أنا رجا حسين قدورة، هوايتي كانت بفلسطين نصب الدبق وصيد العصافير والقراقير. بعرف أرض سحماتا شبر شبر، كل جزء بسحماتا دعسته ورحت له.
القرى التي تحُدّ سحماتا، شرقاً سبلان (المزار) وحرفيش، ترشيحا ومعليا غرباً، دير القاسي ومبسوطة شمالاً، وكفر سميع وتيرى والبقيعة وبيت حبر والراقة جنوباً.
كنت أصيّد بالزعترة بمنطقة الخلّة، وبرزة، وجبال البطم ووادي الحبيس وعين البازل. أما الأراضي التي كنا نملكها هي العبيّة والصيرة والخلة والتوت، الرغبة وأراض كثيرة. وأحسن أرض هي كانت أمام بيتنا وإسمها أرض البستان.
والدي لا أعرفه، مات وعمري 4 سنوات، ربتّنا أمي، كان عنا بابور طحين وبابور زيت، حوالي 12 صنيعة كانوا يأتون ليطحنوا عنّا، وخمس عمال (صنيع) من لبنان يأتون الى فلسطين ليطحنوا عنّا أيضاً. الصبايا كانوا ينامون عنا ليلتين ثلاثة ليلحقهم الدور.
والدتي إسمها الحاجة ريا العبد علي، كانت أمي شخصيتها أهم من المختار لأنه من كان يريد أن يستلف نقود كان يأتي إليها، لأنه كان عندنا بابورين، أمي إشترتهم. كل بابور لنا نصفه، وكل 3 أو 4 من أقربائنا تشاركوا وليأخوا النصف الاخر. أنا كنت في المدرسة ولم أكن لأساعد في عمل البابور.
وأنا بالمدرسة كنت أتعلم، أنا أتحدث اللغة الانكليزية جيداً، تعلمنا حتى صف الرابع إبتدائي بسحماتا، كان واحد إسمه خالد القاضي والأستاذ أحمد، واحد من ترشيحا وآخر من الساحل، ولما خرجنا توظفت معلماً، درست 40 سنة بالوكالة.
ما اخرجنا من سحماتا، هي إسرائيل مدافع ودبابات وقصف، والناس لا يملكون شيئاً، الإنجليز سلّحوا اليهود وأعطوهم فلسطين.
جاء اليهود الى البلد وقتلوا 90 شاباً دفعة واحدة (هذه في بلدة الصفصاف)، أنا طلعت مع كل أهالي بلدنا، بقي المسيحيون فقط. كل عائلتين أو ثلاثة كانوا يخرجون مع بعضهم.
كنت أصيّد مع بعض الأصحاب مثل زوج أختي غسمه محمد، ورزمة جميل، وحسين علي صالح وحسن عبد الوهاب. الدبق الذي كنا نستعمله مُهرّب من لبنان، نأخذه ونحضر زيت مهرّب ونبيعه ويحضرون زيت مهرّب أيضاً ويبيعوه، فيربحوا من الجهتين. الربطة يأخوها بـ 40 قرش ويبيعوها بليرة (100 قرش).
أنا كنت اشتري ربطة بليرة وأغيب ساعتين ثلاثة وأذهب، وعندما أعود يكون معي بين 60 – 70 عصفور، وطعمها أطيب من لحم قرقور، لأنه بلدنا كلها تين وعلّيق وهذا ما يأكله ويحبه العصفور.
عندما خرجنا كنت ولداً، فلا أذكر هل أخرجنا أوراق رسمية أم لا.
بسحماتا كان فيها مغارات، منهم مغارة تلمة، ومغارة برزة، مليئة سحماتا بالمُغُر، مغارة لمة كبيرة وفيها نبع ماء، ماؤها جيدة جداً وصحية، لأنه يوجد فيها سمك.
كان بسحماتا ينابيع، مثل البالوع وغيرها مثل العين (3 – 4 ينابيع مع بعضهم)، أما بالنسبة للزيتون، بلدنا مليئة بالزيتون، معظم أراضي بلدنا تين وزيتون.
شجر الزيتون، منه ما هو قديم عمره من فوق 2500 سنة، كنا نجلس والدنيا تشتري 4 – 5 أولاد داخل الزيتونة ونولّع النار ونلعب الورق. كان عرق الزيتونة كبيرة جداً وله بابين، كنا ننصب أفخاخ للعصافير للصيد، ومن الشجر ما هو جديد.
في بركتين، واحدة في وسط البلد وأخرى في آخر البلد (من الجنوب)، الأولى بركة الرحبة وأخرى البرّانيّة. البركة الكبيرة كنا نسبح فيها، كنت أعرف السباحة، وهذه البركة كانت تستخدم لريّ نبتة الدخان.
كان يأتي على سحماتا ضيوف من خارج البلاد التي حولنا من ترشيحا وكفر سميع والراقة وحُرفيش والدير وفسوطة. ومن يمرض كان ينزل الى عكا، أنا كل اسبوع كنت أذهب الى عكا.
كنت أنزل إلى عكا بالباص، وثاني يوم نرجع الى البلد، كنت أنزل مع أمي. كنا ننزل للتنزه (شمة هواء) ولشراء بعض الأغراض. وإذا أردت الذها الى الطبيب كنا نذهب إلى نهاريا.
عندما خرجت من فلسطين كان عمري 15 سنة، وكان معنا أخي محمد حسين وزوجته بنت إبراهيم خليل، وفوزية (عمرها 3 سنوات) وأمي واولاد أخي.
أنا مازلت أحفظ الطريق المؤدية إلى سحماتا، أعود إليها وأنا مغمض العينين وبدون دليل. مساحة سحماتا حوالي 16 كلم2 – 18 كلم2. وأعرف كل البيوت في سحماتا، وأعرف اصحابها أيضاً.
"إذا صحّ لي الرجوع الى بلدي، ولو أعطوني العالم كلّه لا أبدله بسحماتا".