الدزدار، أحمد آغا العسلي: (توفي سنة 1290ه/1873م)
(قائد قلعة القدس(دزدار) في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ومتسلم اللواء، ووكيل المتسلم أكثر من مرة خلال تلك المدة. جمع ثروة كبيرة واشترى الكثير من الأراضي، وأصبح من أعيان المدينة البارزين في أواسط القرن الماضي.)
هو أحمد آغا بن فضل الدين آغا العسلي. والعسلي عائلة عريقة في بيت المقدس، عرف منها كبار العلماء. لكن بعض أفرادها دخل الجندية، وخصوصاً في حراسة القلعة، فعُين منهم قائد القلعة، الدزدار. ولما شغل أفراد العائلة هذه الوظيفة جيلاً بعد جيل، غلب هذا الإسم على العائلة. وكان والده دزداراً، وله إقطاعات في القرى المجاورة للقدس، ولذا فقد عُين أيضاً في مهمة جباية الضرائب من القرى التابعة للخاص الماضي انتقلت الوظيفة إليه.
وحين نشبت ثورة 1825-1827 في القدس على رجال الدولة العثمانية، كان أحمد آغا أحد قادة تلك الثورة. وبسبب موقفه في قيادة جند القلعة ومؤهلاته العسكرية، قاد مع يوسف آغا الجاعوني عملية الدفاع عن القدس بعد طرد رجال الدولة منها. وفشل والي الشام في استرجاع المدينة المحصنة من أيدي الثوار، إذ أبدو مقاومة عنيدة ومثابرة في الدفاع عن مدينتهم. وطلبت الدولة من عبد الله باشا، حاكم عكا، وإعادة فتح المدينة وتخليصها من أيدي المتمردين. وبعد عدة أيام من حصار المدينة وقصفها بالمدافع، توسط العلماء بين قائد الجيش المحاصِر وبين قادة الثورة. وسُلمت المدينة شرط العفو عن الثوار وعدم معاقبتهم. فأُرسل أحمد آغا الدزدار ويوسف آغا الجاعوني إلى عكا، وتقرر العفو عنهما مع نفيهما عن بيت المقدس. وأما أحمد آغا فقد أُبعد إلى نابلس مدة قصيرة فقط، ورجع إلى القدس بعدها وإلى منصبه في قيادة القلعة. وخلال العقد الثاني من القرن الماضي، تذكر وثائق المحكمة الشرعية في القدس أنه أوكل إلى أحمد آغا منصب الميرالاي أيضاَ، وهو قائد أصحاب الإقطاعات من الزعماء وأرباب التيمار في لواء القدس. وبعد عام واحد من تعيينه بالوكالة، عُين في تلك الوظيفة بالأصالة سنة 1241هم1826م. وطلب إليه أن يساعد المتسلم في جمع الضرائب من أهالي المنظمة. وفي رمضان 1244ه/1829م عينه والي الشام متسلماً في لواء القدس بالوكالة بعد عزل المتسلم السابق، إلى أن يعيّن متسلم جديد خلفاً له. وهكذا، لتمرسه في العسكرية وخبرته الطويلة بالسياسة والحكم المحليين، أصبح أحمد آغا الساعد الأيمن لحكام القدس الذين كانوا يتبدلون بسرعة كل عام عادة.
ولما جاء الحكم المصري في الثلاثينات، ضعف مركز أحمد آغا في البداية لكنه تأقلم مع الحكام الجدد وتعاون معهم. وفي 9 ذي القعدة 1254ه/ 24 كانون الثاني (يناير)1839م عينه محمد شريف باشا حكمدار إيالات الشام ليكون متسلماً للواء القدس، خلفاً لمصطفى آغا السعيد. وبقي أحمد آغا في منصبه ذاك حتى 22 ربيع الثاني 1256ه/ 23 حزيران (يونيو) 1840م، حين «انفكت عنه المتسلمية» وأُعطيت إلى حسين راشد آغا بحسب مرسوم محمد شريف. لكن الحكم المصري كان أخر أيامه في تلك الفترة، فلما انسحب المصريون من البلد وعاد العثمانيون إليه عينوه في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) متسلماً بالوكالة مرة ثانية. وفي مدة تسلمه الحكم في القدس في أواخر العهد المصري، أثيرت قضية ساحة البراق التي طالب اليهود بالسماح لهم بتبليطها. وقد عارض المتولون على وقف أبي مدين الغوث وعلماء بيت المقدس طلبهم هذا، فرُفع الأمر إلى السلطات المصرية العليا. وفي 24 ربيع الأول 1256ه/26 أيار (مايو) 1840م صدر مرسوم محمد شريف بمنع اليهود من تبليط ساحة البراق لأنها «تابعة لوقف أبي مدين ولم يسبق لهم هكذا أشياء بالمحل المذكور.» ولذا يسمح لهم بالزيارة فقط من دون رفع أصواتهم وقت الصلاة، كما جاء في المرسوم المذكور.
وبعد عودة الحكم العثماني واستقراره، لم يتكرر تعيين أحمد آغا متسلماً للواء القدس ثانية. لكنه عين في الأعوام التالية في عدة وظائف إدارية ضمن سياسة التنظيمات العثمانية في الأربعينات والخمسينات. فقد عين متولياً على أوقاف خيرية مهمة، بما فيها التكية العامرة، وناظراً لأوقاف خاصكي سلطان، بالإضافة إلى وظيفة الدزدار، قائد القلعة. وفي 19 ربيع الأول 1262ه/ 17 آذار (مارس) 1846م عُين مأمور ضبطية الخليل. وجاء هذا التعيين، على ما يبدو، ضمن سياسة الأتراك الرامية إلى إعادة حكمهم المباشر على جبل الخليل وتخليصه من آل العمرو. وفي الأعوام التالية استوطن أحمد آغا القدس. وكان ابنه محمد علي ينوب عنه في الكثير من أعماله ووظائفه. وجمع أحمد آغا خلال عمله أعواماً طويلة في الإدارة والحكم ثروة عظيمة، فاستثمر قسماً منها في شراء الأراضي، في المناطق القريبة من القلعة. وفي تلك الفترة، في أواسط القرن الماضي، ازدادت أهمية القدس، وقدُم الأجانب من مسيحيين ويهود، واستثمروا أموالهم في البناء والإعمار. وبدأت عملية البناء خارج الأسوار، فارتفعت قيمة الأراضي، وتاجر أحمد آغا فيها حتى أصبح من أثرياء القدس وأعيانها البارزين. وفي سنة 1271ه/1855م باع أحمد آغا من موشيه (موزس) مونتفيوري، الثري الصهيوني البريطاني المشهور، قطعة الأرض التي أقيم عليها حي يمين موشيه أو مشكنوت شأننيم، في الجهة الجنوبية الغربية من القلعة. وقبض أحمد آغا ثمن تلك الأرض مبلغاً قدره اثنا عشر غرشاً أسدياً، وهي العملة الدارجة في ذلك العهد. وقد بنى لنفسه، مثل باقي أعيان بيت المقدس، قصراً فخماً خارج الأسوار، ويقال إن اليهود ساعدوه في بنائه. وقد عمر طويلاً، إذ توفي سنة 1873، أي بعد عام واحد من وفاة ابنه البكر، الذي كان أحمد آغا يعتمد عليه كثيراً.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع