جَيّوس.. تقاوم الاحتلال بالصمود والمقلاع
قيس أبو سمرة/ الضفة الغربية
في كل يوم جمعة، يتجدد الموعد في بلدة جَيّوس بالقرب من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، للمواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي بمسيرات جماهيرية مناهضة لجدار الفصل العنصري الذي التهم أراضي القرية.
وتبدأ الحكاية مع ساحة المسجد الوحيد بالقرية حيث يتجمع الأهالي والمتضامنون الأجانب في مسيرة مناهضة تتجه إلى الغرب نحو الجدار العنصري. حيث أصبحت جَيّوس أحد أهم أماكن الاحتجاج على الجدار العنصري كغيرها من القرى مثل نعلين وبلعين والمعصرة في رام الله وبيت لحم.
تحدّ للجدار
في بيت صغير شيّده من الطوب والصفيح يجلس أبو ضياء بجوار جدار الفصل العنصري يشهد مأساة شعب حُرم أرضه وثمر زيتونه وترابه وحتى هواءه العليل الذي اختلط بغبار ودخان السيارات العسكرية التي تجوب باستمرار محاذاة جدار العزل.
أبو ضياء (52 عاماً) من بلدة جَيّوس بمحافظة قلقيلية شمال الضفة الغربية يقول لمجلة «العودة»: هنا شيّدت هذا المنزل الصغير منذ 15 عاماً على أطراف البلدة لكي أكون قريباً من مزرعتي وأرضي، لم أكن أعلم يوماً أنني على موعد مع أكبر مشهد عنصري في العالم ليكون جاري وبئس الجار.
على تلك التلة، يقول أبو ضياء وقد أشار إلى مدينتي الطّيبة وتل الربيع، هنا أرى بأم عيني فلسطين المحتلة عام 48، ومن هنا أيضاً يمكنني في فصل الصيف أن أرى البحر بوضوح، فكل يوم أفتح عيني على مأساة شعبي التاريخية من الاحتلال 48 إلى 67 إلى المستوطنات إلى جدار الفصل.
موعد مع الاحتجاج
وبلدة جَيّوس، بشيبها وشبانها، على موعد كل يوم جمعة بعد الصلاة، بمسيرة مناهضة للجدار العنصري المقام على أراضيها.
رافقنا الأهالي في مسيرتهم، حيث انطلقوا باتجاه غرب القرية حيث يجثم الجدار على «عرضهم وشرفهم» كما يقولون عن أرضهم.. سرعان ما تحوّلت المسيرة إلى اشتباكات مع جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين ينتظرونهم بالتُّهم العسكرية.
الشاب مؤيد كمال (19 عاماً) يقول: لا يمكننا أن نبقى صامتين ونحن نحرم من أراضينا ومزارعنا، علينا أن ننتفض ونقاوم ولو بالحجارة، فهي سلاحنا الذي نملكه.
ويضيف وهو يمسك بيده المقلاع: هذا هو سلاحي ولن ألقيه، مع أنني أعلم لو أن الجنود يستطيعون الإمساك بي وبيدي هذه الخيوط سأسجن 6 أشهر، لكن ستبقى معي أقاوم بها.
أما عزام (23 عاماً) فيقول: هنا الإصرار والتحدي عندما تقف ندّاً لِندّ مع الجندي لا تخافه ولا تصغي إليه فهي مقاومة كبيرة، هنا تدور مشاجرات مع الجنود بالأيدي يضربوننا ونضربهم والأهم أننا نتحدث ونصيح في وجوههم بعين الأقوياء، فنحن أصحاب حق.
في الجانب الآخر يقف نضال يحمل بيده قنبلة مسيلٍ للدموع «غاز» أمام الجدار ويقول حتى الرصاص الحي والغاز لن يزيحنا عن أرضنا وسنبقى هنا حتى نشهد إزالة هذا الجدار.
ثم يبدأ نضال مع زملائه برمي الحجارة الكبيرة على الجدار السلكي حتى يحدثون به ثغرة.. وما هي إلا لحظات حتى يبدأ الاشتباك مع قوات الاحتلال التي جاءت لقمع المسيرة.
اقتحامات
قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تعجز عن الإمساك بالشبان تلجأ إلى سياسة منع التجوال عن البلدة واقتحامها والعبث في البيوت السكنية.
فمن جانبه يقول مصطفى: في كثير من الأحيان يتخذ الجيش هذه الإجراءات لإرهاب الأهالي والأطفال فهو غير قادر على ردع الشبان فيردعهم بأهاليهم.
ويضيف: قوات الاحتلال اقتحمت بيتي وعدداً من البيوت القريبة من جدار الفصل العنصري وأخرجتنا لساعات طويلة في العراء تحت تهديد السلاح ثم اعتقلت ثلاثة من الشبان وحققت معهم في أسماء من يقود ويشجع على التظاهرة ورمي الحجارة على الجيبات العسكرية.
أم ابراهيم لفتت إلى أن «الجنود قاموا بتخريب منزلي من أثاث وطعام وهم يبحثون عن سلاح كما يدعون ثم اعتقلوا زوجي وولدي البكر وحُكم عليهما بالاعتقال الإداري لستة أشهر».
تضيف: «هم من وضع هذا العنصري على أرضنا! لم نذهب إليهم، هم يلاحقوننا في كل مكان، فكيف لنا أن لا نقاومهم وهم من يسرق الأرض ويصادرها، ويعتقلون ويتجبّرون، سنبقى ولن نرحل لنكون شوكة في حناجرهم إلى يوم طردهم».
بوابات ذُلّ
وتقيم قوات الاحتلال الإسرائيلي بوابات على جدار الفصل تسمح بدخول المزارعين لساعات إلى حقولهم بتصاريح خاصة تصدرها دائرة الارتباط المدني.
يقول المزارع إبراهيم صاحب 20 دونماً داخل الجدار إن جنود الاحتلال لا يسمحون لهم بدخول الأراضي إلا لست ساعات في مواسم محددة وهي لا تكفي لربع المهمة، مما يعني إهمال المزارع لجزء كبير من أرضه.
ويضيف: «على البوابة نعامل كمجرمين نفتش وتفحص الأمتعة ولا يسمح بدخول المركبات، فقط الحيوانات التي تدخل».
أما طارق فيشكو من أن الاحتلال لا يعطي ما يُسمى «الممنوع أمنياً» تصريحاً للدخول، وهو ما يعني إهمال الأراضي وتركها وترحيل السكان وأصحابها منها وتصبح ملكاً لهم زوراً.
وبحسب الإحصائيات فإن الجدار العنصري ببلدة جَيّوس وحدها دمر 120 دونماً من الدفيئات وأكثر من 50 ألف شجرة حمضيات واقتلع حوالى 500 شجرة زيتون. ويتمدد الجدار في أراضي القرية على طول ستة كيلومترات عليه بوابتان وبعمق 4-6 كم، وعرضه 50-100م.
مجلة العودة - مجلة فلسطينية شهرية - العدد الحادي والعشرون - السنة الثانية - حزيران (يونيو) 2009م – جمادي الآخرة 1430 هـ