2 ي ·
سيرة من مغار الخيط - قضاء #صفد
الحاج عيسى عبد المعطي يوسف
#دمشق – 3 /11/2025
#هوية – فدوى برية
بدعوة كريمة من ابنه أمين، زار وفد "هوية" يوم الاثنين الثالث من تشرين الثاني الحاج عيسى عبد المعطي يوسف (أبو العبد)، من مواليد 1932 – مغار الخيط، قضاء صفد، والمقيم في مساكن برزة – مسبق الصنع.
استقبلنا الحاج وزوجته وابنه أمين بترحابٍ كبير وابتسامة تعبّر عن دفء الذاكرة وصدق الانتماء.
يستعيد الحاج أبو العبد أيامه الأولى في قريته التي أحبها، مغار الخيط، الواقعة بين صفد والحدود اللبنانية.
درس أربع سنوات عند الشيخ عوض في الكتّاب، وختم القرآن الكريم أربع مرات.
كان يساعد والده في الزراعة، فيزرعون القمح والشعير والفول والعدس، ويعصرون الزيتون في المعصرة الموجودة في أرضهم، ويخزنون الزيت في الخوابي، ويعدّون السمنة والبرغل والمؤونة من خيرات الأرض.
كانت الحياة بسيطة وجميلة، تحكمها العادات والكرم والطمأنينة، وكان ديوان القرية يجمع الرجال للسهر والسمر وتبادل القصص والأخبار.
في عام 1948، وكان في السادسة عشرة من عمره، اضطر الحاج عيسى وعائلته لمغادرة مغار الخيط تحت نيران الحرب والخوف من القتل.
خرجوا سيرًا على الأقدام نحو القباعة، ومنها إلى علما في لبنان، ثم تابعوا إلى منطقة الميروس، ومنها إلى مارون الراس.
بعد ثلاثة أيام من المبيت هناك، تابعوا الرحلة إلى سحم الجولان في جنوب سوريا، برفقة والده وزوجة أبيه وأخته آمنة.
يتذكر جيدًا كيف حملوا معهم القليل من الطعام وبعض الأغراض، وكيف كانت الطرق مليئة بالعائلات الهاربة، والقلق يسكن الوجوه.
في سحم الجولان أقاموا نحو ثلاث سنوات، قبل أن ينتقلوا إلى دمشق – شارع الأمين (الأليانس)، حيث بدأ فصل جديد من حياتهم.
في دمشق، تزوج من الحاجة يسرى تميم وأنجب ابنه البكر عبد الرحيم عام 1957.
عام 1960 انتقل إلى مخيم اليرموك – شارع المدارس، وهناك وُلد التوأم أمين وآمنة.
بنى بيتًا عربيًا صغيرًا بمساحة 88 مترًا، مؤلفًا من غرفتين وصالون وساحة دار، ليكون مأوى العائلة وأحفادها من بعده.
عمل في البناء وساهم في تشييد مسرح القباني بدمشق، ثم أصبح معلمًا يدير ورشاته حتى عام 2000، قبل أن يعمل سائقًا على سيارة سوزوكي صغيرة.
ربّى أولاده على العلم والعمل، حتى أصبح لكلٍّ منهم بيتٌ وأسرة، واليوم يفخر بـ 32 حفيدًا يملأون حياته.
رغم السنوات الطويلة، ما زالت تفاصيل القرية تسكن ذاكرة الحاج.
يتذكر طعم المفتول والشاكرية، وحلويات العيد مثل الكعك بالعجوة والجوز.
يتذكر الزيتونات التي غرسها أبوه، والحظيرة قرب البيت، وأمسيات الديوان حيث يجتمع الأهالي على الزبيب واللوز والتين وبزر البطيخ.
وحين يتحدث عن طفولته، تدمع عيناه قائلًا:
"كنت آخذ بيضة من تحت الدجاجة وأشتري فيها سكرتين... يا ريت أرجع لطفولتي وبيتَنا بمغار الخيط."
وقبل وداعنا، أمسك بأوراق عقد الأرض التي سجّلها له والده وهو في التاسعة من عمره، وقال بحرقة ووصية للأبناء والأحفاد:
"ديروا بالكن على أرض السوادي... وازرعوها،
ديروا بالكن على الزتونات... هاي أرضنا، ما بننسى ترابها."
