سَعَدة أحمد عبّاس… حكاية أمّ من كفر كَنّا
دمشق – 14/11/2025
هوية – فدوى برية
عصر يوم الجمعة استقبلتنا الحاجة سَعَدة أحمد علي عبّاس (أم خالد)، مواليد قرية الشجرة عام 1940، من بلدة كفر كَنّا قضاء الناصرة، في منزلها الكائن في حي الزين بمخيّم اليرموك. رغم أن ذاكرتها لا تحتفظ بالكثير من تفاصيل الحياة في الشجرة أو في كفر كَنّا بسبب صغر سنّها عند التهجير، فإن حضورها الدافئ وصوتها الحنون كانا كفيلين بأن يعيدا إلى الواجهة تاريخ عائلة فلسطينية امتدّت جذورها من الجليل، وواصلت فروعها الحياة في بلاد الاغتراب.
كان للحاجة أم خالد مساهمة في مشروع "هوية"، فقد ساعدت في تسجيل جزء من شجرة عائلة عبّاس بدءاً من إخوتها:
محمد، حسن، محمود، عبدالله، نجية، كلثوم، جميلة،
إضافة إلى توثيق أسماء أبنائها وبناتها ضمن شجرة عائلة صقر من كفر كَنّا.
جاء هذا التوثيق امتداداً لحرصها الشديد على حفظ الروابط العائلية، وعلى إبقاء ذاكرة أجدادها حيّة رغم النكبات المتعاقبة.
أمّ كانت الأب والأم معاً
تروي أم خالد حياتها بشيء من الاعتزاز الممزوج بالألم. فقد غاب زوجها باكراً مع مجموعة من الثوار للدفاع عن الوطن، فوجدت نفسها تحمل دور الأب والأم معاً. عملت في الخياطة بإصرار، وسهرت على تعليم أولادها حتى تخرّجوا من الجامعات، وحصلوا على مراكز علمية مرموقة.
ربّتهم على تحمّل المسؤولية وعلى نهج والدهم في حب الأرض، فكبروا وهم يحملون فلسطين في قلوبهم، وغرسوا حبها في أبنائهم كما غُرِس فيهم. لكل واحد منهم اليوم طريقه الخاص في خدمة فلسطين، كلٌّ من موقعه ومكان اغترابه.
منفى يتلوه منفى… وبيت صار ركاماً
بقيت الحاجة أم خالد وحيدة بعد أن اضطر أولادها إلى مغادرة دمشق نحو منافي جديدة، يحملون آثار حرب أخرى عاشوها في سورية، والتي دمّرت منزلهم وحوّلت سنوات تعب الوالدين إلى ركام. رحلوا وهم يحملون الوطن الأول في القلب، والوطن البديل في الذاكرة، يتذكّرون تفاصيل أيام كانت عامرة بالدفء رغم ألم اللجوء.
خلال زيارتنا، تناولنا الغداء مع ابنها أبو عماد الذي عاد لزيارة والدته والاطمئنان عليها بعد سنوات طويلة من الفراق، في منزل ابنه وبين أحفاده. لم تستطع الحاجة تمالك دموعها حين تذكّرت موائد الغداء التي كانت تجمع أبناءها جميعاً قبل أن تفرّقهم الحرب مرّة أخرى، كما فرّقتهم نكبة عام 1948.
حنين لا يخبو
تشتاق أم خالد للعودة إلى فلسطين، وتتمنى أن تعود مع أبنائها وأحفادها إلى كفر كَنّا التي خرجت منها طفلة صغيرة، وتحلم بأن ترى أرضها وبيوتها وأزقّتها من جديد، وأن تعيش بقيّة عمرها في أحضان بلدها.
وتختم حديثها بقلبٍ مفعم بالإيمان:
"الله ينصر أهل غزة… رجال ثابتين."
