الأديب الفلسطيني جورج صالح خوري
بين التعليم والصحافة ودراسة القانون
ياسر قدورة - هوية
كانت تعليمات دائرة المعارف في فلسطين لموظفيها في عهد الانتداب البريطاني مشددة تجاه العمل الصحفي، فلم يكن يسمح للموظف أن يذيع للصحافة أي معلومات حصل عليها من خلال وظيفته، وكان ممنوعاً عليه أن يرسل للصحف أموراً رسمية دون إذن من الحكومة، ولا يجوز له أن يكتب في الجرائد الفلسطينية وغيرها بدون إمضاء أو أن يكتب عن مواضيع تعتبر سياسية أو إدارية.. وكان على كل موظف أن يوقع على التعليمات العمومية التي تشمل هذه البنود قبل أن يبدأ عمله في الدائرة.
المعلم جورج صالح خوري من مواليد الناصرة عام 1912، تلقّى تعليمه الابتدائي في مدارس الناصرة وبيسان وطولكرم، والثانوي في مدرسة الناصرة الثانوية والكلية العربية في القدس. تقدّم بطلب للالتحاق بإدارة المعارف عام 1932 ليقوم بتدريس اللغتين العربية والإنجليزية والحساب وغيرها من المواد، فت تعيينه ابتداء في مدرسة عكا ثم انتقل إلى مدرسة طبرية وبعدها إلى مدرسة بيت لحم واختتم مسيرته في مدرسة الصواوين في صفد.
بالإضافة إلى التعليم كان الأستاذ جورج خوري ماهراً بالكتابة الأدبية، ويبدو ذلك جلياً من خلال بعض الوثائق التي تشير إلى أن الأستاذ جورج راسل الإذاعة اللاسلكية (دائرة البريد العامة) عارضاً استعداده لإذاعة قصص قصيرة من تاليفه أو مترجمة عن لغات أجنبية تتضمن مواضيع اجتماعية هامة، وعدّد في رسالته أسماء بعض الشخصيات التي يمكن أن تشهد على قدرته ومهارته في الكتابة، من مثل الأستاذ خليل السكاكيني مفتش معارف اللغة العربية في القدس آنذاك، والأستاذ حبيب خوري استاذ اللغة العربية في الكلية العربية.
لم يكن النشاط الصحفي للأستاذ جورج محل إعجاب وتقدير من الأستاذ فضيل نمر مدير مدرسة بيت لحم حيث يعمل الأستاذ جورج، بل كان المدير يشكو نشاطه الصحفي لإدارة المعارف وأنه يكتب للجرائد من دون استئذان وأنه يوقع منشوراته باسم (أبو رياض)، معللاً هذا الاستياء بأن علاقات المعلم بالصحف وبأصحاب الصحف ومتابعة اجتماعاتهم وتنقلاتهم من مكان إلى مكان، لا تتوافق مع تفرّغ المعلم لشؤون المدرسة، وكانت نتيجة هذه الشكاوى أن تلقّى الأستاذ جورج تنبيهات وإنذارات من إدارة المعارف على نشاطه الصحفي.
وفي رسالة من المدير إلى مفتش معارف القدس بتاريخ 3/12/1934، لفت انتباهه إلى أن جريدة الوحدة العربية في عددها الصادر بتاريخ 1/12/1943 قد نشرت صورة الأستاذ جورج صالح خوري بمناسبة أنه من الكتّاب المشهورين. بدورنا تتبعنا جريدة الوحدة العربية وتصفحنا العدد المذكور في الرسالة فوجدنا صورة الأستاذ جورج قد نشرت مع تعليق: "الأديب الشاب الأستاذ جورج صالح خوري، وحضرته من كتابنا المشهورين الذين يحسنون كتابة القصة القصيرة، وينتظر له مستقبل زاهر في هذا الفن".
من خلال الاطلاع على التقارير السرية عن أداء المعلمين وجدنا الكثير من الصفات الإيجابية التي سجلت بحق الأستاذ جورج فهو شاب ذكي الفؤاد.. محب للتجدد.. سريع الخاطر ويميل إلى المطالعة.. إلا أن مهنة التعليم لم تكن غاية طموحاته فوجدنا في ملفه طلبات عديدة للانتقال إلى دوائر عمل أخرى مثل دائرة البريد والعدلية والنائب العام. وقد بذل الأستاذ جورج جهداً استثنائياً لينضم إلى معهد الحقوق التابع لدائرة العدلية في القدس لدراسة القانون فكان له ذلك في تشرين الثاني / نوفمبر 1935بعد أن وافقت إدارة المعارف على دراسته للقانون أثناء عمله في التعليم شرط أن لا يؤثر ذلك على أدائه الوظيفي.
تابع الأستاذ جورج عمله في مدرسة بيت لحم ودراسته للقانون في معهد الحقوق حتى شهر أيلول/سبتمبر 1937 حين قررت إدارة المعارف نقله من بيت لحم إلى صفد، فكان عليه أن يحسم خياره إما التعليم في صفد أو الدراسة في القدس لأن برنامج الحقوق يتطلب منه الحضور وجاهياً بنسبة 60% من البرنامج، ولم تفلح مطالبته ورسائله بثني الإدارة عن قرار النقل فقدم استقالته من التعليم ليتابع دراسة القانون حيث كان يرى مستقبله
.