جريدة الخليج - 24/5/2009
رحل الحاج علي أبو حسين المكنى “القاضي” من قرية عرابة البطوف داخل أراضي 48 بعدما تناوبت على حكم بلاده فلسطين ثلاث دول من الحكم العثماني حتى اليوم .
ولد أبوحسين عام 1905 لكنه ظل حتى يومه الأخير صافي الذهن مدخرا مساحة من روح الدعابة والمزاح، وكثيراً ما تحفظ أبو حسين على رغبة أحفاده بالاحتفال بعيد ميلاده المائة . وكثيراً ما صد أبو حسين دعوات ذريته “100 ولد وحفيد” للاحتفاء بيوم ميلاده ب”خفة دم” وتودد، لافتا إلى أن الاحتفالات تلفت النظر وتستدرج عين الحسد .
كانت ذاكرة أبو حسين الذي شهد أواخر الحكم العثماني في فلسطين قوية تساعده في استعادة أيام الانتداب الانجليزي خاصة فترة الثورة الكبرى عام 1936 التي شارك فيها ببندقيته “الألمانية” .
وتمتع أبو حسين بصفاء الذهن وبصحة ممتازة إلى درجة أنه كان لا يذكر أنه زار عيادة طبيب عدا طبيب العيون وربما ساعدته بنيته النحيفة في درء مخاطر الأمراض . لكن الأيام نالت من قدرة أبو حسين على السمع قبل رحيله، وفي لقاء سابق قبل 4 أعوام بمناسبة ذكرى ميلاده المائة كان يرد على أسئلتنا بمساعدة ولده الشيخ أبو غسان (82 عاما) الذي كان يتحدث إليه عن قرب ليظهرا لجانب بعضهما بعضاً كصديقين لا كوالد وولده بفعل توالي السنين التي صبغتهما بلون الشيخوخة . ورغم تلاشي الفوارق المظهرية بين الأب والابن كان الأول ما زال يتحدث للثاني بلغة الأمر والنهي، حيث اهتم بإصدار تعليماته في ختام اللقاء بضرورة إعداد وجبة العشاء للضيف كما تقتضي التقاليد .
واغتنم أبو حسين فرصة زيارتنا له في ذاك الوقت للسؤال عما إذا كانت الطريق لمدينة جنين مفتوحة كي يزور طبيب العيون والحصول على نظارة جديدة ولفت إلى انه دأب قبل النكبة وبعدها على زيارة جنين وتأمين احتياجاته منها وأضاف مبتسما “دكاترة العيون هون مش نافعين” .
وأثنى أبو حسين على النظارة الزجاجية كونها تعينه في قراءة القرآن الكريم وإلى جانب سريره كانت مكتبته الخاصة مملوءة بالكتب، ومنها “لسان العرب” وديوان أبو فراس الحمداني و”طبقات الشعراء” .
وكان أبو حسين يستهل يومه بالاستيقاظ مبكرا لصلاة الفجر وقراءة بعض الآيات القرآنية وتناول وجبة الفطور المكونة من الألبان وزيت الزيتون وخبز القمح والعسل . أما وجبة الغذاء المحببة إلى قلبه فكانت الحساء والأكلة الفلسطينية الأكثر شعبية “المجدرة” التي تعرف بطعام الفقراء فيما كان يستنكف عن تناول الأطعمة أثناء الليل .
أما السيجارة فكانت ألد أعداء أبو حسين الذي فاخر قبل رحيله بأنه لم يلتق بها ولو مرة واحدة في حياته . ومن الأحداث التي ظل يرددها أبو حسين قيام الصهاينة باعتقال 84 أسيرا من قريته، عرابة وإيداعهم في معتقلي عتليت وصرفند جنوب حيفا لمدة تسعة أشهر لافتا إلى عمليات التجويع والتعطيش .