توفيق العفيفي - أبو أحمد - من صفورية والى صفورية سيعود
• بقلم: فيصل طه
الإتحاد, 3 أيّار 2001
* يدوم الزمن في حركته ولا تدوم أجساد الأحبة إلا في عطائها وروائح أعمالها العبقة، هم ذکری معتقة تزداد اختمارة فعليا عند مكملي الطريق، لتشع ضوء في فضاء الحياة قاهرة حلكة الليالي العجاف سالكة طريق الآلام نحو أفضل الأمال نحو الطمأنينة والسلام. من صفورية العامرة غير المنكوبة حيث تضج الحياة هدوء وحراگا تبعثه المعاول بأنينها وأشجار الرمان بحفيف أوراقها وصباح الديوك وخوار الأبقار ممزوجا بصراخ الأطفال والصغار في مرابي الصبا وخرير الماء في مجرى العين ووشوشات العشاق وهديل الحمام وقهقهات سمار الليل تناجي النجوم وضحكات بجدوله بحياء
الصبايا .. من بلد يعج بالحياة.. من بلد يرفض الذل والهوان.. من بلد يفيض خيرا.. من بلد يقاوم مقاومة عز الدين القسام.. من صفورية.. من رحمها ولد توفيق أحمد العفيفي وإخوته. نشأ وترعرع في بلدته وكون واخوانه شركة باصات تمتد خطوطها الى الشام واربد وعمان. وفي لحظة. زلزلت الأرض زلزالها وتناثرت أشلاؤها ، صانعو خيراتها الى حيث لا أرض ولا وطن وكأن شيئا لم یکن، نكبة مست الأرض والانسان.. وهناك عبر الحدود اعتمر الأهل الخيام وما زال الأهل هناك.. يا للمهزلة زالت صفورية وما زال الأطفال يولدون هناك في المخيمات!! وبقي توفيق وبعض إخوانه ضمن البقية الباقية
في بلد البشارة قريبا من مولد العذراء التي كانت بالأمس عامرة.. وكان بقاؤه مميزا في صلابته وإصراره ومثابرته على إبقاء شركة باصات العفيفي، رغم ثقل وقوة ومكر و تهدیدات السلطات الاسرائيلية لتصفيتها وازالتها عن الوجود ضمن مخططها لتصفية اي قاعدة اقتصادية للعرب في هذه البلاد، لكن معركة السلطات مع أبي أحمد كانت خاسرة وكان هو المنتصر، وبقيت الشركة واستمرت في نموها وتطورها ونجاحها وتشعبت خطوطها قاهرة جميع المعوقات لتصبح من أهم المؤسسات الاقتصادية العربية الوطنية في البلاد ذات القاعدة المتينة
والرؤية الواسعة نحو البقاء والتطور. هذا الانجاز الوطني الفريد والملموس يعود الى شخص أبي أحمد العفيفي وإخوانه وأبنائه وشركائه والداعمين له. ويعتبر كذلك بصمة وطنية في تاريخ شعبنا في كفاحه نحو البقاء والتقدم بعيدة عن الشعارات الفارغة، وتحتاج هذه الحالة المميزة الى التمحيص والدراسة. يكتنز وينبض حياة في دواخل هذه الشخصية المميزة ، انسان.. تتزاحم في صدره الرحب وفكره النير سمات إنسانية حميدة تجدها منبعثة من قسماته الوسيمة وسماحته المعهودة ويده السخية والطاهرة وقامته المرفوعة وحضوره المهيب وحديثه الخافت المقل، عميق الدلالة وحسه
الوطني المميز والمميز بين الغث والسمين، وحدسه الصائب ، و تسامحه وعناده وإصراره ، وصلابته ورقته، وجرأة قاهرة ، ورزانة لا تخفي دماثة وابتسامة دائمة الاشعاع.. وأبوة تقطر حبا وحنائا. أملنا ، وهو كذلك أن يتشبع الأبناء بسماته وبطريقه فهذا سر البقاء والنجاح وعمق الاحترام. تکثر وتتنافس الكلمات في إظهار مناقبه، لكن حياء المبالغة يراود قلمی ونقاء الحقيقة والانصاف يستدعي الإفاضة، وبين هذين الوضعين أكتفي بالقول، أن وحدة أهالي الناصرة والعرب في البلاد كان مبعث اهتمامه وقلقه وهاجسه. وعمل جاهدة وبقناعة جريئة و تامة ضد
جميع أنواع التعصب وخاصة التقوقع الطائفي و تسييسه وضد مفتعلبه ومحركيه وكأني به يقول کفی فتنة وتمزيقا .. کفی هجرة وتهجيرة فهذا مراد دعاية الأعداء وليس أبناء الوطن الواحد. فهذا ، السم قد ذقناه ، ومن هذا الجحر لدغنا مرات ومرات ، فخسرنا الكثير الكثير، فلا تستدعي العتمة ولنغتسل بالشمس مبعث النور والضياء. يستحق أمثال هؤلاء الرجال وسام شرف وفیض محبة وكل تقدير وتکریم 6 ، هذا ما يستحقه الراحل عنا الباقي بيننا ، أبو أحمد العفيفي.. فمن صفورية الى صفورية سيعود .. طيب الله ثراك وطيب شعبك ذكراك. (صفورية - الناصرة)