{ الشيخ منور أحمد ادعيس الحسيني }
الخليل – دنيا الوطن- وسام فوزي الشويكي
كان كل يوم يمر من منطقة "باب الزاوية" بمدينة الخليل متوجهاً من والى الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث مقره الدائم، وانيسه الذي يثلج صدره، ويحن له قلبه، وعنده يجد لذة العبادة والحديث، وفيه اجتماعه مع قاصديه.
ضرير لا يرى، عصاته التي تشير إليه معالم الطريق لم تخنه أبداً، فهي الرفيق الوفي منذ نعومة أظفاره، يعرف وجهته على وجه الدقة والتحديد، يمشي بخطوات الواثق المتقين و باسلوبه الهادئ الرزين، يأتي ويذهب دون مساعدة من أحد، ترى وجهه منيراً كأن شيئاً ما في صدر هذا الرجل يبعث له النور والبصر والهدى.
داخل الحرم الإبراهيمي الشريف مكانه معروف، حال الانتهاء من الصلاة يجلس بجانب نافذة الغار الشريف، ويتحلق حوله من يقصده ويريد التزود بعلمه، يرشدهم الى الكشف عن همهم، ويقران القران على المريض، ويفسر الأحلام، وعنده يجتمع مع الاصحاب والاحباب.
في قلبه القران الكريم كاملاً، تجويداً وترتيلاً، وما يميزه حفظه المصحف الشريف بقراءاته العشر المتواترة، وهذا نادر عند كثير من القراء والائمة، في هذا العصر.
ولد العالم الجليل الحافظ لكتاب الله تعالى الشيخ منور احمد ادعيس في عام 1923م في مدينة الخليل، لاسرة عرف عنها التدين والالتزام، الى ان لاقى الاجل المحتوم صباح يوم الاحد الثالث والعشرين من شهر اذار الجاري (2008)، بعد حياة حافلة بخدمة القران الكريم، وحب الناس.
فقد بصره بعد سبعة أشهر من ولادته، وفقد والده شهيداً عام 1948م، ولم يتجاوز الـثالثة عشرة من عمره حتى اتم حفظ القران الكريم كاملاً، وواصل حفظه للقران الكريم حتى نال درجة اتمام حفظ القراءات العشر المتواترة، على يد العلامة الازهري الشيخ حسين بن علي ابو اسنينة. وقد عُرف عن الشيخ الفقيد، الفاقد للبصر المالك للبصيرة، وراعته وتقواه، ودماثة خلقه، يحب الناس ويحبونه.
وكان يمتاز العالم الشيخ ادعيس بمعرفته الجيدة باللغة العربية الفصحى والتدقيق بها، وهو حافظ لعدد كبير من ابيات الشعر الاسلامي، غني بالثقافة العامة، وكان حافظا ً لألفية ابن مالك.
ويقول نجله المهندس حمدي منور ادعيس ، ان والده الشيخ التقي كان فطناً متقد الذهن، يتمتع بصحة جيدة طوال حياته ولا يعاني من اية امراض، وكان يقطع مسافة ستة كيلومترات مشياً على الاقدام يوميا من بيته الى الحرم الابراهيمي الشريف، ذهابًا واياباً.
ويعتبر الشيخ منور المرجع للقرّاء جميعاً في الخليل، كونه من ابرز العلماء الذين أتقنوا القراءات العشر للقران الكريم، حافظاً لمتونها على مستوى الوطن ، وبذلك فقد اسقط فرض الكفاية عن اهل مدينة الخليل لمدة 30عاماً، وبفقدانه يكون الوطن عموماً ومحافظة الخليل على وجه الخصوص فقدت عالماً جليلاً في القران الكريم ليس سواه الا القليل وقد يكون نادراً في هذا العصر.
وعن حياته الشخصية
يقول نجل الشيخ العالم ادعيس: ان والده الجليل كان متابعا للأمور السياسية والثقافية والدينية من خلال المذياع، وهو يتقن لعبة الشطرنج، ويتقن لغة بريل قراءة وكتابة ويحسن الاستماع للأخرين، وكان –رحمه الله- سريع الحفظ، فطناً، يعرف كل شخص عن طريق مصافحتهم بيده دون التعرف على اسمائهم، وكانت دائرة علاقته الاجتماعية واسعة لدرجة ان رجال الخليل ونسائها وفتيانها كان يعرفونه جيدا ً ويودون التقرب منه لكي ينهلوا من علمه، وقراءته ، او ليتنبأهم في تفسير حلم في ليل ينتظرون نهاره ليلتقوا الشيخ منور، حيث كان عالماً بذلك.
ويصفه الشيخ محمد رشاد الشريف مقرئ الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل ومقرئ المسجد الاقصى المبارك في القدس المحتلة ومدرس اللغة العربية، بانه شيخ عالم من علماء هذه الامة، وان فقدانه مثل صدع في البنيان الكبير الذي تصدع وتناثرت اعمدته في هذا القرن، واعتبره من "مصابيح الهدى" التي كانت تعمل على محو هذا الظلام الدامس وبعث النور في ارجائه.
والشيخ الشريف، المشهود بقراءاته للقران الكريم، ممن لازموا الشيخ الفقيد ادعيس في الاخذ عن الامام الشيخ حسن ابو اسنينة، ويقول عن الشيخ ادعيس بانه كان يحفظ القران الكريم حفظا جيدا ومتون القراءات كذلك وكان واعيا للغة العربية وعيا جيدا، ويقول ان هذا الذي يذكره ليس امرا هينا وسهلا فان كثيرين من المنتسبين للعلم لا يحفظون جزءا واحدا من القران الكريم ويقتصرون في صلواتهم واحاديثهم على بعض السور القصيرة.
وقبل اسبوع واحد من وفاته ُأدخل العالم الجليل ادعيس الى احد المستشفيات في المدينة جراء جلطة دماغية حادة اصابته، لكنها لم تذهب وعيه ، وظل عالماً بما يدور حوله معبراً عن ذلك بإشارات يده حتى اليوم الاخير من وفاته، الى ان غيبه الموت باكراً، عن الاهل والاقارب والعالم من حوله.
ومن باب تكريم هذا الشيخ الجليل بعد وفاته، يدعو الشيخ الشريف بلدية الخليل ورئيس بلديتها العمل من اجل اطلاق اسم الفقيد ادعيس على شارع او مدرسة من مدارس الخليل تقديراً لعلمه وفضله.
وبهذا يكون المرحوم الشيخ ادعيس قد طوى صفحة كبيرة من حياة امة، ستبقى مصدراً للعلم والمتعلمين والناهلين لعلم القران الكريم، وستبقى عمامته الحمراء الملفوفة بقطعة قماش بيضاء التي كانت تعلو لباسه الابيض وعصاته الرفيقة التي غادرها ، وأثره، طيفا ً لا يغادر محبيه وتلامذته ما بقوا.
منقول عن: دنيا الوطن ..
{ رحم الله الشيخ الجليل }