جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
بالأعمدة المصطفة دهراً والمدرجات المنقوشة منذ قرون، وما يصاحب ذلك من انثناءاتٍ تاريخية، تحكي قرية "سبسطية" شمال مدينة نابلس رواية تاريخٍ حافل زُرع على أرضها. تلك القرية الأثرية التي يعود تاريخها إلى عصور مختلفةٍ أهمها العصر الروماني، والواقعة على بعد 18 كم شمال غرب نابلس، تشتهر بلباسٍ أخضر رائع يكسوها في فصل الربيع، ويغطي مساحات من الحجارة العتيقة التي تتناثر بين جنباتها، مستفزةً الزائر لمعرفة حكايتها وكيف وجدت هناك؟. إنها "سبسطية"..التي تحتاج من الاهتمام أكثر من مجرَّد مرور حافلة مدرسية وقتاً قصيراً، دون إلمام الطلاب بعظمة تلك الآثار الفلسطينية، والتعرف على حقيقتها وتاريخها الروماني العريق، في وقتٍ يمكث فيه المستوطنون ما يقارب اليوم الكامل في تفقُّد تلك الآثار، والتعرف عليها بدقةٍ من خلال المرشدين السائحين وكأَنها لهم!!. من الناحية التاريخية نبدأ عزيزي القارئ بنبذةٍ تاريخية عنها.. في القرن التاسع قبل الميلاد بنى "الملك عمري" مدينة السامرة في تلك المنطقة، لتتعاقب عليها السلطة الآشورية فيما بعد، وتتحوَّل إلى مدينة "هلينية" ولكنها دمرت بعد أعوام من الحروب. وفي القرن الثاني بعد الميلاد أعيد بناء المدينة من قبل الإمبراطور "سبتيموس سفيروس"، وتعود الآثار الموجودة حالياً إلى تلك الفترة، ومنحت المدينة في عهده حقوق المستعمرات الرومانية، وقد أخذت "سبسطية" اسمها من "سباستي" والتي تعني باليونانية "أغوستا" أثناء حكم أولوس غابنوس لها في عام 30 قبل الميلاد. ويذكر أن "رفات" سيدنا يحيى -عليه السلام- مدفونةً في سبسطية بعد أن قتله الحاكم الروماني هيرودوس، وأن كنيسة بيزنطية أقيمت فوق ضريحه في فترة الحروب الصليبية، ولكن القائد صلاح الدين الأيوبي بنى بجانبها مسجداً دون أن يهدمها في عام 1187، وهو الأمر الذي يبين احترام الدين الإسلامي للديانات الأخرى، كما أضاف السلطان العثماني عبد الحميد جزءاً للمسجد وأقام له مئذنة. في سبسطية أيضاً يوجد "مقبرة الملوك" والتي دفن فيها أحد ملوك الرومان، ويشير مظهر المقبرة الخارجي إلى عظمة العمارة ودقتها في تلك الفترة التاريخية، وذلك من خلال دقة نقش التماثيل على القبور. أيادي الاحتلال وكأي قريةٍ فلسطينية تعاني "سبسطية" من سياسة الاحتلال الهادفة إلى الاستيلاء على كل الآثار الموجودة في فلسطين، وحرمان أهاليها من الاعتناء بها لاستجلاب الزائرين، فحشودُ المستوطنين تزور القرية بين الفينة والأخرى باهتمام شديد، حيث إن مرشدين سياحيين إسرائيليين يتقدمون المستوطنين، ويخصصون أياما لزيارة سبسطية ويمكثون أكثر من ساعة عند كل موقع أثري، بل وفي إحدى المرات وُجِدَ المستوطنون يؤدون صلواتهم على سور حديث البناء بالقرب من الآثار، وعندما استَفسرنا عن السبب وجدنا أن أحد المرشدين السياحيين الإسرائيليين أوَهمهم بأن هذا الجدار يعود لأحد أوليائهم، وأنه دُفِن تَحتَه رغم أن السور حديث البناء لا يتجاوز عمره 20 عاما!". وللأسف فقد عمدت سلطات الاحتلال إلى وضع إشارات باللغة العبرية حول الآثار، وشيّدت مرافقَ عامة لراحة المستوطنين، والسياح الذين تستجَلبهم وتبثّ في أذهانهم، روايتها للفترة التاريخية تلك وما تحتويها من تحريف وزج للوجود اليهودي هناك!.
المصدر: صحيفة فلسطين