الحياة الاجتماعية في زرنوقة قبل النكبة
كانت معظم السكان يقطنون في بيوت القرية ويقطن المزارعون أيضاً في بيوت مقامة داخل البيارات والبساتين المحيطة بها، ويبلغ مساحة القرية المنظمة نحو 68 دونماً تتركز فيها الحياة التجارية والاجتماعية والدينية، وأما الأراضي التابعة للقرية فتبلغ نحو 7545 دونماً منها 327 دونم للطرق والوديان، و 1578دونم لليهود المستوطنين.
والبيارات تحيط بالقرية من الشرق من جهة مستوطنة "رحبوت" حتى الغرب والجنوب الغربي من البرتقال لشكري الفاروقي .
نشطت حركة البناء بوتيرة متسارعة في أواخر عهد الانتداب من جراء الازدهار الاقتصادي. وفي أواخر القرن التاسع عشر كانت زرنوقة قرية مبنية بالطوب ، وفيها حدائق مسيجة بالصبار.
وفي شهادة الحاج يوسف البربار يقول : 90% من بيوت زرنوقا حجر وسقوفها من الزينكو ويوجد عدة قصور لبيت الشوربجي وعيد والحمارنة مبنية من الإسمنت، وهذه الشهادة تؤكد ما جرى من نمو عمراني في القرية قبل النكبة.
وبحسب شهادة جمعة محمود الأشقر فإن البيوت كانت مبنية من الطين في معظمها ولاسيما في البيارات، ولكن المنازل الحجرية بدأت بالانتشار، ولا يزال بعضها شاهداً قائماً إلى اليوم.
كانت النساء يزرعن على سطوح منازلهن الطينية بعض النباتات الغذائية الشتوية كـ"الخبيزة" و"السلق" مما تعتاش عليه الأسرة كما كان يُنتفع بها كمصدات طبيعية للمطر الذي يضرب سقوف هذه البيوت الطينية، وكانت الجدران الطينية تطلى كل سنة بالتبن في فصل الخريف لتقويتها في مواجهة الأمطار.
وأما مياه الشرب والسقاية فكانت من الآبار إذ لا توجد عيون أو ينابيع قريبة، وكل حارة لها مناهل، ولآل الحمارنة طاحونة قمح يوجد بقربها حنفيات للماء، ويوجد فيها خزانات للماء.
ويصل عمق البئر إلى 35- 40 م وكانت هناك بوابير ( مضخات) للسقاية ويتم توزيعها حسب الساعات على البيارات.
تتوفر في القرية محلات تجارية إضافة إلى استثماراتهم الزراعية في أراضيهم، فانتشرت فيها البقالات ودكاكين السمانة والقماش وبيع الحبوب المستوردة والشاي.
وكانت الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وغيرها تجري على نظام الشريعة الإسلامية، فإذا وصلت أي قضية إلى المحاكم فإن القوانين البريطانية هي السائدة مع مراعاة بعض الخصوصيات الدينية للمسلمين في بعض الحالات، ولكن نظام الميراث في المحاكم الإنجليزية يساوي بين الرجل والمرأة ولا يتعامل مع فرائض علم الميراث الإسلامي مما كان يتسبب في مشكلات عائلية عميقة إذا تزوجت الفتاة من غير عائلتها وأرادت الحصول على حقها من الميراث من خلال القانوني الإنجليزي.
وكانت المرأة تشارك الرجل في تحمل الأعباء الاقتصادية وتشاركه في الزراعة بمختلف مراحلها مما يؤدي إلى قلة تكلفة اليد العاملة وزيادة المردود المادي لرب العائلة نظراً لانخراط الأسرة كلها في تحمل الأعباء ، ولذلك يعتني أهالي القرية بزيادة أفراد عائلاتهم عبر الاستكثار من الإنجاب؛ وتمارس المرأة بالإضافة إلى مهامها الزراعية والمنزلية المعتادة مهنة الخياطة.
وكان للمرأة كلمتها في بعض العائلات إذا كانت تتمتع بالحكمة والرزانة أو كثرة الأولاد أو الأشقاء، حتى إن بعض العائلات لا تزال مذكورة في الذاكرة الشعبية الباقية في بعض ألقابها الاجتماعية بأسماء نساء بارزات ومؤثرات فيها.
وكانت المهنة الرئيسة لسكان زرنوقا هي الزراعة، ويمارسون التجارة أيضاً في دكاكينهم وفي الأسواق القريبة منهم كسوق الرملة وسوق السبت في زرنوقا، وفي المواسم الدينية كموسم النبي روبين وموسم النبي صالح في الرملة، وكان يعمل أحدهم يقل له "العبد عيد" في شرطة الاحتلال البريطاني.
ويقول الحاج يوسف البربار: يوجد موظفون في سلك الشرطة مع الإنجليز في معسكر صرفند، وقسم يعمل عند اليهود في الحراثة وسقاية أراضي المستوطنات وقطف الحمضيات، ولكن أكثر العمل مع القوات البريطانية في "الكانتين" الذين ينقلون بضائع الإنجليز.
كما لا يوجد مخفر شرطة، وكان المختار هو صاحب السلطة، وكان يجب أن يكون المختار غنياً لأن المخترة وجاهة، وسينفق من ماله، وكانت تحل المشكلات بالوجاهات والنفوذ الأهلي، وكان المختار يعطي الحماية للمتهم حتى تحل المشكلة.
ويوجد في القرية مقهيان قبل النكبة كان الأهالي والعمال يجتمعون فيهما، ويتواصلون مع بعضهم، ومع العمال الوافدين إليهم، ويعقدون الصفقات ويناقشون القضايا الخاصة والعامة، ويستمعون إلى الإذاعة فيها.
وبحسب شهادة يوسف البربار أيضاً : فالمقهيان لآل داود والحمارنة، ويوجد ثلاثة محلات حلاقة اثنان لآل قشطة، وواحد لعائاة بربار تعلمت منه الحلاقة.
ولا يوجد فندق أو منازل للإيجار، وكان الوافد الغريب أو العامل الموسمي ينزل لدى معارفه في القرية، أو ينزل في جامع القرية.
المصدر: الدكتور اسامة الاشقر
كتاب: زرنوقة جنة الليمون والبرتقال