ثورة عام 1933 والشهيد الأول لبلدة سلمة
نتيجة لإصرار حكومة الانتداب على تهويد فلسطين واستمرارها في سياستها المتحيزة لليهود الذين ازداد عددهم في البلاد نتيجة لازدياد عدد القادمين منهم سواء كان ذلك بصورة مشروعة أو الذين كانوا يفدون على البلاد بصورة غير مشروعة - زيادةً عن العدد السنوي الذي كان يسمح بقدومه – فقد اتجه تفكير عرب فلسطين إلى ضرورة النضال ضد سلطات الانتداب البريطاني باعتبارها العدو الأول الذي يجب مقاومته، لأنها هي التي تحمي اليهود وتسهل هجرتهم وتساعد في سرعة بناء الوطن القومي في فلسطين، حيث كان عرب فلسطين حتى عام 1929 يتجهون في مقاومتهم ضد اليهود الصهيونيين وليس ضد سلطات الانتداب البريطاني، لذلك تنادى رجالات البلاد إلى عقد مؤتمر وطني يتم فيه بحث هذا الأمر، وبالفعل فقد تم عقد مؤتمر وطني في مدينة يافا في 26/3/1933 حضره ما بين 500 – 600 مندوباً من كافة المدن الفلسطينية وعلى رأسهم رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية وكافة رجالات فلسطين العاملين في الحقل الوطني، وقد تقرر في هذا المؤتمر أن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين هي العدو الرئيسي للشعب العربي في فلسطين، لذلك يجب مقاطعتها وعدم التعاون معها وتوجيه نضالهم وكفاحهم ضدها في المستقبل في الدرجة الأولى كما دعت اللجنة التنفيذية إلى إضراب عام في كافة أنحاء فلسطين في يوم الجمعة المصادف 3/10/1933 وإقامة المظاهرات في كل أسبوع في مدينة معينة من مدن فلسطين بعد صلاة الجمعة تعبيراً عن استنكارهم وسخطهم الشديدين على هذه السياسة الجائرة التي تنتهجها تلك السلطات، وقد تم تنفيذ ذلك بدءاً بمدينة القدس وكانت أخطر تلك المظاهرات وأبعدها أثراً تلك المظاهرة التي تقررت بمدينة يافا بعد صلاة يوم الجمعة المصادف 27/10/1933 حيث تقاطر عرب فلسطين من مختلف أنحاء البلاد للاشتراك في هذه المظاهر ومن القرى المجاورة، وأمّوا المسجد الكبير في يافا، كما أن سلطات الانتداب البريطاني حشدت أقصى ما تستطيع من رجالها المسلحين بالبنادق والخيالة ونصبت الأسلاك الشائكة أمام سراي الحكومة وفي الساحة الكبرى في يافا الواقعة أمام مسجد يافا الكبير لتحول دون انطلاقة المظاهرة.
وما أن فرغ المصلّون من صلاة الجمعة وخرجوا من المسجد يتقدمهم رئيس اللجنة التنفيذية زعيم البلاد المرحوم موسى كاظم باشا الحسيني يرافقه بعض أعضاء اللجنة التنفيذية وبعض رجالات البلاد حتى تقدم رجال البوليس البريطاني يريدون منعهم ومنع المتظاهرين السير في مظاهراتهم، ولم يلبث أن حصل الاشتباك بين الفريقين ولم يتوان رجال البوليس البريطاني من إطلاق النار على المظاهرين بقسوة وعنف لا مثيل لهما فسقط ما لا يقل عن (30) قتيلاً من المتظاهرين من عرب فلسطين، وجرح عدد أكبر أيضاً كان من بينهم الزعيم موسى كاظم الحسيني نفسه الذي عولج من جراحه ولكنه توفي بعد ذلك بشهور في عام 1934 من آثار الجراح التي أصيب بها في هذه المظاهرة وكان من الطبيعي أن تشارك بلدة سلمة في عدد من أبنائها في هذه المظاهرة وأن يصاب بعضهم من بين هذا العدد الكبير الذي أصيب في ذلك الاشتباك وبالفعل فقد استشهد المرحوم عبد الحافظ على صالح في ذلك اليوم وقدمت سلمة شهيدها الأول في هذا الصدام الذي كان الصدام الأول الذي يحصل بين عرب فلسطين وسلطات الانتداب البريطاني حيث كانت الصدامات تحصل سابقاً بين العرب واليهود.
ثورة الشهيد عز الدين القسام
نتيجة للقرارات التي اتخذها مؤتمر يافا الذي سبق التنويه عنه تم الاقتناع بأن حكومة الانتداب البريطاني هي أصل الداء وهي العدو الأول الذي يجب أن يتجه نضال عرب فلسطين وكفاحهم ضده... وهكذا فقد اختمرت هذه الفكرة في النفوس وراح جميع أفراد الشعب يتهيئون للعمل وفق هذا الاتجاه، فتكونت مجموعة الشهيد عز الدين القسام الذي كان يعمل إماماً بأحد مساجد مدينة حيفا حيث أرسل بعض رفاقه لجمع التبرعات من مدن وقرى فلسطين المختلفة ليتمكن من شراء السلاح والذخيرة والمؤن اللازمة للإعداد لثورته، ولما تم له ذلك امتشق السلاح هو ومجموعته التي كانت لا تقل عن (25) رجلاً من الثوار المسلحين الذين كانوا على أعلى درجات الاستعداد للتضحية بدمائهم وأرواحهم في سبيل تحرير وطنهم، فتوجهوا إلى منطقة جنين لسهولة الاختباء في أحراشها وراحوا يتحرشون بسلطات الانتداب ويهاجمون قوافلها على الطرقات فعلمت سلطات الانتداب بمكان وجودهم فحشدت قوات كبيرة لا تقل عن (600) جندي مسلح مدعومين بالآليات المصفحة والمدفعية والطائرات لأنها استشعرت خطر هذه المجموعة واحتمال اتساع نطاقها بحيث من الممكن أن تعم كافة مناطق فلسطين، ولذلك سارعت بهذا الحشد الهائل وأمكنها تطويق هذه المجموعة النبيلة في أحراش بلدة يعبد في قضاء جنين وحصل الاشتباك الذي كان لا مناص منه صباح يوم 19/11/1935 واستمرت المعركة يومين بلياليهما وكانت معركة غير متكافئة طبعاً إذ نفذت ذخيرة هؤلاء المجاهدين من الثوار الأماجد واستشهد المرحوم عز الدين القسام وثلاثة من رفاقه الذين أبوا الاستسلام وفضلوا الشهادة على ذلك الاستسلام وتمكن أربعة من رفاقه من الإفلات بأعجوبة من طوق السلطة الذي فرضته على المنطقة واعتقل الآخرون وكان معظمهم قد أصيب بجروح مختلفة في هذه المعركة وقد أصدرت عليهم حكومة الانتداب أحكاماً قاسية فحكمت عليهم بالإعدام ثم خفضت هذا الحكم بالسجن المؤبد فيما بعد نتيجة لهيجان النفوس الذي عم كافة أنحاء عرب فلسطين.
دور أهالي سلمة في إضراب عام 1936 وشهيدها الثاني
لقد كان لأهالي بلدة سلمة دور بارز في إضراب عام 1936 كغيرها من المدن والبلدان الفلسطينية الأخرى فقرب بلدة سلمة من مدينة يافا مركز وبؤرة الأحداث في فلسطين وإحاطة بلدة سلمة بالمستعمرات اليهودية كان له أثر كبير في شحن أهالي بلدة سلمة باستمرار وجعلهم مبادرين للمساهمة الاشتراك في كافة الأحداث التي تحدث في البلاد، ولهذا فلقد تشكلت في سلمة على الفور لجنة قومية من وجهاء البلدة راحت تشرف على تطبيق الإضراب على كافة مرافق الحياة فتعطلت شركة سيارات سلمة تماماً عن العمل طيلة مدة الإضراب وكذلك كافة سيارات النقل الصغيرة منها والكبيرة وراحت اللجنة تعمل على جمع التبرعات ومساعدة العمال والمتضررين والعائلات المحتاجة بحيث يتمكن الجميع من الصمود ومواجهة توقف الأعمال.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تشكلت بعض المجموعات من الرجال المسلحين الذين أخذوا يغيرون على المستعمرات المجاورة فيشتبكون مع حراسها المسلحين في مناوشات وتبادل إطلاق النار فيسببون لسكان هذه المستعمرات اليهودية الإزعاج وإقلاق الراحة أو ينصبون الكمائن لقوافل سلطات الانتداب البريطاني حتى أرغموها على عدم السير إلا في مجموعات كبيرة من القوافل وبمرافقة العربات المسلحة وفي إحدى غاراتهم على إحدى تلك المستعمرات اليهودية أصيب أحد ثوارهم بجروح بليغة في رجله، ولم يكن في الإمكان معالجته في مستشفى أو توفير العلاج الملائم فعولج من إصابته تلك معالجة غير كافية أدت إلى وفاته فيما بعد.. وهكذا قدمت سلمة شهيدها الثاني وهو المرحوم حسن شحادة أبو العينين.
دور أهالي سلمة في هذه الثورة 1937 – 1939
وتقديمها لشهيديها الثالث والرابع
وبديهي أن يكون لأهالي بلدة سلمة دور رائع في هذه الثورة فقد تألفت قيادة عسكرية فيها بقيادة قائد ثوراتها المرحوم البطل موسى أبو حاشية انخرط تحت إمرته عدد كبير من شباب البلدة ورجالها الذين نذروا أنفسهم للكفاح والجهاد في سبيل قضيتهم المقدسة وراحوا يهاجمون المستعمرات اليهودية باستمرار ويهاجمون قوافل السلطة ويعرقلون مرورها بيسر وسهولة حتى أزعجت هجماتهم كافة المستعمرات المجاورة وقد تعرضت بلدة سلمة مرات عديدة للتفتيش من أجل إلقاء القبض على الثوار الذين كانت تشتبه سلطات الانتداب بأنهم هم الذين يقومون بالأعمال الثورية التي تنطلق من بلدة سلمة ولكنها كانت تفشل في جميع محاولاتها بسبب تشابك بيارات البرتقال المحيطة ببلدة سلمة وسهولة الاختباء بها أو الفرار بواسطتها من الطوق المضروب فكانت بلدة سلمة من أكثر البلدان التي تعرضت لضرب الحصار عليها وتطويقها وتفتيشها والعبث بمحتويات بيوتها أكثر من مرة بسبب كثرة الحوادث التي تحصل من ثوارها وكم من مرة تعرض مخاتير بلدة سلمة للتعنيف وخاصة المختار رمضان عبد الهادي الذي كان يهمس باسم من يعرفه همساً لا يكاد يسمع، فلما يطلب منه مفتش البوليس الذي كان يقف معه ويؤتي من بعيد بالشخص المراد التعريف عليه فينطق هذا المختار بأي اسم يخطر على باله بصوت مرتفع ليسمعه القادم الغريب فيردد نفس الاسم فيقول له مفتش البوليس: لماذا ترفع صوتك هكذا؟... فيجيبه المختار ألم تقل لي ارفع صوتك.. فيرد عليه مع سيل من كلمات التعنيف والسباب، عندما أريد أن تخفض صوتك ترفعه، وعندما أريد أن ترفعه تخفضه، فماذا أفعل بك.. وهكذا كان يتحمل ذلك المختار يرحمه الله هذا التعنيف في سبيل إنقاذ ثائر أو مطلوب للسلطة ممن كان يعرف أنهم مطلوبون ويغير اسمه باسم آخر.
وفي أوائل عام1938 انتقلت بعض معلومات إلى بلدة سلمة بأن اليهود يقومون بنقل أسلحة 1ذخائر إلى يهود القدس بواسطة قطار سكة الحديد الذي يقوم من محطة تل أبيب وعلى الفور قامت قيادة بلدة سلمة بوضع خطة لخلع قضبان سكة الحديد في مكان ملائم بين بلدتي سلمة ويازور لينقلب القطار ويقوم ثوار سلمة بالاستيلاء على هذه الأسلحة والذخائر ولسوء الحظ فإن هذه الخطة قد فشلت لأن سلطة الانتداب كانت ترسل كاشفة أمام القطار لتتأكد من سلامة الخط، وقد اكتشفت هذه الكاشفة خلع بعض قضبان السكة فرجعت إلى الوراء بسرعة وأعلمت القطار الذي لم يقم في تلك الليلة برحلته وقد نتج عن خلع بعض القضبان إصابة كل من المرحومين المناضلين: سعيد علي صالح، مطيع سويدان بكسور في ساقيهما أفضت إلى العرج الدائم بسبب عدم الاستطاعة في توفير العلاج المناسب لهما لضرورة اختفائهما عن أعين السلطة.
وفي مساء يوم من صيف عام 1938 وفي إحدى غارات ثوار أهالي سلمة على مستعمرة منتفيوري المجاورة واشتباكهم مع حراسها أصيب الشهيد حسني محمود مشة بإصابة قاتلة فتوفي على الفور فنقله رفاقه ودفنوه سراً في الليل في مقبرة البلد وجعلوا الغنم تسير فوق القبر الذي لم يتركوا له أثراً لأن سلطات الانتداب البريطاني تتبعت آثار الدماء ووصلت إلى البلدة لتستفسر هل مات أحد؟ فكان الجواب بالنفي، ثم قاموا بالتفتيش عن المقبرة لعلهم يجدون قبراً حديث العهد فلم يجدوا حيث كان من عاداتهم أن ينسفوا بيت ذوي القتيل وينكلون بأهله وبالبلدة كلها وهكذا قدمت بلدة سلمة شهيدها الثالث.
وفي صباح يوم من أيام 1938 تنادت مجموعة الثوار التابعة للقائد فارس العزوني لعقد اجتماع لهم في بلدة كفر عانة المجاورة لتدارس إمكانية القيام بعمليات ثورية ضد سلطات الانتداب البريطاني وعلمت سلطات الانتداب بذلك الاجتماع، فأسرعت بآلياتها ومصفحاتها إلى تطويق بلدة كفر عانة ومحاصرتها ولم يتمكن شيد بلدة سلمة التابع لمجموعة القائد فارس العزوني المذكور من الإفلات من طوق الحصار المفروض على البلدة ولكونه غريباً عن تلك البلدة فلم يتمكن من الاختباء فيها فانكشف أمره وأطلقت عليه إحدى مصفحات سلطات الانتداب النار فقتلته وهو الشهيد الرابع لبلدة سلمة المرحوم أحمد علي صالح، وقد حمل بصعوبة ودفن سراً في بيارة آل علي صالح المجاورة لمقام الولي الصالح الشيخ حسن، وقد حاول الانجليز كعادتهم الحضور لبلدة سلمة وتفتيش مقبرة البلدة فلم يعثروا على جديد فيها وظلت بلدة سلمة ماضية في ثورتها مع بقية البلاد حتى توقفت الثورة.
أرسلها: deed222010@hotmail.