"هـويـة" تلتقي الحاج أحمد جابر محمد رمضاني (أبو محمد)
#صفد التي لا تغيب... ذاكرة لا تشيخ
#دمشق – 31/10/2025
#هوية – فدوى برية
بعد صلاة يوم الجمعة، زار وفد "هوية" الحاج أحمد جابر محمد رمضاني، من مواليد 1931، في منزله بمخيم اليرموك، شارع لوبية.
استقبلنا بحفاوةٍ كبيرة وسط حضور أبنائه وأحفاده وأفراد عائلته. كان يقرأ القرآن عند وصولنا، فأنهى تلاوته ووقف مرحّبًا، مستفتحًا حديثه بتأكيده أن القرآن كان رفيق دربه في الغربة وطريق الصبر الطويل.
وُلد الحاج أحمد في حارة الصواوين بمدينة صفد، وكان في السابعة عشرة من عمره حين هُجّر قسرًا عام 1948 مع والده، بينما كانت والدته تعالج في مشفى بحيفا مع أخيه محمد سري، حيث توفيا هناك. خرج الحاج من صفد تاركًا بيته وأحبته، حاملاً معه ذاكرةً لا تفارق تفاصيلها ذهنه.
ما زال يذكر بيته المزدان بأزهار القرنفل، وأرضه التي كان نصفها ترابًا ونصفها مبلطًا، وغرفة المونة، والإسطبل الصغير للدواب، ومدرسة "الرجوم" التي أتم فيها الصف السادس، والشيخ سعد الدين الذي علّمه القرآن.
ويتحدث عن صفد المدينة العامرة بأسواقها ومعاصرها وبساتينها، وعن العائلات التي جاورتهم في حارة الصواوين: الرمضاني، الهندي، خليفة، حجو، الكبرا، الشاعر، وغيرها من العائلات التي شكّلت نسيج المدينة الجميلة.
يستحضر مشهد التهجير القاسي حين غادر صفد مع والده المسن، وسار أيامًا طويلة جائعًا متعبًا، يأكل مما يجد من مزروعات على الطريق، حتى وصل إلى بنت جبيل في لبنان. وهناك اضطر لدفع سبع ليرات ونصف فلسطينية للانتقال إلى سوريا.
كانت محطته الأولى مدينة حلب، حيث أقام في مخيم النيرب في "الباركسات"، وكانت الحياة في بدايتها صعبة جدًا، فاللاجئون كُثر والمأوى محدود.
اضطر الحاج ووالده للسكن في قبو متواضع، والعمل في مهن مختلفة؛ فكان الأب يعمل في تقطيع الحجارة، بينما بدأ الحاج العمل في مطعم لتوزيع الوجبات. لاحقًا، التحق بالعمل في معمل خياطة يديره يهود، نظرًا لإلمامه بالقراءة والكتابة.
وبعد نحو عامين، انتقل إلى دمشق عام 1953، حيث تزوج مرتين؛ الأولى من السيدة مروة فرهود من صفد، والثانية من السيدة صبحية محمود شرشرة، واستقر في مخيم اليرموك – شارع لوبية.
عمل سائقًا في شركة النفط، ثم كُلّف بنقل الخبراء الروس والتنسيق معهم، واستمر في عمله حتى تقاعده عام 1996، ليتابع بعدها العمل كسائق تاكسي.
في ختام اللقاء، جلس الحاج أحمد محاطًا بأحفاده، يحدّثهم عن صفد كأنها لا تزال قائمة أمامه، ويختم بصوتٍ متأثر:
"حلمي أعود لبلدي، حدا بيكره بلدوا؟ يا ريت أرجع على صفد واندفن بترابها."
صفد ما زالت في قلبه، كما هي في ذاكرة كل من عاشها أو وُلد على حكاياتها، والعودة إليها تبقى الوعد الذي لا يسقط بالتقادم.
