ذاكرة لا تهدأ… الحاج عادل علي ياسين يسترجع ذاكرة أجداده
حلب – 2025/11/29
هويّة – أ. زياد غضبان
في إطار العادات الأصيلة لأهالي مخيم اليرموك في الترحيب بالضيف وإكرامه، زار وفد «هويّة» مساء السبت 29 تشرين الثاني 2025 منزل الحاج عادل علي ياسين، من مواليد قرية الخالصة – قضاء صفد / 1947، والمقيم حالياً في مخيم النيرب بعد تهجيره من مخيم اليرموك المنكوب.
البدايات… الخالصة كما يرويها أهلها
استقبلنا الحاج عادل بالتهليل والترحيب، ثم بدأ يسترجع ذاكرة أجداده وقريته الخالصة، إحدى قرى سهل الحولة التي تضم عشرين بلدة كان يترأسها شيخ العشيرة كامل الحسين.
تحدث عن والده علي الذي كان يعمل مدرساً في مدرسة الناعمة وينتقل بين القرى المجاورة مثل الناعمة والصالحية والعبسية والدوّارة.
وصف الحاج قريته الغنية بخيرات الأرض: الخضار بأنواعها من البندورة والخيار والفجل والجرجير والخس والباذنجان والبطاطا، إضافةً إلى الفواكه. وكانت القرية تشتهر بـ عين ماء صافية تُعرف بـ«عين الذهب»، يشرب منها جميع الأهالي.
وكان يوم الثلاثاء يشكل تقليداً أسبوعياً مميزاً عبر سوق «الخالصة» الذي تباع فيه المستلزمات المنزلية والمواد الغذائية وكل ما يحتاجه الأهالي.
البيت والذكريات… وما بقي في الذاكرة
لم تسعفه الذاكرة في تذكّر أسماء الجيران، لكنه استحضر وصف والده لمنزل العائلة المبني من الحجر والمُحاط بالحقول الواسعة التي ترعى فيها الأبقار والماعز والغنم.
وما زال يستذكر كرم أهل الخالصة في استقبال عابري السبيل، من ضيافة ومنامة وذبائح.
توقف قليلاً ليستكمل حديثه عن بنية القرية الداخلية من مدارس ومضافة، ثم تذكر بحزن الصور التي شاهدها مع ابن عمه لبيوت الخالصة وجامعها المبني من الحجر البركاني الأسود، تلك الصور التي فُقدت أثناء دمار منزل جده في مخيم اليرموك.
عادات وطقوس… من القهوة إلى الأعراس
يتحدث الحاج بفخر عن عادات قريته، حيث كان أهلها يدقّون القهوة في المهباج ثم يحمّصونها ويغلونها لتقديمها طازجة للضيف تعبيراً عن الكرم.
كما تحدث عن الأكلات الشعبية مثل الزّاتيات والمضيرية التي لم تُنقل إلى الشتات.
أما الأعراس فكانت عامرة بالـ«تعليلة» والدبكات المختلطة، وفزعة أهالي القرية لمساعدة العريس.
كما استذكر رحلات الحج القديمة التي كان يقوم بها الأجداد على الجِمال وما يرافقها من مشقة الطريق وطول السفر.
النكبة… ومشاهد الرحيل
يروي الحاج ما نقله له والده عن معاناة الهجرة الأولى، إذ تعرّضت القرية للقصف فهُدمت البيوت فوق ساكنيها وتعرض الأهالي لإطلاق النار، في مشاهد شبّهها بمجزرة دير ياسين.
غادر أهل الخالصة ظهر 5 أيار 1948 «مثل الجراد» في تغريبة فلسطينية محفوفة بالبرد والخوف، مشياً لساعات حتى وصلوا القنيطرة ثم إزرع في حوران.
وعاشت العائلة 45 عاماً في مخيم اليرموك قبل النزوح إلى مخيم جرمانا ثم إلى مخيم النيرب في حلب.
الموقف من التوطين… انتماء لا يتزحزح
وعند سؤاله عن مسألة التوطين، استنفر الحاج بصوت يختلط بالقهر والدموع قائلاً:
«ما بسقط حقي ولا بنسى بلادي… والله لو ملايين الليرات ما بقبل… ما برضى غير وطني وبلدي… بلادي اللي عشت فيها ما بنساها».
ورغم أنه خرج من الخالصة وهو ابن ستة أشهر، إلا أن انتماءه لبلدته ظل متجذراً فيه، يروي تفاصيلها وكأنه عاش بين أهلها، وشرب من مائها، وأكل من خيرات أرضها.
