لقاء مع المربي الفاضل أ. أحمد جحشن من مواليد مدينة حلحول - نادي الندوة الثقافي

ولدت في الوقت الذي استشهد فيه 19 شخصًا من البلد، حينها أمي ولدتني من الخوف، كان العسكر الانجليزي قد جمع النساء كلهن في بيت واحد يعود لعائلة هرماس، وجمع الرجال في ساحة المدرسة الخاصة بالأولاد، بينما كان الرجال يموتون بين الأسلاك تحت شمس الصيف اللاهبة، وهبتني أمي الحياة وسط الموت، عندما ولدت لم يجدوا شيئًا يضعوني فيه سوى قدح من القش، كانت النساء تسمع صوت الرجال في الخارج وهم يصيحون بين صوت الرصاص، كان الخوف سيد الموقف، حيث سرق منها حليبها مما جعل والدتي ترفضي، حينما حملوني إليها قالت: بديش إياه،،،،،، لكن الموت الذي تربص في الجميع ترك لي فسحة للنجاة، حيث قامت إحدى سيدات البلدة بتوفير حليب بقرة عندها كي تطعمني، وحينها كتب لي النجاة بعد 9 أيام من الحصار والقتل والتجويع.
كان والدي يعمل في الزراعة، وكانت حلحول تحرس سلة الخليل الغذائية، من خلال ما توفرة أرضها من اللوزيات والكروم وخاصة العنب ومنتجاته، إلى جانب المقاثي والشعير والقمح والذرة البيضاء، وكانت السيارات من أربعينات القرن الماضي تحمل فائض المحاصيل نحو نابلس وغيرها من المدن، لكن هذه الشاحنات عند صدور قرار التقسيم 1947م أصبحت تحمل المقاتلين والثوار نحو أراضي المعارك التي نشبت بين المقاومين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية خاصة في منطقة عصيون، ورجال الثورة عام 1936م عرفوا أن ما خافوا منه سابقًا قد بدأ يتهيأ على أرض الواقع، ومن هؤلاء الرجال عبد الهادي حنيحن و ملحم عبد الرحمن ملحم، وحجازي مضية وأحمد هرماس وغيرهم الكثير.
كل ما قاتلنا من أجله أصبح في مهب الريح، وعين الذروة التي كان يزورها المستشرقين قبل النكبة تحت اسم عين فيليب، أصبحت بعد الاحتلال عام 1967م ضمن أطماع الصهاينة، هذا ما جعل رئيس بلدية حلحول محمد ملحم ينادي في الناس من أجل بناء مسجد فوقها لحمايتها، وهذا ما تم خلال ليلة واحدة هب فيها كل أهل البلد، كنت أعمل في الستينيات كمعلم للتاريخ وأتابع دراستي في بيروت حتى عام 1964م، وبعد الاحتلال كانت الأرض تغلي تحت سطوة المحتل، بدأت التنظيمات المحلية تنشط وكان نادي حلحول الرياضي الذي تأسس قبل الحرب بعامين يقوم بجمع أسماء من يودون التطوع للقتال، وجمعية سيدات حلحول تعمل بشكل متوازي في الشؤون الاجتماعية والنسائية والتراث، لكن كل هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، لكنني استكملت العمل مع رجال البلد في تشكيل العديد من المؤسسات الأهلية الأخرى إلى جانب التدريس، وكانت ذروة التضامن الاجتماعي في المدينة تكمن في تشكلي لجنة زكاة حلحول وجمعية التعليم العالي التي لا تزال تعمل في خدمة أبناء البلد حتى اليوم.
جانب من اللقاء الذي أجراه فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي يوم الأربعاء الموافق 30/7/2025 مع المربي الفاضل أ. أحمد جحشن من مواليد مدينة حلحول/ الخليل عام 1939م، الشكر موصول له ولعائلته على حسن الضيافة والاستقبال.
نادي الندوة الثقافي - 1/8/2025
