جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
لم يكن المواطن خليفة محمد سليم دعنا من الخليل يعرف أن البيت الصغير الذي يأويه وأسرته البالغة 17 فردا يشكل "خطرا" إلى هذا الحد على المصالح والمطامع الاستيطانية للاحتلال. وقام دعنا (57 عاما) ببناء البيت قبل أن تأتي عصابات المستوطنين وتستولي على جزء من أرضه وأراضي المواطنين المجاورة، وتبني عليها واحدة من المستوطنات تسمى "جفعات خارصينا" يتصف نزلاؤها، ككل المستوطنين، بالأكثر عنصرية وتطرفا. وقال دعنا: "لم أكن أعرف أو أتخيل يوما أن الدروب ووسائل العنف والتعسف التي يمارسها جيش الاحتلال والمستوطنون سوف تكون طويلة ومفتوحة إلى الحد الذي تصل فيه إلى محاولة اقتلاعي وعائلتي وتهجيرنا عن منزلنا"، وأضاف: إنهم كالشوكة في الحلق، يتفننون في تعذيبنا والبطش بنا على مدار الساعة". ويبدي دعنا، الذي يدرك أن حقيقة ما يصيبه وعائلته ليس "قدرا خاصا" بقدر ما هو نصيبهم من الكوارث التي ألحقها جيش الاحتلال والمستوطنون بعائلات أخرى في الخليل، مخاوفه من أن يبتلع المستوطنون ما تبقى من أرضه والاستيلاء على منزله الواقع في حي عين بني سليم. أطفال دعنا لا يزالون حتى اللحظة يحتفظون في خزانة الذاكرة عدد الاعتداءات عليهم، ولا تفارق مخيلتهم صرخات الجنود، ودبيب البساطير، وصوت الزجاج المتطاير من أعقاب بنادق الجنود والمستوطنين وهم يهاجمون منزلهم كل يوم وكل ساعة. وفي قصة عائلة دعنا التي هشم الاحتلال حياتها، آهات توجع القلب، وحزن عميق، ودموع لا حصر لها. فصول المأساة ومحاولات اقتلاع وتهجير العائلة التي ينفذها الجيش والمستوطنون، يقول دعنا: إنها بدأت بعد مصادرة سلطات الاحتلال عشرة دونمات من أصل خمسة عشر دونما من أرضه التي ورثها عن والده وأجداده منذ أكثر من مائة وخمسين عاما، وذلك بموجب أمر عسكري صدر في الرابع والعشرين من نيسان من العام 2004، وقبل ذلك منذ نشأة المستوطنة في العام 1987. بداية الحكاية وفي سيرة الحكاية المروعة عن عائلة دعنا، أصدرت سلطات الاحتلال سلسلة من الأوامر العسكرية المتلاحقة منعت فيها العائلة من الوصول إلى ما تبقى من أراضيها، بينما قام المستوطنون بتقطيع 50 شجرة زيتون معمرة تعتاش من خيرها العائلة، ودمروا بئري مياه من أصل ثلاث آبار، تعتمد عليها في مياه الشرب اللازمة. وأضاف دعنا: إن سلطات الاحتلال أصدرت بتاريخ 29/6/2005 أمرا عسكريا يحمل الرقم 03/11/س "أمر تمديد وتعديل حدود مستوطنتي كريات أربع وخارصينا"، اعتبر منطقة الأمر العسكري منطقة عسكرية مغلقة بهدف إقامة منطقة "أمنية" حول المستوطنات، حيث تم بموجب هذا الأمر إرجاع حدود سياج مستوطنة "كريات أربع"، إلا أن السياج الموجود حول أرضه لم يتم تعديله وبقي كما هو. وقال: "في تطور لاحق، قامت قوات الاحتلال والمستوطنون بإضافة جدار الكتروني شائك اقتطع أرضي نصفين، لغرض تأمين الحماية للمستوطنين الذين انفلتوا في عمليات تدمير واقتلاع واعتداءات متواصلة، ومنعوني من دخول ارضي في خطوة تستهدف ترحيلي عنها بالقوة". وأشار إلى تسلمه أمرا عسكرياً آخر يحول دون تمكنه من توسعة منزله البالغة مساحته نحو مائة وخمسين مترا مربعا، أو حتى إقامة بناء جديد، حيث قام جيش الاحتلال بهدم منازل عدة مجاورة لمنزله. وتتكاثف فصول المأساة مع سعي المحتلين من الجيش والمستوطنين لوضع يدهم بالقوة والغطرسة على منزل دعنا، حيث يواظب المستوطنون وجنود الاحتلال ممن يعملون على حراستهم، على الاعتداء بأشكال وحشية متعددة على أفراد العائلة كلما غادروا أو قدموا الى منزلهم الذي يبعد حوالي 800 متر عن الشارع الرئيسي. ويستذكر دعنا كيف ان نجله عبد الله البالغ من العمر 26 عاما، نجا من موت محقق في 10/5/2007 بعد إطلاق المستوطنين النار عليه وإصابته بجروح خطيرة في الصدر. وتأمل عائلة دعنا، التي تعيش وحيدة في المواجهة مع مستوطني "جفعات خارصينا"، في زيارات تضامنية تقوي عزيمتها وصوتها الذي يكاد يختنق تحت وطأة الوجع، ما يطمئنها بأن عربدة المستوطنين واعتداءاتهم سوف تتوقف قبل ان تبتلع كل الأرض ويتم الاستيلاء على المنزل. ولهذا الغرض، يقيم دعنا ومنذ عدة أسابيع خيمة اعتصام أمام منزله، آملا في لفت أنظار مؤسسات حقوق الإنسان في العالم، ودفعها للتدخل لإنقاذه وعائلته من جحيم المستوطنين المتعطشين للدم والرعب. ويشير مهتمون بالنشاطات الاستيطانية في الخليل إلى ان صمود عائلة "دعنا" يمكن اعتباره مأثرة نوعية وفريدة في تاريخ المكان الصعب والدموي منذ نشأة الاستيطان في المدينة. تواصل مسلسل ترحيل العائلات وقال عبد الهادي حنتش خبير الخرائط والاستيطان، إن ما يجري لعائلة دعنا يمكن اعتباره قصة نموذجية من بين عشرات القصص في مسلسل ترحيل العائلات الفلسطينية في الخليل القديمة ومحيطها في: عين بني سليم، وواد النصارى، ووادي الحصين، والرأس، وبالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف، وفي كافة المناطق القريبة من مستوطنتي "كريات أربع وخارصينا". إن قصة العائلة هذه ــ تضيف لجنة إعمار الخليل ــ وبالحجم الذي تظهره الخطة الإسرائيلية، تستحق من كافة الهيئات الشعبية العاملة في مجال مقاومة الاستيطان، انتباها وبرامج عملية تبدأ بشق طريقها على الأرض للحيلولة دون تنفيذ المخطط الرامي لتهويد ممتلكات المواطنين من أراض ومنازل.
المصدر: وكالة وفا
المرسل: سليم دعنا
saleemdana@yahoo.com