إمتثال خليل عبد الهادي... ذاكرة يافا التي وثّقتها مؤسسة هوية

في إطار جهودها المستمرة لتوثيق الروايات الشفوية للنكبة الفلسطينية، قامت مؤسسة هوية بتسجيل شهادة مؤثرة للسيدة إمتثال خليل عبد الهادي، من مواليد عام 1938 في البلدة القديمة بمدينة يافا.
نشأت إمتثال في منزل يتألف من ثلاث طوابق، كانت عائلتها تقطن الطابق الأول، قرب البحر، حيث كانت الإضاءة تعتمد على "الضيء" قبل وصول الكهرباء بفترة قصيرة. والدها كان بحّارًا يمتلك فلوكة يتنقل بها بين ميناء يافا، جزيرة جرومي، وقبرص، في رحلات بحرية كانت تستغرق ليلة كاملة.
والدتها قبرصية الأصل، وكانت تصطحبها جدتها إلى ساحة الساعة الشهيرة في يافا. درست في مدرسة العجمي، وكانت تنتقل إليها بالباص، ويوجد في يافا جامع قريب من منزلنا وتصف الحاجة حارات وأزقة يافا بأنها تشبه حارات صيدا وأزقتها القديمة.
في المدينة، كان الطب العربي حاضرًا، حيث كان الأطباء يأتون من القدس، أو يزورون المرضى في منازلهم، خاصة لعلاج العيون.
تروي إمتثال تفاصيل الهجوم على يافا، حيث كانت في المدرسة عندما اقترب اليهود من المكان، فهربت مشيًا لمسافة طويلة. توقفت أمام مشغل لتلتقط خيوطًا لوالدتها، فصادفت شابًا أعطاها الكثير منها، ثم التقت بجدتها في منتصف الطريق.
عند وصولها إلى المنزل، قرر والدها الرحيل. تركوا كل شيء خلفهم، وركبوا الفلوكة، ومنها إلى مركب الهجرة الذي نقلهم من يافا إلى بيروت، حيث أقاموا مؤقتًا في منطقة الكرنتينا.
حصل والدها على رخصة للعمل على فلوكة، ثم انتقلوا إلى صيدا، إلى منطقة "الميه وميه"، حيث سكنوا في قصر وضع فيه شادر لكل عائلة.
رغم سنوات اللجوء، بقيت إمتثال متمسكة بحق العودة، وقالت:
"أترك كل شيء وأعود إلى فلسطين. لا تنازل عنها."
"خيروني بين نعيم لبنان أو أوروبا، فاخترت أن أعيش بخيمة في يافا."
وفي وصيتها الأخيرة، دعت أهل غزة إلى الصبر والثبات، وأوصت أولادها بالعودة إلى فلسطين، مؤكدة:
"فلسطين أرضنا وأرض أجدادنا."
هذه الرواية هي واحدة من آلاف القصص التي تسعى مؤسسة هوية إلى حفظها، لتبقى الذاكرة الفلسطينية حيّة في وجه النسيان، ولتكون شاهدًا على الحق الذي لا يسقط بالتقادم