.. وفي مخيم جرمانا، بدوره حدثنا الحاج هاشم خزاعي عن جوانب أخرى في قرية الصالحية، لافتاً إلى تطور بعض خدماتها عما كانت تشهده قرى أخرى مجاورة لها، فهي تضم عيادة صحية يستفاد منها في الوقاية والعلاج من بعض الأمراض، حيث تستقبل المرضى مرتين في الأسبوع للعلاج مقابل قرش أو نصف قرش يُدفع أجراً لطبيب يهودي وطني اسمه «ماير»، وعند الضرورة أو في حال عدم وجوده يذهب المرضى للعلاج في صفد، وكانت العيادة غرفة تحوي أيضاً بعض الأدوية والمبيدات التي تستخدم للوقاية من الأوبئة والأمراض الطارئة.
ويضيف الحاج خزاعي أنه إلى جانب هذه العيادة كان هناك علاج طبيعي لبعض الأمراض.
المهن والحرف
يتذكر الحاج خزاعي أنه إلى جانب اشتهار القرية بالزراعة وتميُّزها بذلك، فإنها لم تخلُ من بعض المهن والحرف الأخرى، كالحدادة التي كان يمارسها شخص لبناني يدعى أبو جورج كان يأتي من قرية مرجعيون فيحدو الخيل ويصلح سكك الحراثة ويجلخ السكاكين. وكذلك حرفة النجارة والحلاقة. كذلك ضمت القرية ملحمتين، إحداهما لشخص يدعى عصمان من حمولة الجوايدة كان يبيعنا اللحم بالرطل. وفي مجال التجارة المحلية اشتملت القرية على ثمانية دكاكين أبرزها دكان لمحمد الجمعة وفايز حلاوة وأحمد ياسين.
بين ثورة 36 والنكبة
يسترجع خزاعي ثورة عام 1936: «كان عمري تسع سنوات تقريباً، وما أذكره أن القرية شهدت بعض المناوشات والاحتكاكات الفردية مع الإنكليز، التي كان سببها الأساسي الخلاف على المياه مع اليهود، وتعرضت القرية للتفتيش أكثر من مرة بحثاً عن السلاح الذي كان في القرية بكمية متواضعة لا تكاد تذكر، وقد عمد بعض أهالي القرية ممن لديهم سلاح إلى إخفائه، واعتقل منهم شخص يدعى جمعة العلي من حمولة الجوايدة حيث وجدوا عنده بعض الطلقات.
لم يكن هناك ما نهاجمه في القرية أو بالقرب منها من مصالح خاصة بالإنكليز، لذلك شاركنا في الهجوم على مقر البوليس «المخفر» الموجود في الخالصة.
واستمرت مناوشاتنا مع الإنكليز واليهود مداً وجزراً حتى عام النكبة، وتحديداً في 25 أيار (مايو) من عام 1948، يوم سقوط القرية، حيث اضطررنا إلى الخروج خوفاً على أعراضنا، متأثرين بما سمعناه من مجازر ارتكبت بحق القرى التي سقطت بيد الصهاينة.
التغريبة
بعد سماعنا نبأ المجازر قررنا الرحيل، ريثما تتضح الأمور وتستقر الأوضاع، فخرجنا من الصالحية إلى قرية الزاوية، ومكثنا فيها أسبوعاً، ومن ثم إلى جاحولا ومنها إلى الملاحة حيث بقينا فيها مدة شهرين. بعد ذلك دخلنا الأراضي اللبنانية عبر قرية العديسة ومنها إلى القليعة فمرجعيون، لننتقل بعد ذلك إلى سورية، وتحديداً قرية عين ميمون، مروراً بقرى الدرباشية والصيادة لنستقر في قرية عين التينة حتى عام النكسة 1967.
بعد عدوان حزيران 1967، نزحنا إلى دمشق وسكنّا في منطقة الميدان بحيّ يدعى الحقلة، وقد استُقبلنا استقبالاً لائقاً، ولا سيما أننا كنا نعمل قبل النكسة بالتجارة، وقد كانت تربطنا علاقات طيبة ببعض التجار من الشام من آل دعبول والحرش الذين أمدونا بكل ما نحتاج إليه وبعد مضي عشر سنوات، في عام 1977، دخلنا أول مخيم، هو مخيم جرمانا الذي لا نزال نعيش فيه حتى يومنا هذا.
وما إن فرغ الحاج خزاعي من سرده لهذه المعاناة الطويلة والمريرة حتى بادرته بسؤال أخير عن رغبته في العودة إلى قريته الصالحية في إذا ما توافر له ذلك، فأجابني بسرعة ومن دون تردد: «لو أعطوني مال سويسرا لا أقبل بديلاً من قريتي الصالحية، ومَعْرَشْ فيها أفضل من قصر في أي دولة عربية».
مجلة العودة
تموز 2010