ميمونة بدر قدورة- سحماتا.
ميمونة بدر قدورة، مواليد 1936.
تقول الحاجة ميمونة عما تذكره عن قريتها، «كنت واعية وأذكر أرض بلدنا، أذكر أسماء الأراضي والأهالي. نحن كل بيتنا مقابل بيت قدورة، وعندما جاء الطيران، كنا نعيش في مدينة حيفا، أبي كان موظفاً بشركة كرمان، بقينا سنين في حيفا، وبدأت اليهود تأتي الى فلسطين ونحن فيها».
«كانت العصابات اليهوية تمنع التجول من الساعة الثانية ظهراً حتى الصباح، أخي الصغير لم يكن لنا غيره، عند الجوع كان يبكي يريد الأكل، فكنت شجاعة وذهبت لأحضر الأكل لأخي، ولكني لم أسمع كلام والدتي. فوصلت إلى الدكانة وقال لي صاحبها ما الذي أحضرك الآن؟ فقلت له أريد حليبا، فوضع لي 3 علب وقال أركضي، كان اليهود قريبين في ذلك الوقت، ومع خروجي من الدكان رأتني الدبابة ولحقت بي إلى أن وصلت معي إلى البيت ومن ثم عادت».
«جاء عمي إلى حيفا، بعد أسبوع، نحضر ليلة سوداء، حيث بنى اليهود عمارة كبيرة جداً لهم، كلها فتحات بدون شبابيك وكان فيها قناصة. المبنى كان فوقنا، وبدأ القنس في تلك الليلة التي جاء فيها عمي مطلقين النار على الشركة التي فيها أبي نهاراً، ولم يدعوا أحداً يبقى في عمله».
«جاء عمي في النهار وقال لنا: جهزوا ملابسكم وأغراضكم والأثاث، ومررنا على أبي وأخذناه من الشركة وخرجنا إلى سحماتا. بقينا فيها نحو سنة، حتى خرجنا إلى لبنان».
«في سحماتا توقف أبي عن العمل وصار شيخاً (الشيخ بدر)، أما أرضنا وزيتوننا كان أعمامي يتولون العمل بها ويعطوننا جزءً من المحاصيل».
«عندما جاء الطيران ضرب بلدنا، كنا خارج البلد في بساتين الزيتون، فقال أبي أنا لا أريد الخروج فأمي خافت علينا، فتركنا أبي ومشينا مع والدتي ما اضطر والدي للحاق بنا مشينا على الديدبة، فجلسنا على جنب الشارع وجاءت الطائرة على علوٍ منخفض وقريبة جداً، فصارت الناس تطلق النار عليها».
«بالليل نزلنا إلى الشارع، فجاء جيش الإنقاذ وقالوا "سقط لواء الجليل، اركضوا واخرجوا إلى سوريا أولبنان، فذهبنا إلى لبنان وكان ما كان».
«كان أعمامي معهم دواب (حمير وخيل وبقر)، حملوا على البقر الأغراض وساقوا الطرش ومشوا معنا وكان من بيهم خالي صالح، وحمد يونس وسعيد يونس أيضاً معنا».
«وإذ بالجيش قد جرف بالجرافة طريق للناس تمهيداً للخروج من فلسطين. أختي كانت صغيرة ومشينا بين الوعر، فقالت إمرأة لنرتاح قليلاً فجلسنا، ولكن الرجال والطرش كانوا أمامنا ولم يعرفوا أننا جلسنا، فأكملوا طريقهم وبقينا لوحدنا، ثم انتبه بعض الرجال فصاروا ينادوننا الى أن عادوا وأخذونا لنكمل المسير».
«رأينا القتلى على الطريق، ووصلنا الى منطقة فوق قرية الرميش، وإذا باليهود بالجهة المقابلة. جاء اليهود بالدبابات ومعهم أكياس ملبس وبسكويت وماء، فكانوا يوزعوا الملبس والماء والبسكويت. جاء أحدهم ليعطيني مما يحمل فضربته على يده، فقال لي لماذا فعلتي ذلك، فقلت له أنتم يهود».
«فأكملنا طريقا ونزلنا في الرميش وهم لم يفعلوا شيأً لنا. الرميش كانت حاشدة بالناس، جلسنا هناك، وصلنا الفجر، بالنهار عطشنا، وجدنا إمرأة حاملة جرة، فقلت لها أنا عطشانة إسقينا، فقالت لا، هناك في بركة إشربوا منها».
«فذهبنا نشرب، وإذ بالبركة فيها خنازير، فجاء عمي وشلحنا حطاتنا وربط تنكة وفتح بئر كان مغطى بالباطون وصار يعبي ماء، وصار ينادي من يريد الماء فليأتي. وأصبحت الناس تشرب رأينا الناس تركض فيها وإذا هم لا يريدوننا البقاء في بنت جبيل، فاستمرينا بالمشي حتى ضيعة تبنين بجانب النبطية. جئنا هناك، أبي قبل أن يتزوج بوالدتي كان يحب بنت من تبنين ولكن جدي لم يوافق على زواجه بها، وعندما ذهبنا إلى هناك وجدنا هذه البنت متزوجة وعندها أبناء، وبقينا هناك قبل أن نخرج صباحاً ونذهب الى ناس على حوران، بينما كانت الناس تذهب الى بعلبك ومناطق أخرى فيها مخيمات».
«عشنا 7 سنوات في حوران، وتزوجت هناك ثم عدنا إلى لبنان، أحمد اليمني وخالد عزام كانوا يوعون الأهالي حتى لا ينسوا فلسطين. هم ناضلوا مع زوج أختي أبو نبيل من قرية شعب وهادي خالد، فهم من صنعوا الشعب الفلسطيني الحر».