الحاج موسى الخالص
الحاج موسى محمود موسى الخالص (1897 – 2002)، هو تاجر مقدسي وشخصية وطنية بارزة من مدينة القدس. وُلد في حي باب السلسلة داخل البلدة القديمة، ويُعد من الوجوه الاجتماعية والدينية المعروفة في المدينة خلال القرن العشرين. عُرف بثباته على مواقفه، ورفضه لجميع محاولات الاحتلال الإسرائيلي للاستيلاء على ممتلكاته، وبإسهاماته الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة.
النشأة والبدايات
وُلد الحاج موسى عام 1897 في بيت عربي تقليدي بحي باب السلسلة، أحد أحياء البلدة القديمة في القدس. ينتمي إلى عائلة الخالص، وهي عائلة مقدسية عريقة تعود بأصولها إلى السادة الحسنيين، من نسل الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب. وتشير المصادر النسبية إلى أن الجد الجامع للعائلة هو محمد الخالص بن عنقاء الحسيني المكي، الذي انتقل من الحجاز إلى الأندلس، ومنها إلى المغرب، ثم استقر في فلسطين. وقد أسهم هذا النسب في تعزيز مكانة العائلة الاجتماعية والدينية في المدينة المقدسة.
الخلفية الأسرية والنسب الشريف
تجمع المصادر النسبية والتاريخية على أن عائلة الخالص تنتسب إلى السادة الحسنيين من آل البيت، ويُعتبر محمد الخالص بن عنقاء الحسيني المكي الجد الجامع للعائلة. استقر فرع العائلة في مدينة إشبيلية بالأندلس، وبرز منها عبد الله الغافقي الإشبيلي كأحد أوائل حملة هذا الاسم. ومع سقوط الأندلس، انتقلت العائلة إلى فاس وسلا في المغرب، حيث ارتبطت بنَسب مع آل جعفر الأبطحي، وهي إحدى العائلات الحسينية البارزة هناك.
وفي القرن الثامن عشر، هاجرت العائلة إلى فلسطين، واستقرت بداية في ترقوميا ثم الخليل، إلى أن وصل الجد محمد خالص إلى القدس، حيث سكن في حي باب حطة. وتُشير وثائق عثمانية تعود إلى عام 1770م إلى عمله كقصاب مسجل في دفاتر الضرائب العثمانية. ثم انتقل حفيده محمود موسى محمد الخالص إلى باب السلسلة، حيث وُلد الحاج موسى.
النشاط الاقتصادي
بدأ الحاج موسى حياته المهنية في مهنة القصابة، ثم أصبح من كبار تجار المواشي في القدس. وفي عام 1934، قام بخطوة نوعية تمثّلت في استيراد الأبقار الهولندية إلى المدينة، وهو أمر نادر ومبكر في سياقه الزمني. امتلك مزرعة للمواشي في "خان تنكز" بسوق القطانين داخل البلدة القديمة، ورثها عن أجداده، واحتفظ بها لعقود قبل أن يوقفها لصالح دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس. وتُستخدم اليوم كمركز أبحاث تابع لجامعة القدس.
المواقف الوطنية
عُرف بمواقفه الثابتة في وجه محاولات الاستحواذ على الممتلكات الفلسطينية في البلدة القديمة، ورفض بيع متجره رغم العروض المغرية. ومن المواقف المنقولة عنه أنه رفض عرضًا ماليًا كبيرًا، ثم شيكًا مفتوحًا مقابل متجره، وقال للساعي إليه:
"هات ورقة موقّعة من جميع المسلمين تُجيز البيع، وسأعطيك المتجر مجانًا."
وقد أصبح هذا القول مثالًا يُستشهد به في سياق الثبات على الحقوق.
الفقه والانتماء
رغم بساطة تعليمه، فقد كان الحاج موسى ملتزمًا دينيًا، ويتبنى رؤية فقهية شعبية ترى في البقاء بالقدس نوعًا من العبادة، وفي الحفاظ على أرضها واجبًا جماعيًا. وكان يعتبر أن أرض فلسطين ليست ملكًا فرديًا بل وقفٌ للأمة، يستوجب الحفاظ عليه وعدم التصرف فيه دون اعتبار للمصلحة العامة.
الحياة الاجتماعية
أسهم الحاج موسى في الإصلاح بين الناس، وكان منزله في باب السلسلة ملتقى للوجهاء، يُستخدم لحل الخلافات وتعزيز السلم الأهلي. كما أوقف منزله وقفًا ذريًا ليبقى صدقة جارية لأبنائه وذريته من بعده.
الوفاة
توفي الحاج موسى الخالص في مدينة القدس عام 2002، عن عمر ناهز 105 أعوام. وقد خلدت سيرته كشاهد على مرحلة مفصلية من تاريخ المدينة، تُجسّد الصمود والارتباط العميق بالأرض والمقدسات.
في سجل التاريخ الوطني
في عام 1956، كان الحاج موسى من ضمن وفد وجهاء القدس الذين زاروا القاهرة لتهنئة الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمناسبة تأميم قناة السويس. وقد التُقطت له صورة تذكارية في تلك المناسبة، يظهر فيها إلى جانب شخصيات مقدسية بارزة، تعبيرًا عن وحدة الموقف القومي في تلك المرحلة.
الدور الوطني والاعتقال
من أبرز محطات حياته اعتقاله في سجن عكا خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث كان ضمن المعتقلين الوطنيين الذين واجهوا ظروفًا صعبة. وقد تزامن وجوده هناك مع المناضلين محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، الذين أُعدموا لاحقًا عام 1930. كما كان من رجالات ثورة 1936، وارتبط اسمه بالمناضل فرحان السعدي، والمفتي الحاج أمين الحسيني، الزعيم الوطني البارز آنذاك.
تُظهر هذه المرحلة من حياته التزامه الوطني ومشاركته الفاعلة في مقاومة الاستعمار البريطاني، وتجعل من سيرته رمزًا لفترة خصبة من النضال الفلسطيني.
الخاتمة
لقد جمعت سيرة الحاج موسى الخالص بين النسب الشريف والعمل الشريف، بين الثبات الوطني والالتزام الديني، وبين النشاط التجاري والإصلاح الاجتماعي. ظلّ مثالًا للرجل المقدسي الثابت، وترك إرثًا خالدًا في تاريخ المدينة، يشهد عليه الناس، والحجارة، والوثائق.
الخلاصة
لم يكن الحاج موسى الخالص مجرد تاجر أو وجه اجتماعي، بل كان نموذجًا متكاملًا للرباط المقدسي. نشأ في باب السلسلة، وكان له حضور بارز في النضال والإصلاح والوقف.
جسّدت علاقته بالأرض والناس رؤية راسخة بأن القدس ليست سلعة تُباع، بل أمانة تُصان.
ملاحظات بحثية عن النسب
استند هذا البحث إلى تحليل مشجّرات الأنساب والوثائق التاريخية والشفوية لتوثيق نسب عائلة الخالص، وتبيان أنهم:
-
من السادة الجعافرة الحسينيين.
-
من أتباع مذهب أهل السنة والجماعة.
-
سكنوا ترقوميا، ثم القدس (باب حطة – باب السلسلة).
-
عُرفوا سابقًا باسم "الجعافرة الحسنيين".
-
كانوا جزءًا من النسيج الاجتماعي والديني المقدسي.
ويُبرز البحث ضرورة إعادة النظر في بعض الروايات المتأخرة التي غيّبت أدوار عائلات شريفة في فلسطين، ويؤكد أهمية العودة إلى المشجّرات والوثائق العثمانية والروايات الموثقة لإعادة الاعتبار لهذا الإرث التاريخي.
خاتمة البحث
تُعد عائلة الخالص من العائلات الهاشمية الشريفة التي حافظت على نسبها ومكانتها، وأسهمت في حفظ هوية القدس الدينية والوطنية. وتُمثل هذه الدراسة دعوة لمزيد من التحقيق العلمي والموثّق في تاريخ العائلات الشريفة في فلسطين وبلاد الشام.