علم الأنساب عند العرب
علمٌ لابد من إعادة تفعيله وتجديده
ياسر قدورة - أبو ظبي
منذ الأيام الأولى لبدء التنافس الانتخابي بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون للترشح لموقع الرئاسة في الولايات المتحدة باسم الحزب الديموقراطي، بدأت عمليات البحث عن جذور وتاريخ عائلة كل منهما حتى وصل أحد الباحثين إلى أن أحد أجداد أوباما (من جهة والدته ذات البشرة البيضاء) قد امتلك الرقيق عام 1850، وكذلك فعلت إحدى جداته من خمسة أجيال، إذ تبين أنها امتلكت اثنين من العبيد.
أما هيلاري كلينتون فقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن جدتها الثالثة من ناحية أمها كانت ديلا روزنبرغ وهي يهودية.. بنفس الطريقة التي قامت بها صحيفة الواشنطن بوست عام 1998 بالكشف عن أن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كانت يهودية.
مثل هذه الأبحاث ينفق عليها عشرات آلاف الدولارات في الغرب لتوظيفها لصالح مرشح ما أو للنيل من خصومه في مثل هذه الانتخابات.. وهذايدفعنا للتساؤل بجدية عن مكانة هذا العلم؛ علم الأنساب وتاريخ العائلة، عند العرب، ومدى الاعتراف به كعلم حقيقي، ولا سيما أن الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة باتت تعتمده على نطاق واسع وتتزايد أعداد المراكز المتخصصة فيه يوماً بعدآخر.
علم الأنساب عند العرب
اهتم العرب بمعرفة الأنساب اهتماماً شديداً منذ الجاهلية وإن لم يعتمدوا فيه التدوين واكتفوا بالحفظ والمشافهة، وكان هذا الاهتمام لأسباب عصبية قبلية في الغالب.. ومع ظهور الإسلام،نهى النبي عن العصبية الجاهلية ولكنه حثّ على الاهتمام بمعرفة الأنساب باعتباره باباً للتعارف والتواصل وتعاطف الأرحام.. وازداد اهتمام العرب بهذه المعرفة مع اهتمامهم بعلم الحديث ورجاله، حتى أضحى علماً مستقلاً بذاته له أصوله وفنونه.. وقد حفظ لنا التاريخ أسماء كبار النسّابة العرب من مثل: الإمام النسّابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري والحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار البغدادي، وغيرهم..
وقد أشار بعض الباحثين المتأخرين إلى ملاحظة جديرة بالاهتمام، ألا وهي أن عناية العرب بهذا العلم كانت تتعاظم في عصور النهضة والازدهار وتتراجع بل تكاد تختفي في فترات الضعف وعصور الانحطاط، مستدلّين على ذلك بأن معظم كتب الأنساب المعروفة اليوم التي أصبحت مصادر لهذا العلم إنما أُلّفت فيعصور تفوّق الأمة وقوتها، وبأن أعداد النسابين العرب المترجَم لهم كانت أكثر بكثير في عصور النهضة منها في عصور الانحطاط..
ربما في هذه الملاحظة القيّمة إشارة واضحة إلى سبب تراجع هذا العلم عند العرب والمسلمين في العصور المتأخرة، وتقدمه وتطوره عند الغرب مع بداية نشاط المستشرقين الذين ترجموا أمهات كتب الأنساب العربية..
الأنساب في فلسطين
أما على الصعيد الفلسطيني فنجد أن هناك بعض المؤرخين المتأخرين الذين اهتموا بموضوع الأنساب وشجرة العائلة في فلسطين،ويوجد في المكتبات مجموعة من الكتب القيمة التي تحوي معلومات واسعة عن تاريخ العائلات مثل كتاب «إتحاف الأعزة في تاريخ غزة»، «تاريخ مدينة بيت لحم في العهدالعثماني»، «الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل» فضلاً عن بعض مجلدات الموسوعة الفلسطينية وغيرها الكثير، بالإضافة إلى عدد من الأبحاث التي تناولت أنساب العشائر والقبائل التي سكنت فلسطين.. وقد بدأ اهتمام الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين بعلم الأنساب يتعاظم في أواخر القرن العشرين مع تزايد الاهتمام بموضوع «التاريخ الشفوي» الذي عقدت من أجله المؤتمرات وشكلت له اللجان، وبرزت أسماء عدة شخصيات يمكن الرجوع إليها في هذا الاختصاص..
يضاف إلى ذلك ظاهرة الاهتمام الفردي أو العائلي بموضوع شجرة العائلة في المجتمع الفلسطيني التي بدأت بالانتشار بعدما صارت خدمة الإنترنت متوافرة للجميع تقريباً، فنجد أن كثيراً من الأفراد قد نشطوا بجمع شجرة العائلة أوببناء موقع خاص للعائلة على الشبكة لتحقيق الغرض الأساسي من «علم الأنساب» وهوالتعارف والتواصل والتراحم داخل العائلة الواحدة.. إلا أن الملاحظة البديهية أن كل تلك الجهود الفردية والعائلية وحتى الأكاديمية لا تزال مبعثرة ومتناثرة وتحتاج إلىجهد مؤسسي حقيقي لرعايتها وتحقيق غاية أسمى ألا وهي تماسك المجتمع الفلسطيني في مواجهة محاولات التشتيت وتضييع الهوية التي يتعرض لها بشكل مستمر..
فهل مِن مبادر؟