبرية، جبل المشارف "التلة الفرنسية"، والكنيست، المتحف الاسرائيلي، محطة الباصات المركزية ومباني الأمة وغيرها في الغرب، لذلك كانت تعد إحدى أهم القرى الرافدة لرؤوس الأموال والثروة الزراعية لمدينة القدس.
كانت القرية تعج بالحياة..كانت قرية متطورة وكبيرة، بلغ عدد سكانها عام 1948 حوالي ثلاثة آلاف نسمة يقطنون في أكثر من 700 بيت، للقرية مسجدُها ومدرستُها وأسواقُها ومزارعها المزروعة بأشجار الزيتون والخضار والحبوب، أما بيوتُها فقد بُنيت بطرازٍ معماريٍ فني جميل.
وتضم القرية من 5 حمائل وهي: عيدة، مقبل، صفران، غبن، وسعد، واهلها هاجروا الى القدس ورام الله والاردن بعد النكبة، ويبلغ عددهم في القدس اليوم حوالي 3 الاف نسمة، فيما يتواجد ما بين 15 الى 20 الف نسمة في الاردن ورام الله.
أصل التسمية..
أحد شبان قرية لفتا..المواطن يعقوب عودة أوضح أن لفتا هي قرية كنعانية كان اسمها "نفتوح"، أما في عصر الرومان والبيزنطيين فكان اسمها "نفتو"، وقد استعمل العرب المسلمون اسمها الكنعاني، لكن الاحتلال الصليبي أطلق عليها اسم" كلبستا"، إلا أن إسمها الحالي ورد في وثائق بالمتحف الفلسطيني والمحكمة الشرعية في القدس منذ أكثر من 800 عام.
مسجد ومدرسة القرية..
وكما في معظم القرى العربية قديما، كان المسجد يتوسط القرية ليسمع صوت الآذان في أرجائها، وفي قرية لفتا لا يختلف المشهد..فالمسجد الذي لا يزال قائماً (يشهد على تلك الأيام فيما يحل السكون في نواحيه اليوم) مؤلف من غرفتين، كبيرةٌ كانت تستخدم للتدريس وتحفيظ القرآن وأخرى صغيرة، وبجانبه مصلى الشيخ الأمير "سيف الدين عيسى بن حسين بن قاسم الهكاري" أحد أمراء جند القائد صلاح الدين الايوبي، حيث يقال أن هذا الأمير استقر بالقرية بعد انتصار جيش المماليك على التتار في معركة عين جالوت.
أما مدرسة القرية التي انشأت عام 1929 فتعد من أوائل المدارس الإبتدائية في المدينة، وهي قائمة حتى اليوم لليهود في منطقة (خلة الطرحة) روميما.
منازل سكنها الصمت..
وقد أوضح يعقوب عودة أن أهالي القرية كانوا يقومون ببناء منازلهم بأيديهم بعد قصّ صخور القرية، وأغلبها مكون من طابقين وتسوية لتربية المواشي والدواجن، وتتميز العديد من المنازل بوجود أفران خبز الطابون، مشيرا أن طلبة الجامعات الاسرائيلية المتخصصين في الهندسة المعمارية يقومون بجولات تعليمية مستمرة للاستفادة من الفن المعماري.
ورغم مرور السنين وتوالي الفصول إلا أنها ما تزال محتفظة بهيكلها الخارجي..يسكنها الصمت وبعض الحشائش اليابسة بعد أن كانت تسكنها أصوات الضحكات، واليوم يمنع أهالها الأصليين الذين أُخرجوا منها قسراً من الجلوس فيها ولو لساعات لاسترجاع ذكرياتهم.
سكان بقوا تحت أرضها..
حظ من ماتوا في قرية لفتا أنهم لم يروا مشاهد التهجير..وبقوا فيها لكن تحت أرضها، فشواهد القبور تؤكد على وجودهم، كما تؤكد على أن الجيل الشاب من أبناء القرية يحرص على إبقاءها واضحة المعالم، بتنظيفها والعناية بها.
الماء والخضراء مصدر الحياة..
ومن الموت والقبور الى الحياة ورغدها..حيث أن أساس الحياة هو الماء، وفي قرية لفتا كانت (وما تزال) هناك نبعة تتدفق مياهها من بين الصخور لتصب في حوض كبير، وهي مصدر الحياة ويعتمد عليها أهالي القرية للشرب وللاستعمال المنزلي وللري.
ويقول عودة :"عندما نرى النبعة والساحة المجاورة لها تتفتح الجروح، فالساحة هي بمثابة التاريخ والذاكرة، فكان الأهالي يجتمعون فيها بالأفراح والأتراح يسهرون ويلعب أطفالهم ويعزفون على الربابة، أما النبعة اليوم فقد لوثتها الحفريات وشق الطرق التي تخدم المستوطنات، ويَعتقد بعض المتدينين اليهود أن السباحة في البركة تغسل ذنوبهم.
أما في مجال الزراعة..فقد كان أكثر من 3300 دونم من أراضيها التي تمتد لأكثر من 12 ألف دونم مزروعة بالأشجار المثمرة والخضار والحبوب، وحوالي 1100 دونما مزروعة بأشجار الزيتون، وبسبب تلك الكمية الكبيرة من أشجار الزيتون كانت اربعة معاصر في القرية تقوم بتزويد أهلها والقرى المحيطة بها بالزيت، حيث لا تزال بعض الأدوات المخصصة لعصر الزيتون يعتصرها الألم حسرة على صمتها بعد ما كانت تفخر بزيتها البرّاق.
لفتا بين الماضي والحاضر..
اليوم تغير كل شيء فيها، ولم يبقى بها سوى بعض المنازل المهجورة والأعشاب اليابسة..فيما يتم تداول مخطط استيطاني في أروقة المحاكم من أجل بناء 212 وحدة استيطانية "للأغنياء".
لكن هناك شيء واحد لم يتغير..جيل شاب لن ينسى أن له أرض وقرية على مرمى حجر من المكان الذي هجروا إليه..قرية إسمها لفتا.
أرسلها: احمد مصطفى فرحان
ahmad.musstafa@yahoo.com