جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
تعيش مسيرة النضال الفلسطيني من اجل استرداد الحقوق المغتصبة ازمة حقيقية بفعل الاختفاء التدريجي لجيل المؤسسين التاريخيين بفعل المرض والموت، وجاءت وفاة المناضل عبدالله حوراني بعد صراع مع المرض لتسدل الستارة على احد الرموز البارزة في هذه المسيرة التي ستترك فراغا كبيرا دون شك. السيد حوراني كان عنيدا في تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وقضى حياته متنقلا بين مخيمات اللجوء والمعتقلات العربية، ولم يساوم مطلقا على قناعاته، خاصة تلك المتعلقة بحق العودة، ولذلك حرص على تولي ملف اللاجئين الفلسطينيين اثناء اختياره عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. كثيرة هي المواقف المشرفة التي زينت رحلة هذا الرجل، ابتداء من تبني الفكر القومي العربي، والايمان بالعمق العربي لقضية فلسطين، ومرورا بالوقوف في وجه المشروع الامريكي التدميري للعراق، وانتهاء بمعارضة التسوية السلمية المفروضة وفق الشروط الامريكية والاسرائيلية. وتظل النقطة المفصلية في تاريخ الراحل عبدالله حوراني هي امتحان اوسلو الذي اجتازه بتفوق عندما اعلن رفضه للاتفاقات التي حملت اسم العاصمة النرويجية، وقدم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واعتكف في بيته منحازا الى ضميره الوطني، وتاريخه النضالي الحافل في مواجهة كل مؤامرات التصفية للقضية الفلسطينية. السيد حوراني كان يعتبر حق العودة الى المسمية القرية الفلسطينية الجنوبية مسقط رأسه، ومرابع طفولته، حقا مقدسا لا يمكن، بل لا يجب التفريط به، وواجه من اجل ذلك الكثير من الاتهامات بالجمود وعدم المرونة، والابتعاد عن الامر الواقع، ولكنه لم يأبه مطلقا بهذه الاتهامات واصر على موقفه بعناد الفرسان. رؤيته لاتفاق اوسلو كانت واضحة منذ البداية، فقد كان يدرك ان منظمة التحرير التي انجرفت الى مفاوضات سرية في دهاليز العاصمة النرويجية انما تساق الى مصيدة اعدها الاسرائيليون بعناية، وان الذين وافقوا على هذا الاتفاق انما ارادوا المقامرة وانقاذ انفسهم قبل انقاذ الشعب الفلسطيني، وقد صدقت تنبؤاته ومواقفه، فبعد حوالي سبعة عشر عاما من توقيع هذه الاتفاقات تضاعف الاستيطان والمستوطنون في الاراضي العربية المحتلة، وفشل رهان السلطة على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بل انهارت عملية السلام بالكامل وحل الدولتين الذي تقوم عليه. ما يثير الحزن ان الراحل عبدالله حوراني الذي تمسك دائما باستقلاليته، وترك مسافة واحدة مع جميع فصائل المقاومة، انتقل الى العالم الآخر دون ان يرى ثمرة للجهود الكبيرة والمضنية التي بذلها لتحقيق المصالحة بين ابرز طرفي المعادلة الفلسطينية اي حركتي 'فتح' و'حماس'. غادرنا السيد حوراني بعد ثلاثة اعوام من وفاة صديقه محمود درويش الذي كان الوحيد غيره الذي تجرأ على الاستقالة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاق اوسلو. ومن المؤلم ان الرجلين توفيا خارج فلسطين، الاول في الاردن، والثاني في هيوستون الامريكية. ومن المفارقة ان الرجلين لم يتركا مالاً ولا عقارات ولا يخوتاً، وانما ذكرى طيبة، وارثاً من المواقف الوطنية المشرفة.
رأي القدس: