قرية الشجرة: شجراوي أنا .. ذكريات لا تنسى

أنا كريم شدّاد من الشجرة , قرية حنظلة , وناجي العلي , التي سقطت في 1948 . 5 . 6 واستشهد فيها الشاعر عبد الرحيم محمود من سكان عنبتا , وسكن في تلك الفترة في الناصرة . وتقول الرواية , أنه خرج مع بعض الأفراد من الناصرة للمشاركة في معارك قرية الشجرة , وعاد , محمولاً على الأكتاف وهو يردد , سأحمل روحي على راحتي ... ودفن في الناصرة .
هجرنا من الشجرة قضاء طبريا الى مدينة الناصرة بقوة السلاح وتمركزنا فيها واحتضننا , أهل جدتي من عائلة جدعون .
تلقى أبي هلال ابراهيم شدّاد دراسته الابتدائية في مدرسة.
داخلية في منطقة بيت جمال قضاء القدس لمدة زمنية ستة سنوات متتالية , تخرّج بعدها شاباً يانعاً مثقفاً , يبحث عن مهنة يعتاش منها هو ووالدته مستقبلاً . لقد أحب والدي الناصرة وأهلها , وبعد زواجه من أمي وهي من عائلة جدعون , استطاع أن يبني علاقات اجتماعية , مع عدد كبير من السكان , بصفته صاحب منجرة في سوق الناصرة القديم . ( بناية آل فاهوم ) .
بين الفترة والأخرى , كان أبي يزور بلده الشجرة , بتسريح او بدون تسريح .
في زيارتي الأولى لقرية الشجرة , برفقة والدي , كنت وقتها , في جيل ال 21 عاماً ,اعمل موظفاً في بنك " باركليس " مركنتيل اليوم .
عند وصولنا القرية , واذا بأبي يطلب مني الوقوف بجانب الموقع , وبشكل لم أتوقعه منه , حيث كان محتد الطبع , وعصبياً للغاية , وطلب مني النزول من السيارة . توجّه بضعة أمتار نحو أطلال البيت الذي بقي منه حائط واحد بشكل زاوية وغير متكامل , وبجانب هذا الحائط توجد حفرة يعلوها العشب , حيث تدل على موقع بئر الماء الخاص بالبيت .
نظرت الى والدي , واذا به يذرف الدموع بشكل هادئ , وقال لي بكلمات مخنوقة , هذا بيتنا يا كريم .
كان هذا وضع طبيعي جداّ بالنسبة لرجل ترك بيتع عنوة وهجّر منه , وهو في سن الطفولة , واليوم يزور هذا البيت برفقة ابنه .
لم أكن مرتاحاً لهذا الموقف الصعب جداً , ومنظر أبي , وهو يمسح الدموع على هذا المصير الصعب . ولكن , ما العمل , لقد وقعت في حيرة من أمره , كيف أتصرّف مع هذا الموقف , ونحن لوحدنا , في منطقة خالية من السكان , لا يوجد بها غير أصوات وزقزقة العصافير , وحفيف أوراق أشجار كروم العنب , والزيتون المثمر وغير المثمرة .
الحقيقة أنه موقف صعب جداً مرقته , لا انساه ابداً ما دمت حياً .
لقد أخدت المبادرة , وطلبت من أبي العودة الى السيارة , وعدنا ادراجنا الى ناصرة البشارة , حيث لم نتكلم مع بعضنا البعض ولا بكلمة واحدة , حتى وصلنا البيت في حارة الروم .
لولا محبة ابي للناصرة وأهلها , لفارق هذه الدنيا قهراً , على قريته الشجرة , وكل ما فيها من أملاك , وأهلها الطياب , وخصوصا نبعة القرية .
يذكر التاريخ أن قرية الشجرة , أنجبت شخصيات فلسطينية عريقة , أذكر منها في الغربة ناجي العلي , وفي الناصرة عائلة سلايمه والخوري وشدّاد . وعدد كبير من العائلات الاخرى مدوّنة اسمائهم في كتاب " قرية الشجرة الزاهرة " للمؤلف فادي سلايمة .
الشجرة تمثّل رمزاً للذلكرة الفلسطينية , كانت قرية نابضة بالحياة , ببنيانها الزراعي , وثقافتها , حيث بقيت الأطلال شاهداً على قصة قرية , لا ينساها الوطن . وتزار سنوياً .
يذكر الذكر أنه على انقاضها , بنيت مستعمرة "ايلانيا " عام 1902 , واستقر بها دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة اسرائيل .
موقعها الجغرافي :
كانت الشجرة مبنية على السفح الشرقي لتل , يمر بجوارها طريق عام , يربط طبريا بالناصرة . اشتهرت الشجرة بزراعتها للقمح , والشعير , والزيتون , والتين . أنشئت فيها عدة معاصر زيتون , وبئر جوفية , وعين ماء .
كان بها مسجد كبير قديم , وآخر حديث , كنيسة , ومدرسة .
تأسس في عهد الانتداب البريطاني , مجلس شيوخ , ومختار , مثل يوسف الدرويش ( انتخب عام 1911 )
سقطت الشجرة في السادس من أيار عام 1948 , وتم تدميرها بالكامل . وتشرد سكانها البالغ عددهم نحو 893 نسمة , باتجاه الناصرة , طرعان , ومخيّمات الاردن وسوريا. ولبنان .
ومن الجدير ذكره أنني تابعت زيارة الشجرة ما بين الفترة والاخرى , وكنت أقول للمرافقين ما قاله والدي وهو يجرف الدموع . نعم
هذا هو بيتنا , وهذه نبعتنا وهذا هو شجرنا المثمر .
بقلم كريم شدّاد