الدكتور محمد عمر حمادة.. ذاكرة فلسطين الحية في دمشق

هوية - فدوى برية
دمشق - آب/أغسطس – 2025
من على شرفة منزله في مشروع دمر، أطلّ علينا الدكتور محمد عمر حمادة (أبو مضر) الباحث والمؤرخ، متابعاً وصولنا على الهاتف باهتمام حتى لحظة دخولنا إلى مدخل المبنى. لوّح بيده وبسمة الترحيب تعلو وجهه، وفتح باب المبنى لاستقبالنا.
بعباءة مطرزة ووجه يفيض هيبة ووقاراً ورجولة، استقبلنا بكلمات الترحيب عند باب شقته مردداً التحية أكثر من مرة.
في صالة الاستقبال بدا الطابع الفلسطيني حاضراً في الأثاث والديكور، يعبّر عن أصالة وذوق رفيع لأصحاب البيت. أما المكتبة الكبيرة التي غطت أحد جدران الصالون فقد ضمت مجموعة واسعة من الكتب القيمة، يتصدرها موسوعة أعلام فلسطين وكتب في التاريخ والثقافة والدين، إلى جانب صورة لابنه الوحيد مضر يوم تخرجه.
جدد الدكتور الترحيب بنا، ثم طلب التعرف علينا والجهة التي نمثلها قائلاً:
"من أجل فلسطين، وافقت على حضوركم وتسجيل المقابلة معكم، لأني لم أعتد استقبال أحد في منزلي".
بعد أن استقبلتنا زوجته أم مضر وقدمت الضيافة، بدأ اللقاء بمقدمة تعريفية عن طفولة الدكتور ونشأته في فلسطين. والمفاجأة أن والدته خرجت من حيفا إلى قرية "إجزم"، حيث حيث أطلق صرخته الأولى ، لكنه لم يلبث أن انطلق مع عائلته في رحلة التهجير عام 1948 إلى سوريا. روى تفاصيل كثيرة تناقلها عن والديه، تحدث عن الفقد والوجع وألم البعد والفراق، لكنه ظل ثابتاً كجذع زيتونة لا ينحني، يحمل أمانة حب فلسطين.
تخرج الدكتور محمد من جامعة دمشق ـ كلية الآداب العربية، وحصل على الماجستير في تحقيق المخطوطات. حمل على عاتقه مهمة صون الذاكرة الوطنية وتوثيق سير الأعلام الذين صنعوا هوية هذا الوطن، فكانت موسوعة أعلام فلسطين جسراً يصل الماضي بالحاضر ويحفظ الإرث للأجيال القادمة.
في كل سؤال طُرح عليه كان ذهنه وقلبه حاضرين، يجيب بسلاسة وكأن الماضي أمام عينيه. الخُلق وسعة العلم ورحابة الصدر كانت عنوان هذه الزيارة. ورافقنا بعناية إلى مكتبته، متحدثاً عن مؤلفاته التي استغرقت ثلاثين عاماً من عمره في التحضير والإنجاز.
بعد الانتهاء من تسجيل اللقاء، شاركنا الدكتور وزوجته مأدبة الغداء بكرم كبير، وكان الحديث عن أبنائه الذين غادروا سوريا خلال الأزمة إلى كندا، حيث عاش معهم ثماني سنوات قبل أن يعود إلى منزله في مشروع دمر. ومع فنجان القهوة، استكمل الحديث عن شجرة عائلته بكل رحابة صدر ودقة.
الغيرة والحرص على أبناء جلدته دفعاه لأن يصرّ على تأمين سيارة خاصة لإيصالنا إلى منزلنا بسبب تأخر الوقت مساءً. وقبل أن نودّعه قدّم لنا مجموعة من إصداراته هدية لمنصة "هوية"، طالباً أن ننقل تحياته لإدارتها على هذا العمل الشاق والهام في خدمة القضية الفلسطينية.
وفي الختام، نتوجه بالشكر للدكتور محمد عمر حمادة على وقته وجهده وما قدّمه لفلسطين وللتاريخ، ولزوجته السيدة أم مضر على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، الذي لا يزال يحمل نكهة المطبخ الفلسطيني الأصيل.

