المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية هوية .
صيدا سيروب
وثقت هوية مع الحاجة مفيدة حسين مصطفى سلامة التي ولدت في قرية الغابسية قضاء عكا في بيت من الصخر بناه والدها، قريب من التربة، ومحاط بأرض يمتد فيها بستان من أشجار الزيتون، وبئر جمع لسقي الأغنام، والماعز وكان الضوء في البيت يأتي عبر القنديل أو الفانوس، وقد حملت الحاجة طفولتها أيضًا ذكريات مؤلمة، مثل وفاة أحد إخوتها بعد سقوطه عن فرس العائلة، حين كان عمره تسع سنوات.
كبرت مفيدة في أسرة تعمل بالزراعة والحجر والصيد، حيث كان والدها يذهب للبيادر لشراء الفحم، وكان غالبية أهل القرية يعملون في صيد الأسماك بالبحر. ارتبطت حياتهم بعادات وتقاليد القرية: الخبز يُطحن في نهاريا، والملابس غالبًا تُختاط محليًا، وحلويات العيد مثل الزلابية والعوامة والمشبك كانت تملأ أجواء الفرح.
تُعرفت مفيدة على عادات الزواج في الغابسية، مثل الحنة وليلة العرس، حيث كان العريس يطوف على الفرس، وتُقدّم الأطعمة التقليدية كالكبة والمناسف للضيوف، وكانت هذه الطقوس تجمع العائلة والجيران.
لكن الحياة تغيّرت سريعًا، ففي سن السنتين، هجرت عائلة مفيدة فلسطين، رحلة شاقة مليئة بالمجازر والألم، فقدت خلالها عمتها وابنتها وابنها، وخطف طفل صغير من عمتها ولم يعرف عنه شيء حتى اليوم.
رغم سنوات الغربة، لم يضعف حب مفيدة للغابسية. زارت فلسطين عام 1982- 1983 لعلاج والدتها وزيارة أختها ، وكل زيارة كانت تفيض بالمشاعر: لقاء أختها لأول مرة بعد هجرتهم، زيارة قبر أخيها منير، ومشاهدة منزل طفولتها، واستنشاق رائحة الأرض الفلسطينية، وكل هذه اللحظات كانت خليطًا من الفرح والدموع والحنين العميق.
ومع كل زيارة، كانت مفيدة تؤكد: "الأرض التي خلقت فيها هي هويتي، ولن أتنازل عن شبر منها. هويتي ليست للبيع، وحق العودة ثابت لا يزول."
اليوم، تظل الحاجة مفيدة سلامة رمزًا للصمود والارتباط بالأرض، تحلم بالعودة إلى الغابسية أو إلى بلد زوجها في الدلتاج، محافظة على إرثها وذاكرة حياتها التي لم تمحها الغربة ولا الزمن
