أنا محمد الحاج رشيد جراد من قرية الناعمة قضاء صفد لواء الجليل. مواليد 1934.
الناعمة أرض خصبة منبسطة، لا يوجد فيها حجر، سهل مرج مثل سهل البقاع. القرية بيوتها من تراب وطين. فقط المدرسة من الحجر والإسمنت، من أساتذتها اسمه قاسم المصري من الصالحية، المدرسة عبارة عن غرفة كبيرة 6 متر x 6 متر وفيه أربع صفوف أي لغاية الصف الرابع. أنا درست لغاية الصف الثالث وصارت النكبة ولم أكمِل تعليمي.
كنا نتعلم القراءة، أذكر إسمها "راس.. روس"، وتاريخ وجغرافيا وزراعة في الصف الثاني والثالث. في درس الزراعة كنا نتعلم بحديقة المدرسة فهي كبيرة عبارة عن 15 دونم. ولكن المدرسة هي غرفة.
والبيوت من تراب وسطحها من خشب وفي الصيف باردة.
كنا نخبز على الصاج ونطحن الذرة (أي الخَبِز من الذرة الصفراء) أو نخلطها مع القمح.
كان في مختارين للقرية، المختار حمادة الحمود وهو رئيسي ومتعلم والثاني أمِّي عبد الهادي صغير، وفيها عشائر الدحاوشة والعابسية، والمشارفة والحجان.
المختار كان يسجِّل النفوس، الولادات والوفيات وعنده ختم لختم الأوراق أي هو صلة الوصل بين أهالي القرية والحكومة البريطانية.
كان المختار عنده مضافة يستقبل الجميع. وهذا المختار حمادة يُقال أنه أخذ كل الأوراق المهمة للقرية ووضعها عندما خرج الى سوريا في أساس بيته في مخيم جُرمّان.
لم يكن في القرية حلاّقين،
لنتكمل بصراحة، أن زعيم منطقة الحولة كان متهم بالتعامل مع الإنجليز. مثلاً أراضي المسيحية من لبنان وواحد من حاصبيا اسمه الأمير خالد شهاب، كان همزة وصل لبيع الأراضي لليهود قبل الخروج من فلسطين. وكان اليهود في كل بلد يعملوا مستعمرة وكانت البيوت تأتي جاهزة.
وكان بجانب الناعمة مستعمرتين، واحدة على تل مرتفع أنشأوا فيها محل لتربية الأسماك واسمها "التل"... والثانية اسمها مستعمرة أبو فريخ.
نحن كنا في هذه الفترة مهتمين بتربية المواشي (البقر والجاموس)، وكنت نحرث على الجاموس.
اليهود كانوا يأتون ليشتروا الزبل والزبالة من عندنا لإستعمالها كسماد.
كان اليهود يبقون خائفين منا. ولكن هم مدعومين بالسلاح من بريطانيا ونحن لا نملك السلاح.
في 1948، كان سلاحنا يأتي من سوريا مع الدروز، وهو قديم.
وكنا نبيع أشياء لشراء البارودة ولكن لا نملك الذخيرة الكافية.
كنا نقاتل اليهود بالعصايات والبواريد الضعيفة.
واليهود كانوا يستعملون سيارات كبيرة مصفّحة ويأتون الى الحولة عند المستعمرات لتزويدها بالمونة. ولكن استعملوا الطيران عند خروجنا من فلسطين.
نحن طلعنا عندما سمعنا الدعايات أن جيش الإنقاذ والدول العربية ستحارب من جهة، واليهود سيحاربون من جهة أخرى، وطلبوا منا الخروج لمدة أسبوع وسوف نرجع.
والناس طلعت من الحولة من دون مقاومة، ثم خرجنا الى العباسية ثم مرجعيون، ثم رحَّلونا الى هنا.
بإمكاننا رؤية بلدنا من العباسية والخيام، وكنا نشاهدها من هناك وصار اليهود يسحبوا الخشب من البيوت ويحرقونه وهدمت البيوت.
إن شاء الله فلسطين سترجع لأن شباب اليوم واعي، فهمان، وملتزم دينياً فقد كنا زمان لا نعرف ديننا جيداً.
لو صح لي العودة لفلسطين أرجع.. ماذا لديّ هنا؟؟!!! فلسطين وطني.. وعندما أراها من بعيد قلبي يحترق عليها.. فهي أرض الآباء والأجداد.