اعتاد أهل القرى في فلسطين على تعريف أبنائهم بنسبتهم إلى آبائهم أو أجدادهم بدلاً من ذكر العائلة، وذلك ربما للتفريق بين الأسماء المتشابهة في العائلة الواحدة، وكانوا أحياناً يعتمدونها حتى في الأوراق والمعاملات الرسمية من بيع وشراء وإجارة، فيغيب اسم العائلة الأصلي ليحل محله اسم الأب أو الجد. وفي نفس الوقت وجدنا أن كثيراً من الأشخاص قد نسبوا إلى أمهاتهم أو جداتهم بدلاً من الآباء والأجداد، حتى أن بحثاً أجريناه في واحدة من قرى شمال فلسطين أظهر أن كل عائلات البلدة بلا استثناء قد شهدت هذه الظاهرة، فتوقفنا عندها قليلاً للتحليل والتفسير ورصدنا حالات مختلفة:
- الحالات الأبرز لتسمية الأبناء لأمهاتهم كانت في البيوت التي غاب عنها رب الأسرة إما بسبب الوفاة أو السفر. ففي حالة الوفاة كانت الأم في الغالب تتولى رعاية الأبناء وتربيتهم وإدارة شؤون العائلة، وبطبيعة الحال فإن الناس يعمدون إلى تعريف الأولاد بابن فلانة (نسبة للأم) وليس بابن فلان خاصة إذا كان رب الأسرة قد توفي عن أبنائه وهم صغار.. وحتى في الحالات التي تزوجت فيها الأم الأرملة – وكثيراً ما كانت تزوج لأخي المتوفي – فإن الناس كانوا يميلون لنسبة الأبناء للأم.
أما عن حالات الغياب دون الوفاة، فيذكر كثير من كبار السن أن إلزامية التجنيد الإجباري في الجيش التركي مطلع القرن العشرين دفعت بالكثير من الآباء إلى الهجرة وخاصة إلى أمريكا الجنوبية، وهنا أيضاً كثرت حالات نسبة الأبناء لأمهاتهم. وقد روى لنا المرحوم قاسم عسقول (أبو نايف) مواليد 1929 شاهداً على هذه المسألة بوضعه الشخصي، وقال: ( سافر والدي إلى الأرجنتين قرابة 8 سنوات فنشأ أخواي والناس ينادونهما محمود غزالة وحسين غزالة نسبة للوالدة.. أما أنا فقد ترعرعت إلى جانب والدي بعد عودته من السفر فلم أعرف باسم قاسم غزالة بل باسم قاسم عسقول).
قاسم عسقول أبو نايف
- أما الحالة الثانية وهي نسبة الأبناء إلى الأمهات مع وجود رب الأسرة في البيت، فقد تباينت الأسباب وهي تدخل في باب الرأي والتحليل.. ففي بعض الحالات كانت قوة شخصية الأم تفرض نفسها على البيت كله، وفي حالات أخرى كانت الأم هي التي تتولى تدبير الشأن المعيشي والاقتصادي للعائلة سواء بالعمل في مجالات الزراعة أو التجارة، فكان حضورها أقوى من حضور الأب.
نقول إن الأمر كان ظاهرة منتشرة وليست مجرد حالات فردية، وكما ذكرنا فقد وجدنا عشرات الشواهد في القرية الواحدة. ولكن هل كان للأمر آثار سلبية؟!
لسنا بوارد الحديث عن كل الآثار (السلبية والإيجابية) المترتبة على هذا الأمر، ولكننا نشير إلى جوانب لمسناها من خلال عملنا في المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية.
· من الواضح أن كثيراً من اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من مدنهم وقراهم عام 1948 لم يصطحبوا معهم أوراقهم الثبوتية، وعندما عمدت لجان الإحصاء في المخيمات إلى تسجيل أسماء اللاجئين، كان كل منهم يسجل اسمه بما اعتاد عليه فتداخلت أسماء العائلات بأسماء الآباء والأمهات، عدا عن الحالات التي اعتمدت فيها الألقاب بدلاً من اسم العائلة، فصار الأخوان كل منهما يثبت اسماً للعائلة مختلفاً عن الآخر، وهذا ما صعب علينا الأمور أثناء عملنا على جمع شجرات العائلات أحياناً.
· وصادفنا في بعض الأحيان حالات متناقضة.. فأحياناً كانت الأسماء الثلاثية في العائلة الواحدة متشابهة، ولولا أن أحد الشخصين كان معروفاً بين أبناء البلد منسوباً لوالدته لتداخلت الروايات التي سمعناها عنهم من الكبار.. وأحياناً أخرى كانت نسبة الأبناء للأم هي مصدر الالتباس خاصة عندما تتزوج المرأة من رجل ثان وتنجب أبناء يحملون نفس أسماء أبنائها من الزوج الأول.
الحالات متناقضة وكثيرة، وقد توقفنا عندها للدراسة وليس للتقييم، ولكن المفارقة أنه رغم انتشار هذه الظاهرة في كثير من القرى الفلسطينية قبل العام 1948 واستمرارها مع الجيل الأول وربما الثاني في مخيمات اللجوء، فإننا قد واجهنا ظاهرة معاكسة خلال عملنا في (هوية) على جمع شجرة العائلة الفلسطينية، حين وجدنا أن الكثيرين يرفضون ذكر أسماء الأمهات في شجرة العائلة لأسباب متباينة... وهذه ظاهرة أخرى تحتاج لدراسة أعمق في الأسباب والنتائج.
إن كان لك رأي في هذه الظاهرة، راسلنا على: info@howiyya.com