ذيب الزينة - الغابسية
أنا اسمي ذيب سليم الزينة، الغابسية في 1935.
الغابسية بلد جانبها الشيخ داوود ودنون، وتحتها النهر وأم الفرج، الكابري، وشرقها ترشيحا ومعليا.
عائلاتها فلاحين ولها أراضٍ تُزرع وتُفلح.. عائلة العوض أكبر عائلة بالغابسية، ثم غانم، ودار داوود، والزينة، العبد الله، عبد العال.. وغيرها العديد من العائلات.
مختار الغابسية كان أبو أحمد حجازي وتوفي لاحقاً بالبص (صور- لبنان).. كان عند زوج عمتي مضافة لتضييف القهوة، والمختار عنده مضافة أيضاً، والأصحاب والأخوة يجتمعون..
معالم القرية
كان في بلدنا مدرسة بجانب الجامع.. أبي لم يعلمني.. بل جعلنا نرعى البقر ونزرع بالأرض.
المدرسة كانت لحفظ القرآن وختمه، والشيخ يأتي من خارج القرية ويعلم اللغة العربية أيضاً. ومن يدخل يختم القرآن لسنة أو أكثر.. وكان أهل الشيخ داوود ودنون يأتون ليتعلموا عندنا.
والمسجد بجانب المدرسة، وليس فيه شيخ معين، فكان من يعرف أو يؤذن يطلع على السطح ويؤذن، ومن يعرف الصلاة والإمامة كان يؤم بالناس.
المسجد ما زال موجوداً لليوم، ولكن اليهود والدروز خلعوا أبوابه وكسروا منه، والقبة خربانة.
عند المرض كنا نذهب الى عكا ونهاريا، كنا نذهب مشياً لعكا ونهاريا، وفي باص أيضاً. كان هناك مجبّر من بيت الشما.
نحن كنا نملئ الماء من النهر، ومن كان معه نقود كان يحفر بئر.. كنا نملي على الحمير والنساء على رأسها.
البيوت كانت تضاء بضوء الكاز.. وكان عندنا دكاكين، دكان لدار وردة كان فيه ملابس وأكل وحلويات.
لم يكن عنا فرن، ولكن كل بيت فيه طابون لخبز الخبز. والخبز الصاج كان يخبز. والحلاق كان عنده صالون حلاقة، كان عنا إثنين واحد إسمه حسين والآخر أبو صالح.
دكان اللولو عنده ملحمة، كل يوم يذبح.. لم يكن هناك مقاهي، ولكن في دواوين كان لـ اللولو ديوان وحسين ياسين والمختار.
من يريد أن يعمّر بيت، كانت الناس تقطع من الصخر وتعمل حجارة لبناء البيوت، وليس في باطون..
ونحن صغار كنا نلعب مع الأولاد الكورة وطيّاحة الشبرين.. بيتنا كان كبير على عمدان.. ونلعب فيه..
الزيتون كان موجداً وكنا نعصره بمعصرة على الحصان والحجر.. ونضع زيت الزيتون بالسُسقفة، وندفع لصاحب المعصرة زيت بدل النقود.
بيتنا كان على أربع قناطر، حجر كلّين (الحجر عريض) فيه سدّة، وللبقر والتين وبيتنا كبير، وعمي عمّر بجانبنا بيت باطون.
بقينا بالبيت مع جدتي حتى خروجنا من فلسطين. من وجهاء القرية المختار، رباح العوض، حسين ياسين، وهم يحلّون المشاكل ويذهبوا لطلب العروس.
وفي حال حدوث مشاكل، كانت تبقى بيننا. أنا أول بلد طلعت عليها قرية يركة وهي للدروز، وكل أهالي البلد خرجوا اليها، فجاء اليهود على الكابري وصاروا يطلقون النار على الغابسية، فطلع عمي داود الزينة على الجامع ليضع قماشة بيضاء، فأطلقوا النار عليه.. وبعد يويمن نزل والدي وعمي ودفنوه. كان عنا مقبرة بالغابسية (تحت البلد).
في الزواج.. بفلسطين كانت الأعراس قوية فيها دبكة وسحجة، وحداي.. ويستمر العرس ثلاث أيام، والأكل والطبيخ لمدة ثلاث أيام... والناس تأتي من خارج البلد أيضاً ويحضرون ذبائح معهم.. كان اليرتاوي يعتب ويزحج الناس..
لم تحدث مناوشات مع اليهود.. كانت اليهود تخاف منا.
ولكن من خذلنا الإنجليز كان في قافلة متجهة من نهاريا الى جدين، بجانب الكابري أقام الأهالي وجيش الإنقاذ كمين لها وحدثت موقعة الريّس وقتلوا حوالي 85 شخصاً، فنحن نريد فلسطين كل فلسطين.
سمعنا بمجزرة دير ياسين وأحداث أخرى.. فصار كل شخصين يشتروا بارودة واحدة للحراسة وكانت للناس تبيع أملاكها لشراء الأسلحة، ولكن ليس معهم خرطوش كثير.. ولكن عندما هجمت عصابات اليهود علينا خرجنا من دون مقاومة..
ليس عندنا ثوار بالبلد.. ولكن عند موقعة جديّن، المختار أخذ بعض الأسلحة كغنيمة ثم جاء جيش الإنقاذ وأخذ هذه الأسلحة من المختار.
وقت الهجوم على القرية كنت أنا بالبيت.. فالبعض صار يطلق النار على اليهود والبعض الآخر هرب وخرج.. هربنا على كفر ياسين، ثم يركة. لم نر بيوت مدمرة ومحترقة.
حتى أنه ثاني يوم، جدتي بقيت بالبيت، فيه دجاج.. نزلت من قرية يركة ماشي ورجعت عالبيت، فقالت لي خذ البيض وارجع لعند أهلك. وسكنا 3 أشهر عند اليهود تحت الزيتون..
عندما غادرنا كان معنا دابة والبقر، البقر أخذناهم عند الدروز وترشيحا وأبي باعهم بترشيحا وبقينا فيها 3 شهور، ثم طلعنا على الرميش وثم تبنين وثم جويا، ثم مشينا باتجاه المخيمات مشيا.. كان الجو حار.. ومعنا حمار فقط..
أنا طلعت مع دار خالي وأبي..
سكنا بمخبم البرج الشمالي، أعطونا شادر وسكنا سوية.. بقينا 6 اشهر، ثم ذهبنا الى عنجر. الحياة كانت صعبة.. هنا كان في عيادات بالبص.. نحن سكنا بالبص ثم رحلونا إلى الراشدية..
كنا بالبلد نُموّن قمح وطحين وعدس وفول وأرز وكا شيء.. ونشتري فقط اللحم والدجاج والخضار.
لو صح لي الرجوع الى القرية أعود من دون تردد.. يا ريت بقينا بيركة.. ولكن نحن لحقنا خالي ولم نرجع الى فلسطين..
نحن بقينا بعنجر 6 أشهر وعشنا بشوادر (خيم).. أبي ذهب الى فلسطين وأخي أيضاً وبقيت أنا وأختي وأمي وذهبنا إلى البازورية.. كنت أشتغل بعنجر في بيع البطاطا.
كنت أبع الكيلو بفرنك.. وأحضر بصل وأبعه..
ولكن عندما ذهبنا إلى البازوية..عملت بالعمار ثم برش الشجر بالدماء..وبساتين الليمون..
عندما زرت البازورية. لم أجد بيوتاً وجدت بقايا الجامع فقط. أنا سجلت بالأنروا.. لن أقبل التعويض.. أريد فلسطين وأريد بلدي..
فلسطين بلدنا وجنسيتنا..