9/4/2016
ميرفت صادق-رام لله
عصر التاسع من نيسان من كل عام، التاريخ الذي لم يسقط من ذاكرة الحاجة التسعينية نعمة زهران، عندما سبيت مع عشرات النساء من قرية دير ياسين غرب القدس، بينما كان أهلها يُبادون جميعا في مجزرة أبت الذاكرة نسيانها منذ 68 عاما.
في ذكرى أشهر مجزرة في التاريخ الفلسطيني منذ نكبة عام 1948، كانت نعمة زهران (أم محمد) تغالب شيخوختها ومرضها، لتلقي على السامعين قصة إبادة 27 فردا من عائلتها بينهم والدها محمد زهران ووالدتها فاطمة.
تقول نعمة زهران التي حملها التهجير والترحال المتكرر إلى قرية بتين شرق رام الله "كل أهلي قتلوا في الجلجال (وسط القرية).. قالوا إنهم كوّموا (راكموا) الجثث بعضها فوق بعض حتى امتلأت ساحة البيت، أبي وأمي وأخي موسى وزوجات إخوتي، وزوجات أعمامي وزوجات أبنائهم، وصبيانهم كلهم ..".
وكما علمت بعد هروبها مع أطفالها الأربعة وزوجها من القرية وانتهاء المجزرة، جاءت إبادة عائلتها انتقاما لمقتل يهودي قرب بيت والدها.
ابنة 3 أعوام
الأسوأ كما تروي الحاجة نعمة أن الجرحى في مذبحة العائلة تركوا ينزفون حتى الموت، من بينهم، كما تذكر، فاطمة ابنة شقيقها جمعة ذات الثلاثة أعوام، التي كانت تأكل من حشائش البيت قرب جثث أمها وعائلتها وماتت بعد ثلاثة أيام.
نجت نعمة مع شقيقين لها كانوا خارج البيت، ولكنها قبل أن تدري بذلك كانت العصابات الصهيونية قد ساقتها مع أكثر من خمسين امرأة وصغارهن كن يحاولن الهرب من المجزرة.
قالت "حملونا في حافلات وداروا بنا في أحياء المستعمرات والأحياء اليهودية في القدس ليعلنوا انتصارهم على العرب.. وكنا نعتقد أنهم يأخذوننا إلى الذبح".
بعد انتهاء المذبحة لم يتمكن الناجون من العودة إلى القرية، ولم يعرف كيف دفن الشهداء وأين، وكل ما عرفوه أن الرجال من الشهداء ألقوا في بئر غربي القرية، أما النساء والأطفال فلم يعرف أحد أين دفنوا.
وحسب توثيق جمعية أبناء دير ياسين، فإن أكثر شهداء مذبحة دير ياسين وعددهم 106، من عائلة زهران الذين قتل عدد كبير منهم في مجازر جماعية كما حدث مع عائلة الحاجة نعمة.
ولا تنحبس ذاكرة المسنة التسعينية على مجزرة عائلتها فقط، إنها تتذكر أيضا الحياة الجميلة التي عاشتها في دير ياسين حيث كان والدها جمّالا ينقل الحجارة من المقالع، وهي المهنة التي اشتهرت بها القرية إلى جانب الزراعة قبل ذبح أهلها وتهجير من تبقى منهم.
تعتقد الحاجة نعمة إن مجزرة دير ياسين كانت مبيتة، وتستند في ذلك إلى حادثة إرسال العصابات الصهيونية فتاة شقراء جميلة للتجول في حقول القرية وانتظار اختطافها أو الاعتداء عليها من أهالي دير ياسين، لكن الأنباء تواردت قبل ذلك عن استشهاد قائد الجهاد المقدس في منطقة القدس عبد القادر الحسيني، وفهم أهالي القرية أن فخا نصب لهم لبدء الهجوم عليهم وتهجيرهم.
بعد يوم واحد من معركة القسطل التي قتل فيها الحسيني، هوجمت دير ياسين فجر التاسع من أبريل/نيسان 1948 من قبل أفراد محدودين من عصابات المستوطنين، ولمّا لاقى هؤلاء مقاومة شرسة طلبوا الدعم العسكري من قوات "البالماخ" والهاغاناة" اليهودية.
دارت معركة شرسة منذ الثالثة فجرا حتى ساعات المساء قتل فيها نحو 106 جميعهم من الأهالي وليس من المقاومين، ووثق أهالي القرية أسماءهم بخلاف الروايات الإسرائيلية التي تحصي مقتل 250 أو 300 عند الهجوم على دير ياسين.
تضخيم للتغطية
يقول ابن القرية سمير حميدة (62 عاما) وهو قائد كشافة دير ياسين وأبرز الناشطين في إحياء ذاكرتها وقتلت العصابات الإسرائيلية خمسة من عائلته في المذبحة، إن تضخيم أعداد شهداء المذبحة من 106 إلى أكثر من 250 كان هدفه التغطية على عدد القتلى الصهاينة الذي سقطوا برصاص المقاومين، ويقدر عددهم بالعشرات.
سمير حميدة يقول إن الاحتلال زرع بمجزرة دير ياسين الرعب في القرى الأخرى (الجزيرة)
هذا إلى جانب الغاية الأساسية من المذبحة، وهي بث الرعب في باقي قرى منطقة القدس المحيطة التي هربت لاحقا بسبب الخوف من مجازر مشابهة.
يقول حميدة إن بعض الرجال في القرية كانوا قد تلقوا تدريبا عسكريا جيدا خلال انخراطهم في جيش عبد القادر الحسيني، وكان بحوزتهم رشاشان من نوع جيد، أحدهما حمله موسى توفيق حميدة، والثاني ابن عمه محمد عثمان حميدة، وسبق أن باعت النساء مصاغها لشراء السلاح من أجل الدفاع عن القرية.
ويقول الأهالي الذين تمكن بعضهم من الوصول إلى القرية بعد سنوات طويلة لتفقد ما تبقى منها إنها لم تهدم كاملة، ولكن الاحتلال حول منازلها إلى مراكز طبية للمصابين بأمراض عقلية وإلى ملاعب رياضية.
وبعد قرابة سبعة عقود على مذبحتها وتهجير أهلها، ما زال في دير ياسين قبر الشيخ محمود صلاح ظاهرا للعيان، وكأنه شاهد على هويتها الأصلية، وقريبا منه شجرة الخروب الكبيرة "ذات الخمسة وأربعين جذعا" كما ذكرت الحاجة نعمة زهران.
المصدر : الجزيرة