القدس/ عبد الرؤوف أرناؤوط/ الأناضول
تخشى السبعينية فاطمة سالم أن تقوم السلطات الإسرائيلية بطردها من منزلها الذي ولدت فيه بحي الشيخ جراح في القدس.
ولدت سالم بالمنزل عام 1952 وقالت إن والدها يقيم فيه منذ ما قبل 1948.
قالت للأناضول:
- نحن لن نستسلم بسهولة، سنبقى في أرضنا وبيتنا.
- كل ذكرياتنا في هذا المنزل، لقد عشت مع أمي ووالدي فيه، استذكر المكان الذي كانوا يجلسون فيه للطعام، أتخيلهم في كل ركن بالمنزل.
كل ما في منزل "فاطمة سالم" بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، يذكرها بطفولتها وأبنائها وأحفادها، وهي تخاف الآن من أن يتم إخلائها منه لصالح مستوطنين إسرائيليين.
ولدت فاطمة في ذلك المنزل عام 1952 وتقول في حديث للأناضول إن والدها، الذي توفي في ذات المنزل، أبلغها بأنهم أقاموا فيه للمرة الأولى قبل العام 1948 وهو العام الذي أعلنت فيه إسرائيل عن إقامتها (النكبة الفلسطينية).
أثناء مقابلة الأناضول معها بالمنزل وصل أولادها وبناتها وأحفادها كجزء من مسعى العائلة لمواجهة محاولة مستوطنين إسرائيليين الاستيلاء على المنزل القديم المكون من طابقين.
وفي السنوات الماضية، كثفت جماعات إسرائيلية محاولاتها للاستيلاء على أكبر عدد ممكن من المنازل في حي الشيخ جراح الذي يعتبر الحي المقدسي الأقرب إلى البلدة القديمة بالقدس.
فعلى الجانب المقابل لمنزل عائلة سالم تتواجد عشرات العائلات الفلسطينية التي تواجه خطر الإخلاء من منازل أقامت فيها من العام 1956 لصالح مستوطنين إسرائيليين.
وخلال السنوات الماضية، استولى مستوطنون على عدد من المنازل في الحي بالإمكان تحديدها من خلال العلم الإسرائيلي الذي يرفرف عليها.
ومنذ عام 2021 الماضي، يستقطب حي الشيخ جراح اهتماما دوليا، مع تصاعد الدعوات الدولية لوقف تهجير العائلات الفلسطينية من منازل أقامت فيها منذ عقود.
في إيجاز مع الصحفيين، الثلاثاء، قال المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "لقد كنا واضحين أن الخطوات التي تؤدي إلى تفاقم التوترات وتقوض الجهود المبذولة لدفع حل الدولتين المتفاوض عليه تشمل إخلاء العائلات من المنازل في القدس الشرقية التي عاشت فيها هذه العائلات لأجيال في بعض الحالات".
والأربعاء الماضي، زارت القنصل البريطاني العام، ديان كورنر، المنطقة وقالت: "تعتبر حكومة المملكة المتحدة القدس الشرقية أرضًا محتلة، ويشكل التهديد المستمر بالإخلاء الذي تواجهه العائلات الفلسطينية في القدس الشرقية وأجزاء أخرى من الضفة الغربية مصدر قلق كبير لنا".
وأضافت أن "عمليات الإخلاء غير قانونية بموجب القانون الدولي الإنساني، كما أنها تسبب معاناة لا داعي لها ولا تؤدي إلا إلى تأجيج التوترات على الأرض".
غير أن مجمل هذه المواقف الدولية لا تبدد مخاوف سالم من إخلائها من منزلها.
ذكريات طويلة
وقالت: "أنا ولدت في هذا البيت الذي ولد فيه أيضا إخوتي وأخواتي، 5 بنات و3 أبناء، وقد عشنا جميعا في المنزل وأنا كبرت وتزوجت وبقيت مع أمي وأبي في هذا المنزل".
فاطمة هي الوحيدة من بين أخواتها التي بقيت بعد زواجها بالمنزل ومعها أيضا شقيقها جاسر.
وأضافت: "بقيت بالمنزل مع زوجي لمساعدة أمي وأبي، فوالدي كان مشلولا وكنا ننقله بشكل متواصل إلى المستشفى كما أن أمي كانت مريضة، لقد شاهدا أولادي ثم توفي والدي وبعد 6 أشهر توفت والدتي، بقيت أن وزوجي وأولادي ومعنا أخي".
وتشير فاطمة إلى أن والدها قال لها قبل وفاته إنه يقيم في هذا المنزل منذ ما قبل العام 1948.
وتابعت: "كل ذكرياتنا في هذا المنزل، لقد عشت مع أمي ووالدي فيه، استذكر المكان الذي كانوا يجلسون فيه للطعام، أتخيلهم في كل ركن بالمنزل وأتخيل أولادي الذين كانوا صغار وكبروا وصاروا يمشون فيه".
محاولات ترحيل
وتشير سالم إلى أن معاناتها مع محاولات مستوطنين إخراجها وعائلتها من المنزل بدأت منذ سنوات طويلة.
وقالت: "منذ السبعينيات وهم يلاحقوننا، بداية قالوا إن علينا أن ندفع إيجار لعائلة يهودية تدعي ملكيتها للمنزل، وقد دفعنا الإيجار لمحاميهم الذي كان يأتي كل شهرين لتحصيله ولكن منذ 5 سنوات لم يأت إطلاقا".
وأضافت: "تفاجئنا بتقديم دعوى ضدنا لإخلائنا من المنزل، لماذا يخلوننا؟ إذا كان لهم مال ليأخذوه ولكن لا يجوز لهم إخراجنا من المنزل الذي نقيم فيه منذ أكثر من 70 عاما، لا يحق لهم إخراجنا".
وكانت السلطات الإسرائيلية أمهلت عائلة سالم حتى 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي لإخلاء المنزل ولكن تم تأجيل الموعد الى أجل غير مسمى بعد تقديم محامي العائلة دعوى إلى دائرة الإجراء الإسرائيلية.
واستصدرت السلطات الإسرائيلية، بحسب فاطمة سالم، قرارا بإخلائها وعائلتها من منزلهم قبل 25 عاما، لكنهم رفضوا الخروج.
وفي هذا الصدد، تشير سالم إلى إن العائلة تلقت، مؤخرا، إنذارا جديدا بإخلاء المنزل حتى مدة شهرين.
وقالت: "لن نخرج، مهما حصل سنبقى، هذا بيتنا وحياتنا، عشنا فيه وتربينا فيه وولد أبنائنا فيه وكل حياتنا فيه، لنا ذكريات في كل شبر منه ومستحيل أن أخرج منه مهما حدث، مستحيل أن أخرج من بيتي".
وأضافت: "هم (الإسرائيليون) يدعون أن لديهم أوراق، وهم أحرار، ولكنه بيتي وسيبقى بيتي".
وأشارت سالم إلى "مضايقات مستمرة" تتعرض لها العائلة من مستوطن استولى على منزل فلسطيني مقابل لمنزلها.
وقالت وهي تشير إلى المنزل: "المستوطن الذي استوطن هنا دائما يضايقنا ويتعدى علينا ويختلق المشاكل معنا ولديه مجموعة كبيرة من المستوطنين، حوالي 50 شخصا، يجمعهم بالمنزل عنده وحاول الاستيلاء على الأرض التابعة لمنزلنا وقد منعناه ولكنه يواصل مضايقتنا، مضايقاته يومية".
قلق كبير
إثر المحاولات المستمرة من قبل المستوطن الإسرائيلي للاستيلاء على الأرض، قامت عائلة سالم، بدعم من متضامنين، بوضع سياج في محيطها.
وقالت: "احتلوا أراضينا وبالنسبة لنا فلا مكان لهم في هذا البلد".
ويعكس ما يجري سلبا على نفسية سالم التي تقول: "الصحيح أنني أخاف، أنا لا أحب أن تقول بأنني خائفة، الله يمنحني القوة، ولكنني أخاف على أولادي، ففي ساعات الليل أبقى مع ابني نراقب البيت ومحيطه من خلال كاميرات حتى نتعب وننام".
ومنذ عدة أشهر، ينظم متضامنون فلسطينيون ويساريون إسرائيليون وأجانب كل يوم جمعة وقفات ومسيرات قبالة منزل سالم لمنع تهجيرها.
وقالت سالم: "يوجد تضامن ولكنه ليس كبيرا وهم يأتون ويهتفون ضد الاحتلال فأصبحت الشرطة الإسرائيلية، كل يوم جمعة، تغلق الشوارع المؤدية إلى منزلي لمنعهم من الوصول للتضامن معي".
وأصل عائلة سالم من بلدة ترمسعيا، وسط الضفة الغربية المحتلة، أما زوجها فهو من قرية قالونيا المهجرة في ضواحي القدس الغربية.
وقالت: "تم تهجير عائلة زوجي من قالونيا، حيث قالت لي أم زوجي أنه قيل لهم عام 1948 أن وباءً وصل القرية وأنه يجب تعقيمها، وانطلت هذه الحيلة على السكان وغادروها قبل أن تقوم الجماعات اليهودية بالاستيلاء على الأراضي والمنازل".
تبدي سالم عزيمة واضحة على البقاء في منزلها والدفاع عنه حتى اللحظة الأخيرة.
وتعبر عن قلقها بالقول: "أنا أخاف، ليس منهم، ولكن إلى أين أذهب (إذا تم طردي)، وقد ناشدت جميع الدول لأن تقف إلى جانبنا ومساندتنا بحيث أنه إذا تم طردنا أن نجد مأوى لنا".
وبإصرار كبير ذكرت: "نحن لن نستسلم بسهولة، سنبقى في أرضنا وبيتنا، وحتى لو طردوني بالقوة من البيت فسأعود إليه من السطح، لو أطلقوا النار علي أو ذبحوني سأبقى في منزلي، لأن لا بديل لنا".
وتابعت: "إبني لا يعمل خشية أن يهجموا علينا في حال تركه المنزل، لا يتمكن من العمل والله وحده يعلم ما هو حالنا".
وكانت إسرائيل احتلت القدس الشرقية عام 1967.